أعشق تلك الساعة الذهبية بعد صلاة الفجر، وانبلاج شمس الصباح الباكر المنعش الذي يحمل بين حناياه نسمات الحيوية لميلاد يوم جديد في جبين التاريخ، حيث تكون روحي العطشى قد ارتوت بقرآن الفجر وعطر الأذكار وخالص الدعاء لموتانا وموتى المسلمين بالرحمة والغفران، ذكراه أجّجت مشاعر الغربة.. فاغرورقت عيناي بالدموع وأجهشت بالبكاء وانكفأ وجهي على الأرض وارتوت أخاديدها بدموعي التي ارتعشت وامتزجت جزيآتها بتساؤلات عديدة.. ترى هل نسيني الآن؟ لابد أن تكون قد نسيتني الآن يا أحمد! رحماك ربي.. ما أنا فاعلة الآن ؟! لقد نسيني زوجي!. ترى.. كيف سيكون اللقاء؟! وتهدج صوتي بالبكاء، إلى أن سمعت صوت المنبه لتمخّض رسالة الصباح وما يحمل معه من مفاجآت، تكون سارّة تارة، وسواها تارة أخرى. تلت عيناي الملتهبة عبير الدعوات: (اللهم إنك قد أخذت أحب الناس إليها.. اللهم فاجعل بين عينيها منزلها وهو ومن تحب في فردوسك الأعلى.. تتقاذف فاكهتها وإياه وتسبح في أنهارها بجانبه).آمين .. كلمات ذات مغزى.. انسابت إلى نفسي الحزينة.. فانشرحت وابتهجت.. لتهتف.. مالي سواك يا إلهي لأبثك همي وحزني وأشكو لك ضعف قوتي وقلة حيلتي.. فقد طحنتني المحن.. وأدارت الرحى دائرتها علي لتقطع أوتار أنفاسي في نزيف أوردة الحزن وشرايين الفراق، فشحنتني قوة وصلابة وحكمة لمواجهة الصعاب.. ومؤازرة الغير فيما يواجهون من ابتلاءات وهموم.. وها أنت يا أخيتي تهديني تلك المعززات اللغوية.. (ما أروع صبرك.. أبكاني والله، وأشعرني بتقزمي أمامك أيتها العظيمة، فأسأله سبحانه أن يرضى عنك ويرضيك، ويعطيك خيري الدنيا والآخرة.) آمين. رددت في نفسي.. العظيمة.. العظيمة كلمة قوية مطلقة.. ولأننا بشر أحمل مبدأ التوازن في قاموسي الخاص لمفاهيم الصفات لمواقف الحياة المتنوعة.. ولا يسعني إلا أن أردد ما حباني به ربي فهو من فضله وكرمه ونعمائه على عباده المبتلين.. الفقراء الى عفوه والراجين لمرضاته. أما في ذاكرة النسيان.. ابتدرني أحدهم ذات مرة في عنوة.. من ينسى من؟ الأحياء أم الأموات؟ آمال ملاك