الحوارات التى يعقدها الزميل بدر الغانمي مع شخصيات ثقافية و اجتماعيه سعودية تمثل نافذة مهمة لإستكشاف الحقيقة وانجلاء المغيب والإطلاع على خفايا الضيوف و الولوج إلى ما يعتلج في الصدور . وحوار د/ عبدالله العثيمين هو من تلك الحوارات الهامة التى أجاد فيها المحاور مع ضيفة للإجابة على العديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام الواقفة حوله وما تختزنه حياته العلمية والفكرية من تجارب ومواقف . وعلى الرغم من الإسقاطات القومية التى فاض فيها الضيف خلال حديثة إلا أن قصة الإخفاق الأولى التى عاشها والتى انبرى لها معالي د/ عبدالعزيز الخويطر كانت صريحة ولكنها كانت ناقصة . أما المحور الآخر الذي أفاض فيه د/ عبدالله العثيمين فهو حديثه نحو التشدد المشار إليه في منطقة القصيم تحديداً والذى سارع فيه إلى إجابة هي أقرب إلى الفبركة الإعلامية الصحفية منها إلى الحقيقة التاريخية حيث قال في سؤال وجه إليه \" دعني أسألك يا دكتور عن أسباب الإشارة إلى منطقة القصيم دائما على أنها متشددة أكثر من غيرها من مناطق المملكة؟ فقال : من الصعب أن تعمم على القصيم لكن يمكن القول إن في القصيم مدرستين مختلفتين، أولاهما مدرسة آل سليم رحمهم الله في بريدة وكان يغلب عليهم طابع مدرسة العارض والرياض وفيها نوع من التشدد والمحافظة، والثانية مدرسة عنيزة وهي أكثر انفتاحا ومن علمائها القاضي ابن عائض وكان يدرس في مصر والحجاز ثم جاء بعده الشيخ صالح العثمان القاضي وهو من طلاب الأزهر والحجاز ثم جاء من بعدهم الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله فهذه مدرسة مختلفة وكل له فضله واجتهاده .. \" ا . ه فالمدرستان اللتان أشار إليهما الضيف ليستا بهذا الشكل ولم أسمع أن أحداً من المؤرخين أو الكتاب قدم هذا الوصف للمدينتين وبالرجوع إلى كتب التاريخ سوف يجد القارئ حقائق هامة لا تحتمل هذا التشريخ والتى منها : أن مدرسة آل سليم في بريدة التى أشار إليها الدكتور العثيمين والتى غلب عليها كما يقول طابع العارض والرياض والتى تتسم حسبما يقول بالتشدد والمحافظة كانت في الحقيقة مدرسة علمية متميزة برز لها دور رئيس في نشر دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وتحقيق مبادئ التوحيد والتركيز علية إضافة إلى ولائها المطلق مع الدولة السعودية في أطوارها وخصوصاً الثاني والثالث كما أن بريدة ذاتها احتفظت دون غيرها من نواحي نجد في حراك فكري متميز هام تمثل في مدرستين وليس مدرسة واحدة وهما مدرسة آل سليم وآل جاسر وكلاهما كانت له رؤاه وتوجاهاته مما يؤكد النضج العلمي والفكري والإختلاف المتعدد وتأثرت منطقة القصيم عموماً وحائل بهاتين المدرستين مع ما وجد من مخالفة من بعض العلماء للدعوة الإصلاحية أمثال الشيخ عبدالله بن على بن حميد صاحب كتاب السحب الوابلة . إلا أن عنيزة تأثرت بمدرسة الشيخ إبراهيم بن جاسر رحمه الله كثيراً خصوصاً حينما تولى القضاء فيها وقدم من بريدة وتتلمذ عليه أهلها وخصوصاً الشيخ عبدالرحمن بن سعدي والشيخ صالح العثمان القاضي رحمهما الله والذى يعتبر الشيخ إبراهيم بن جاسر رحمه الله شيخهم الأول إضافة إلى قدوم الشيخ محمد بن عبدالله بن سليم إلى عنيزة إبان الخلاف مع أميرها آنذاك حسن المهنا . كما أسأل د/العثيمين وهو مؤرخ معروف عن اقامه الشيخ / محمد بن عبدالله بن سليم في عنيزة والمتوفى سنه 1326ه حيث بقي هناك خمس سنوات وتتلمذ عليه حتى قاضي عنيزة آنذاك الشيخ على بن حمد آل راشد وكانت حلقته يحضرها عموم طلبة العلم فهل كان ناشراً للتشدد خلال دراسته وإقامته!!! لقد كانت هناك علاقة علمية ارتبطت بين أسرتي آل سليم وعلماء الدعوة من آل الشيخ وكانت هناك مراسلات تبين عمق تلك العلاقة التى لا تقل عنها علاقة آل سليم الحميمة بالملك عبدالعزيز رحمه الله . والتى ظهر فيها الاحترام والتقدير الخاص الذي يبرزه الملك عبدالعزيز لعلماء آل سليم وقد أورد الشيخ محمد بن مانع رحمه الله مشاهد هامه من العلاقة الحميمة التى كانت تربط الملك عبدالعزيز بالشيخ عمر بن سليم تحديداً وثنائه عليه في مواسم الحج بحضور العلماء جميعاً حتى توفي الشيخ عمر رحمه الله سنه 1362ه وكانت عبارات التعزية الصادرة من الملك عبد العزيز خير برهان على المكانة العلمية والدعوية التى يحظى بها بل الصحيح أن السمة المتشددة التى أشار د/العثيمين إليها ليست ظاهرة أوسمة بارزة إلا إذا كان الضيف يرى أن في مناصرة الدعوة الإصلاحية والقائمين عليها لون من الوان التشدد ؟ وبالرجوع إلى تأكيد تلك الحقائق سوف يجد الباحث أن الملك عبدالعزيز قدم ثقة مطلقة في آل سليم قادته إلى أن يطلب من الشيخ عمر آل سليم توجيه القضاة والدعاة من حلقته إلى نواحي المملكة وتوجه من حلقات الشيخ عمر بن سليم تحديداً أكثر من خمسين عالماً وقاضياً وداعية اوردهم تفصيلاً وأماكن قضائهم ودعوتهم الشيخ صالح بن سليمان العمري رحمه الله في كتابه علماء آل سليم وتلامذتهم وعلماء القصيم. فماذا يقول د/ العثيمين على هذا الاختيار من الملك عبدالعزيز وهل نشروا التشدد والذي كان يطغي على مدرستهم كما يقول ؟ ثانياً : أن مقياس الانفتاح لدى الضيف هى الدراسة على غير علماء البلاد وأوهم أن ذلك كان خاصاً لتلك الأسماء المحصورة والصحيح أن هناك أسماء عديدة خرجت للدراسة في العراق والشام ومصر وغيرها من بريدة والبكيرية وغيرها وهم من تلك المدرسة التى يصفها بالتشدد ،ومن أمثلة أولئك الشيخ سليمان بن على المقبل المتوفى سنة 1306ه حيث سافر إلى الشام والتحق بالمسجد الأموي وقد أجازه الشيخ حسن الشطي مفتى الحنابلة في الشام في إجازة مطولة والشيخ إبراهيم بن جاسر رحمه الله إضافة إلى العديد من الشخصيات البارزة التى لم توصف يوماً بالتشدد المذموم الذي أشار إليه الضيف من أمثال الشيخ فوزان السابق الذي سافر من بريدة إلى الهند وأخذ عن علماء مصر والشام والعراق وتوفي 1373ه والشيخ سليمان الدخيل والسفير سليمان المشيقح وكذلك الشيخ عبدالله الرواف الذى تولي القضاء في عجلان في عمان وارتحل من بريدة وتعلم على علماء آل سليم ودرس في الشام وغيرهم من الشخصيات العديدة التى لا حصر لها . وكم كنت اتمنى من د/ العثيمين أن يتحدث تفصيلاً عن بعض المفاصل الهامة في تاريخنا والتى تحتاج إلى إعادة قراءة خصوصاً من مثله وهو المتخصص والمحتفى به من الدارة بصفته أحد أبرز رواد التاريخ الحديث في بلادنا ،إضافة إلى شوقنا لرؤية حديثة عن بعض الشخصيات والتراجم وأن يسعى أخيراً لتدوين سيرته الماتعة . إنني مازلت أعتقد أن الحديث عن التشدد المستوطن في مكان ما غير واقعي وأن التشدد أمر نسبي في أي موقع . إن الجميع منا يستمع إلى ما تكيله وسائل الإعلام و بعض مراكز الأبحاث في العالم من اتهام المملكة العربية السعودية بالتشدد والتطرف ،ولا يمكن تعميم مثل هذه التهمه أو خلافها كصفه وسمة عامه على الشعب السعودي وان وجد أعيان وأعلام ينطبق عليهم هذا الوصف . إلا أن الحقيقة الشاهدة أن المملكة العربية السعودية تشهد حراكاً فكرياً و تعددية ثقافية فريدة في جوانب متعددة بل حتى الأطياف الفكرية تكاد تجتمع في المملكة على النقيض تماماً مما تتهم به . وهذا التطبيق في نظري ينسحب على أي مكان آخر . كل ما أرجوه أن نقرأ التاريخ بإنصاف واعتدال وأن نرتكن إلى العقل بدل أن تطوح بنا العاطفة . د/ محمد بن عبدالله المشوح [email protected]