مركز الملك سلمان للإغاثة ينظّم منتدى الرياض الدولي الإنساني الرابع فبراير المقبل    بلسمي تُطلق حقبة جديدة من الرعاية الصحية الذكية في الرياض    وزارة الداخلية تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    "مستشفى دلّه النخيل" يفوز بجائزة أفضل مركز للرعاية الصحية لأمراض القلب في السعودية 2024    وزارة الصحة توقّع مذكرات تفاهم مع "جلاكسو سميث كلاين" لتعزيز التعاون في الإمدادات الطبية والصحة العامة    أمانة جدة تضبط معمل مخبوزات وتصادر 1.9 طن من المواد الغذائية الفاسدة    نائب أمير مكة يفتتح غدًا الملتقى العلمي الأول "مآثر الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- وجهوده في الشؤون الدينية بالمسجد الحرام"    السعودية تستضيف الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    المياه الوطنية: خصصنا دليلًا إرشاديًا لتوثيق العدادات في موقعنا الرسمي    ارتفاع أسعار النفط إلى 73.20 دولار للبرميل    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    أوروبا تُلدغ من جحر أفاعيها !    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    الطفلة اعتزاز حفظها الله    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



\"قراءة تحليلية لحادثة المقهى ببريدة (12)
نشر في عاجل يوم 22 - 07 - 2013


\"الحلقة الثانية عشر \"
\"قراءة تحليلية لحادثة المقهى ببريدة\"
يسمونها بلاد الدين
وأحياناً يتجاوزون ذلك ويسمونها \"بريدة المكرمة \".ونحن نقبل هذه التسمية إذا كانت تعني ما تقصد _لا بل نفتخر بها وبلاد الدين هذه صارت الآن خامس مدينة بالمملكة , وقد صارت هي بنفسها وبكفاحها ونشاطها الدائم ولم يمنحه لها أحد ,وذلك الإستقرار الذي تعيشه . وبلاد الدين هذه أنجبت للوطن الكثير من علماء الدين البارزين على ساحة الوطن بل على الساحة الإسلامية ...
الشيخ \"عبد الله بن حميد \"
القاضي والمفتي الذي رحل عنها إلى تولي مشيخة الحرم . بكته بريدة عندما غادرها .
مازلت أتذكر أمي وهي تنتظر يوم الاثنين ,لأن الشيخ سيلقي محاضرته بعد صلاة العشاء بواسطة مكبر الصوت الذي رفضه كثير من رجال الدين في ذلك الوقت .كان يلقي محاضراته والناس تستمع إليها وهم في بيوتهم .
تصعد أمي إلى السطح وتستمع بإنصات إلى مايقوله . يرشد الناس إلى قضاياهم الفقهية في الصلاة والصيام والحج _وكذلك يحث على الأخلاقيات الحميدة والصدق في المعاملة . وكان بعيداً كل البعد عن الخطب الأيدلوجية والسياسية .
مات رحمه الله وقد أنتج لنا شيخاً جديداً قام مقامه هو ابنه \"صالح\" رئيس مجلس الشورى سابقاً...
فضيلة الشيخ الزاهد العظيم \"صالح بن أحمد الخريصي \"
الذي تولى القضاء والفتوى وقد توفي ولم يترك من فُتات الدنيا شيئاً.
هذا قليل من كثير من العلماء الذين تعج بهم الساحة .
ولكن هناك فكر وفلسفة وثقافة تسير جنباً إلى جنب مع الدين \"عبدالله القصيمي\"
صاحب فلسفة العقل وصل إلى العالمية بفلسفته وفكره , فكتابه \"هذه هي الأغلال \" الذي ألفه قبل ستين عاماً لم يأت الفكر العربي إلى الآن بشيء جديد يضيفه له . وكتابه \" أيها العقل من رآك \"تُرجم إلى لغات عدة ومازال يُدرس في الجامعات العالمية .
\"عبدالرحمن المنيف\"
الروائي العربي العالمي صاحب خماسية \"مدن الملح\"والتي تتكلم عن نشأة النفط في الخليج وكذلك روايته \"حينما تركنا الجسر \"والتي تتكلم عن الهزيمة الفضيحة مع العدو الصهيوني عام 1967م .إنها من أفضل الروايات الفلسفية ولايمكن أن يضاهيها رواية آخرى سوى رواية \"الشيخ والبحر \"\"لهمنغواي \"في نظري. وكثير من الروايات العربية التي أغنت الساحة .
\"سلمان العودة \"
رجل الدين والفكر نبت في هذه المدينة وطار فكره بالآفاق بعصاميته فقط وصل إلى ما وصل إليه ولم ينصبه أحد .
لم أتوقع لهذا الصبي الصغير الذي يساعد والده في دكانه أن يصل إلى هذه المكانة العالية . لو كنت أعلم لخجلت منه كثيراً وأنا آتي إلى دكانه الصغير أشتري منه القهوة والهال .
\"ابراهيم البليهي\"
صاحب \"مشروع العقل\" صحيح أنه من مواليد بلدة الشماسية ولكن هذه المدينة هي بنت بريدة بنشأتها وبكل تفاصيلها .
هؤلاء هم زعماء العلم والمعرفة والدين الذين أنجبتهم وعلمتهم بلاد الدين
رباه ما هذه المتناقضات
!وما هذا التفاعل والنشاط والحركة التي تفرزها هذه المدينة إنها رواية لوحدها , لا يمكن لأحدٍ أن يدركها ويفهمها جيداً أو يعثر عليها إلا لمن نبت فيها وتنفس ترابها.
لا يمكن لسطورٍ قليلة أن تعرضها للتشريح بهذه العجالة.
بالتأكيد هي بلاد الفلسفة والدين ,بلاد الآراء المتعددة .ولا يمكن لهذه البريدة المتعددة أن تكتشف سرها حتى \"تتعلل\" فوق طعس من طعوسها الليلية مع القمر والنجوم والدلة الصفراء التي تطبخ على نار هادئة .
كل الأقمار والنجوم التي مرت من هنا \"راحت\" وفي مخيلتها سؤالاٌ لم تعثر له على إجابة.
أنت تفكر هنا فأنت موجود وغير موجودٍ في الآنِ معاً, لابد أن تغرق في خمرة الدوح ورملة الشمس الذهبية بين السدر والعوشز , تترنح طرباً بين أصوات \"القُمرُةَ_وأم سالم\"تسقيك شهداً وتزرع في فكرك سؤالاً لاتستطيع الإجابة عليه . يستقبلك طير \"القُمرَةَ\" ويطرح عليك السؤال اللغز.
هل تعرفون بلاد الدين أيها المارة ؟. فتبقيك حائراً هائماً بين الدهنا والنخلة العتيقة بعدما تفرش لك جناحيها وتوحي لك بالإجابة \"علامة السلام \"والإنسانية.
وعندما يمر صاحبها القديم صاحب \" رملة المساء \"الشهيرة تقف له احتراماً وتقول له تفضل اسأل ؟ فيقول :
_ لماذا يمنعون السياكل والغتر البيضاء والجلوس في المقاهي ؟
قالت : لماذا لاترجع إلى حلقاتك السابقة التي كتبتها وتتأكد من ذلك.
قصتها بدأت منذ الأزل . منذ وجدت وانبثقت من الأرض .
قُلت سابقاً إن بريدة في زمنها الأول تشبه \"يثرب\" وسكانها الأوئل يشبهون الأوس والخزرج والأقليات الأخرى التي تعيش فيها مراكز قوى تتطاحن فيها لا يتفقون على شيء , كلهم أُمراء , وكلهم يمارسون أوامرهم ونواهيهم , والقيادة ليست موحدة , وتبديل الأُمراء يحدث في كل ساعة كما كان سكان \"يثرب\" ولكن فجأةً سمعوا بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فاحتضنوها وصكوا عليها بالنواجذ , لأنهم يعرفون جيداً أنها هي من يوحدهم وهي وحدها من يجعلهم قالباً واحداً, كما حدث سابقاً لسكان يثرب عندما رحبوا بنبي الله \"صلى الله عليه وسلم \" فصار الحاكم واحد , والمفتي واحد و الآراء متعددة
في بداية الدولة السعودية الثانية كان يقوم بدور القضاء والإفتاء أسرة \" آل مقبل\" التي لايوجد أحدُ منها الآن في بريدة ماعدا الأستاذ عبدالعزيز المقبل هذا الرجل الصالح المتواضع , زاملني في التعليم وهو الآن متقاعد , تشعر عندما تقابله وكأنك أمام شخصيةً مهيبة وعندما تتذكر أجداده الأوائل الذين تولوا زمام الدين تشعر وكأنك أمام شيخ عظيم ووجود العائلة في بريدة وقلتها هذا لا يعني أن العائلة منقرضة ولكن يوجد منهم القلة أيضاً في خبوب بريدة الغربية هذا حسب معرفتي بهم وأنا غير متأكد من هذا الكلام . ولم أجد الفرصة أثناء كتابتي هذا المقال للبحث عن الأستاذ عبد العزيز حتى اسأله عن وجود العائلة , وهم أقرباء لأسرة \"آل سليم \"الذين تولوا القضاء والإفتاء في بريدة فيما بعد والتي سآتي على ذكرهم .
الشيخ \"عبد الله المقبل \"
له فضل كبير جداً عندما ذهب إلى \"ابن رشيد \"ليشفع للناس عنده بعد معركة المليداء الشهيرة . وكان يتوعد أهل بريدة بالفناء .
وكان للشيخ المقبل رحمه الله مواقف كثيرة مع آخر أمراء \"آل أبو عليان \" عبدالعزيز المحمد هذا الأمير كان طموحاً جداً ويعشق التوسع على حساب المناطق الأخرى . ولايوجد يومٌ في بريدة ماكان عائداً من حرب أو يجهز لدخول حربٍ أخرى ,وقد قرر أخيراً أن يغزو حائل ويقضي على دولة آل رشيد القوية جداً في ذلك الوقت , وقد نصحه الشيخ عدة مرات من بينها واحدة في خطبة الجمعة وعلى الملأ مباشرة والأمير كان بين الصفوف الأولى . ولكن الأمير هزأ الشيخ بكلمات نابيه , وقد تراجع أخيراً عن موقفه وبعد الصلاة اعتذر للشيخ عن هذا الخطأ .أم الأمير فقد هُزم هزيمة شنعاء وقُتل من أهل بريدة وعنيزة الكثير وتلك في معركة \"بقعاء\" المشهورة . وكان الشيخ دائماً ما يميل إلى العقل , والتخفيف على الناس . بعد ذلك دخل في خلافات مع الأمير حسن المهنا أبالخيل , وكان الأمير حسن هو بدوره عالماً دينياً ويميل إلى التشدد أيضاً ويفتي الناس ببعض الأمور ولكن كان خلافاً دينياً وليس سياسياً . وغالبيتها تحدث عند رؤية هلال رمضان أو هلال العيد . فكلا الاثنين يفتيان بذلك . فتجد نصف أهل البلد صائمين والنصف الآخر مفطرون وكذلك في يوم العيد . ولكن تجد هناك حرية إفتاء بلا غضب أو تشنج أو عداوات تؤدي إلى الاحتراب والقطيعة .
في بداية الدور السعودي الثالث , وحكومة الملك عبد العزيز رحمه الله , تحول القضاء والإفتاء والدعوة إلى عائلة \"آل سليم \"أقرباء الشيخ المقبل , تولى من عائلة \"آل سليم \"الشيخان \"عبدالله وعمر السليم\"وهذان الشيخان أسسا مدرسة دينية وتعليمية أُطلق عليها فيما بعد \"مدرسة آل سليم \"المتحمسة كثيراً لدعوة \"الشيخ محمد بن عبدالوهاب \"وتتجه في تعليمها إلى المحافظة الشديدة.
كان الملك عبدالعزيز رحمه الله في ذلك الوقت يهدف إلى التوسع في دولته , وكانت طموحاته كبيرة جداً تصل إلى دولة حائل التي لم تسقط بعد وهي المتحالفة مع الأتراك الذين يمدونها بالمال والسلاح والرجال وتشمل هذه الطموحات أيضاً \"الحجاز\" وحكومة الأشراف الخاضعة تماماً للأحتلال التركي المباشر . وهذان الهدفان الكبيران يحتاجان إلى جيش قوي جداً مدعوماً بالسلاح والتدريب والعقيدة الدينية القوية وتحويل عقيدة النزاع القبلي إلى جيش مجاهد يحمل روحاً دينية تقاتل بإخلاص , ولا يمكن أن يحصل هذا وخاصة في نجد حتى تقوم دعوةً نشطة مخلصة تستطيع أن تلعب دوراً قوياً في تأهيل هذا الجيش المبني على تلك العقيدة الجهادية العملاقة .
لذلك لعبت مدرسة \"السليم\" دوراً مهماً في المشاركة فأرسلت تلاميذها إلى القبائل والحواضر المجاورة وتأهيل أبناء بريدة أيضاً لهذا الدور وفعلاً نجحت المهمة . واستطاع أبناء القبائل ترك رعاية الماشية التي تشغلهم عن الجهاد في سبيل الله وأقاموا بالحواضر أو بالقرى والهجر التي بنيت في مناطقهم بما يسمى بمشروع \"توطين البادية\" وتلقوا الدروس الدينية والجهادية على أيدي أولئك التلاميذ الذين بعثتهم مدرسة السليم لهذا الغرض .ولكن هذه المدرسة النجيبة التي خرجت الكثيرمن الدعاة والقضاة العظام واصلت محافظتها وتشددها , ووصلت أخيراً إلى فتوى \"بتكفير الأتراك \" وتفرع من هذه الفتوى فتاوى فرعية تكفر من يذهب إلى العراق والشام ومصر ويتعامل مع سكانها وبالتالي تكفير كافة رجال عقيل الذين لايمتثلون لهذه الفتوى , وتسلسل سيناريو التكفير حتى وصل إلى تحريم لبس العقال لأنه لباس القوم الكافرين . فانشغلت بريدة في ذلك الوقت في قضية التكفير وكان هرج المجالس , ولغة الناس الغالبة وكل فرد لايتقيد بفتاوى تلك المدرسة يطلقون عليه مسمى \"الكويفر\".
هذه الضجة الكبيرة التي حدثت في الأربعينات الهجرية من القرن المنصرم . قبل فتح حائل والحجاز أدت إلى أمر خطير جداً , وهو انقسام مدرسة السليم إلى مدرستين مختلفتين تماماً , بعد خروج التلميذ النجيب \"ابراهيم الجاسر\" عن هذه المدرسة . وأسس مدرسة جديدة سميت في ما بعد مدرسة \"آل جاسر\" أنظم إليها بعض من تلاميذ مدرسة \" السليم \" وتشتهر هذه المدرسة بالانفتاح , ورفض تكفير الأتراك , وبالتالي رفض تكفير رجالات عقيل . فاحتدمت معركة حامية الوطيس بين المدرستين .
وعلى إثر هذا الانقسام انقسم الشارع البريدي إلى \"كويفر_ومسلم\" .لاحظ الانقسام الحالي بين \"لبرالي _وإسلامي\"
وكانت مدرسة \"الجاسر\" تميل إلى فكر \"سليمان بن عبدالوهاب \" الأخ الشقيق لصاحب الدعوة محمد بن عبد الوهاب رحمه الله . والمتعارضتين تماماً .
في تلك الزوبعة الخطيرة التي حدثت في بريدة وانقسام الناس أيضاً إلى مؤيد ومعارض .فانظم الكثير من الفلاحين وخاصة الخبوب الغربية إلى مدرسة \"آل سليم \" وهذا ما يفسر لنا شغف أهل الخبوب اختصاصهم بالدراسات الدينية وقد ظهر منهم كثير من العلماء الأجلاء مثل الشيخ \"سلمان العودة\" والشيخ \" ناصر العمر\" وكثير من القضاة المنتشرين في أنحاء المملكة . وانظم أيضاً إلى مدرسة آل سليم كثير من التجار الأغنياء ولكن ليسوا تجار عقيل الذين إنحازوا إلى مدرسة \" الجاسر\" مع أصحاب الحرف والمهن فأصبحت بريدة هكذا حتى الآن . ولكن الشيخ \"ابراهيم الجاسر\" هرب إلى حائل بعد الضغوط الشديدة التي مورست ضده وأخيراً خرج من حائل إلى الكويت واختفى بالطريق بظروفٍ غامضة لاتُعرف حتى الساعة ولكن مدرسته ظلت تمارس عملها في بريدة وقد تخرج منها الكثير من الطلبة وغالبيتهم اشتغل بالشئون الإدارية والتعليمية فقط دون الدعوة والقضاء وهم من تولى إدارة التعليم وإدارة المدارس والمعاهد .
في زمن انتفاضة المقهى كان يرأس هيئة الأمر بالمعروف أحد تلاميذ \" آل سليم \" الحريصين جداً على المحافظة , والناشط الجيد الذي لعب دوراً في هذه المدرسة وهو فضيلة الشيخ العالم \" صالح بن أحمد الخريصي\" الذي تولى القضاء والإفتاء فيما بعد . وهذا مايجعلنا نفهم السبب الأساسي لتلك الإجراءات الصارمة التي اتُخذت ضد \" ثوار المقهى \". وإن كان هذا يدل على شيء فإنما يدل على حرص هذا الشيخ على محاربة الشبهات التي تؤدي حسب وجهة نظرة إلى الفساد \"رحمه الله وغفر له\".
إذاً هذه بريدة التي تتكلمون عنها مزيج من الآراء ومزيج من الفسيفساء وليس لها وجهة محددة تستطيع أن تحدد ملامحها . ولكن كلنا يعرف أن الصوت الديني يعلو على كل الاتجاهات والأفكار فيها . ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب هي الوجه الشرعي لهذه الدولة التي وحدت الجميع تحت شعار الشريعة الإسلامية . لذلك لابد أن تخفت الأصوات الأخرى حتى لو كانت تشكل الأغلبية . فالدين مقدم على الجميع . هذا هو شعار الوطن ولا يمكن لأحدٍ تغييره مهما كان ومهما كُتب من أفكار ووجهات نظر أخرى .
هذا تفسير واجتهاد مني مبني على الحقائق وأخبار التاريخ , الذي سمعناه وتعلمناه عن هذه المدينة . وبذلك أرجوا أنني وضحت بعض الإشكالات والتساؤلات الكثيرة التي تُطرح أحياناً عن هذا البلد وكيف تشكلت ثقافتها وعاداتها وتقاليدها وكيف بُنيت ولماذا هي تسمى بلاد الدين ؟ ولماذا قامت الإنتفاضة ؟ وكيف أن هذه البريدة تعتبر عضواً فاعلاً في تشكيل الهوية الثقافية والفكرية لهذا الوطن . ولكن لابد لنا أن نعرج على بعض التساؤلات الأخرى التي تُطرح أحياناً في المجالس والاستراحات من جيل جديد يثير أحياناً قضايا أخرى تخص هذه الانتفاضة .
فمنهم من يقول أن لها أهدافاً سياسيةً ولا تخرج أن تكون حركة من ضمن حركات أخرى قامت في البلاد العربية مؤيدة للقومية الناصرية . وهي جزء من تصدير الثورة القومية الناصرية والدليل على ذلك أن كثيراً من الإذاعات العربية الناصرية تطرقت لها بالتفصيل .
ومنهم من يقول : هي انتفاضة مؤيدة لعمال أرامكوا بالمطالبة بحقوقهم وتأميم النفط كما فعلت مصر في تأميم قناة السويس .
كلها أسئلة شطحت كثيراً في تضخيمها حتى صارت \" أوسع من الرقعة \" كعادة المجتمعات العربية في تحليلاتها للأحداث والشطحات القاتلة في تفكيرها ومشكلة تلك المجتمعات لم تتعلم بعد على الحدس التاريخي . ومقارنة الأشياء على أرض الواقع . ودائماً ماتبحث عن آخر يقف من خلفها . حتى خيباتنا وفشلنا خلفها آخر وتقرنه بالحدث فتظهر تحليلاتهم أو قراءاتهم ممسوخة ليس لها رأس ولا ذنب . كما أن الإيديولوجيا البغيضة التي مازالت تهيمن على تفكيرنا وتعاملنا مع الحياة فإنها تتركنا ننظر من جانب واحد ونترك بقية الجوانب . وأنا عندما أقول هذا الكلام لاأقصد الدين . فالدين عقيدة سماوية وليست أديلوجيا ولايمكن أن تدخل ضمن أفكار الأديولوجيا : فالأديولوجيا مادية أرضية وهي وسيلة من وسائل العيش على الأرض , ولكن عندما تتطرف فإنها تكون عمياء . كالشيوعية , والفاشية, والقومية, والبعثية.
جمال عبدالناصر كان صديقاً للملك سعود في زمن الانتفاضة . وتبادل العواطف بينهما كان على أشده , وكان الملك سعود من مؤيدي القومية العربية والهدايا الرمزية التي تمنحها مصر للمملكة كانت واضحة وتتمثل بالمعلمين المصريين التي ترسلهم بلا مقابل . وكذلك الدفاتر والأقلام . ومازلت أتذكر تلك الدفاتر التي رسم عليها صورة جمال عبدالناصر توزع علينا مجاناً . وكانت المملكة في ذلك الوقت في بداية نهوضها . وعائد النفط كان قليلاً لا يكفي .وما ساءت هذه الصداقة الحميمة إلا بعد الانتفاضة بعقدٍ من الزمن تقريباً . عندما تورط جمال عبدالناصر بالوحل اليمني وساعد الثائر \" عبدالله السلال \" في الانقلاب العسكري على ملك اليمن الإمام \"البدر\". فصارت هناك حرباُ أهلية أكلت الأخضر واليابس ولم يستطع جمال الخروج من هذه الحرب وحفظ ماء الوجه حتى أكلت هذه الحرب غالبية قواته , فساءت العلاقات بين السعودية واليمن حتى أن الطيران المصري شن هجمات داخل المملكة في جيزان وغيرها . وعندما هاجمته إسرائيل بجولة بسيطة لم تجد سلاحاً مصرياً تقاومه وحدثت نكسة 1967م وأنا أعتبره فشلاً ذريعاً للعقلية العربية القومية المتطرفة . ومازلنا نتجرع نتائج وسلبيات هذه الأديلوجيا البغيضة والتي تهيمن على تفكيرنا منذ زمن طويل .
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى :
قولهم أن هذه الانتفاضة عبارة عن مناصرة لعمال النفط والمطالبة بتأميم النفط . فهذه أيضاً غير صحيحة لأن شركة أرامكوا عدلت من أنظمتها قبل هذا الوقت بكثير عندما تزايدت عليها مطالبة العمال . ولأجل هذا وضعت نظاماً للعمال يعتبر نموذجياً مازالت تسير عليه إلى وقتنا الحاضر . ومازال هذا النظام أيضاً نموذجاً للشركات السعودية التي مازالت تتخبط في أنظمتها .
إذاً نستطيع أن نخرج بنتيجة من هذا كله بعدما اتضحت لنا الرؤيا بأن هذه الشطحات ليس لها أساسُ من الصحة .
وإذا أردنا أن نتأكد أكثر فما علينا إلا أن ندقق النظر بأعضاء الانتفاضة هل هم من ذلك النوع الذين يفكرون هذا التفكير ؟ وأنا أعتقد أن الذين يمكن أن يلعبوا هذا الدور في بريدة ليسوا هؤلاء وإنما نوعية أخرى من المثقفين كانوا منهمكين في عملية التحديث التي قامت وانشغلوا بأمور جسام غالبيتها تعليمية وتنظيمية .وليسوا متفرغين للأعمال الصغيرة هذه ولعلنا في هذه العجالة قد وضحنا بعض العوامل التاريخية والاجتماعية التي أدت إلى مواجهة هذه الانتفاضة والمعاملة الصارمة التي عوملوا بها . وأعتقد أيضاً أنني ساهمت برأيي المتواضع و بحل سؤال الذي يدور دائماً ويواجهنا في المناطق الأخرى وهو : هل أنتم من بلاد الدين ؟ وهناك سؤالاً ورد إليَّ في بعض الردود السابقة على الحلقة الأخيرة حيث سأل قارئ وقال:لماذا كان العقال محرماً في بريدة .
وسؤال آخر وردني في حلقة سابقة :ما هو السبب أن أهل الخبوب الغربية متدينون؟وإن كانوا متدينين فهذا تاج على رؤوسهم يحق لهم أن يفخروا به . وأتمنى لأحدٍ منكم أن يكتب لنا عن ثورة التدين التي حدثت ولعبت دوراً في تاريخ التدين في الأوقات المتأخرة مابين عام 1393ه حتى عام 1400ه . وكيف أن \" محمد سرور \" التي تنسب إليه \" السرورية\"لعب دوراً في ذلك .وأتمنى أن يكون أحد طلبته في المعهد العلمي ببريدة .
عندما جاء وافداً من سوريا وأصبح أحد المعلمين المهمين في ذلك المعهد . و يا ليت شيخنا الكبير \"سلمان العودة \" يكتب موضوعاً في صحيفتنا عن هذا الحدث .ولو أن الشيخ سلمان اعتقد أنه من طلبته المتأخرين.فإن هذا الموضوع سوف يُنير لنا الطريق ونعرف عن موجة التدين التي حصلت في ذلك الوقت .وكيف تكونت جماعة \"المتطوعين \"المحتسبين والنشيطين أيضاً الذين قاموا بمهام هيئة الأمر وأصبح لهم شأن عظيم في هذا البلد وخاصة في هذه الفترة .والتطورات اللاحقة وبعض الأحداث الميدانية والسياسية التي حدثت وتم منعهم نهائياً عن التجوال وكف أيديهم حتى الآن .
هذه قراءة سريعة للحالة التاريخية والدينية والسياسية في هذه المدينة قبل إنتفاضة المقهى . والتي ساعدت كثيراً في قراءاتنا للحدث والآن لابد أن نتطرق للحالة الإجتماعية والتي هي أيضاً كانت مساعداً قوياً وهيأت المناخ المناسب لقيام تلك الحادثة ولكن لن نتعمق كثيراً في الزمان وسنكتفي بالحالة الزمكانية : أي السنوات القليلة التي سبقت هذا الحدث وخاصة الإجتماعية منها .
المجتمع القصيمي وخاصة البريدي الذي هو مجالنا الآن.كان مهيأً تأهيلاً مناسباً للدخول في أجواء الحالة الإقتصادية التي طرأت على الوطن إثر تدفق النفط ولديه التجارب القديمة والآليات التي تمكنه من خوض معركتين أو ثلاث في آن معاً. وهي الحالة التجارية و الأقتصادية والحالة الزراعية التي بدأت تنمو. وكذلك الأستعداد التام لدخول معركة التعليم النظامي ولو أن الجناح المحافظ فيه خاض في معارك التحريم لهذا التعليم ومع ذلك سارع بقوة إلى اجتياح هذا الجو الذي كان يعارضه سابقاً . حتى تعليم البنات ومواقفه المشهورة والمعروفة بالاعتراض .و سرعان مافتحت هذه المدارس بادر في ضم أبنائه بنين وبنات إليها بفترة زمنية قصيرة.
وبعد فتح مدارس الابتدائي فُتحت المعاهد والثانويات .وقد فَرَغَ هذا المجتمع أبناءه تفريغاً تاماً للدراسة , بعدما كانوا منهمكين في الأعمال الشاقة مع أبائهم .هذا الجو أو المناخ التعليمي أحدث نوعاً من الفراغ في فترة اليوم الكامل وأصبح هناك مجموعات شبابية بدأت تتجمع عند نواحي الطرقات ليلاً وخاصة من الفئات العمرية الشابة . وأصبح لديهم نهم زائد في تلقي الثقافة العامة من بعض الصحف والجرائد والإذاعات التي يستمعون إليها. بالإضافة للطلبة صار هناك مجموعة أخرى شبابية اندمجت مع الطلبة وهم الموظفون الشبان الذين تخرجوا من المتوسطات والمعاهد العلمية وبعض الذين اكتفوا بالدراسة الابتدائية والتحقوا بالوظائف الحكومية وصارت كلا هاتين الفئتين متفاعلتين مع بعضهما في الأهداف والاتجاهات الثقافية فزادت متطلباتهم الشبابية. وحدث تغيرات شكلية كما يحدث الآن لشبابنا بالتمام بالملابس والمظهر الخارجي كانوا يفضلون قصات الشعر الغريبة, وملابس ضيقة أنيقة ومصطلحات غريبة تختلف عن الجيل السابق لهم الذين يشبهون أباءهم. وأصبحوا يركبون السياكل . ويدخنون السجائر الحديثة الجاهزة بدل طريقة اللف القديمة . ولبسوا الغتر المصبوغة بالنيل الأزرق , وقليلاً في الميوعة أثناء المشي على الأرض . يسيرون فرادى أو جماعات وهم يحملون في أيديهم بعض المجلات التي فيها صور الفنانين والفنانات . ويطمحون إلى الحرية مما أغضب الرعيل الأول من المجتمع المعتاد على الجدية والتقشف . والانهماك في البحث عن الرزق . ممتطين مساحيهم ومعاولهم . أو يقفون في الشمس الحارقة مشمرون عن سواعدهم في المزرعة أو في سوق العمل .وبما أن ثمرة العلم والمعرفة لم تنعكس بعد عليهم ولم يتم بعد الإيمان الكامل بالتعليم ونتائجه . أصبح هناك نوع من ردات الفعل الاجتماعي على هذا اللون من التصرفات التي يدعونها \"بالبناتية\" فكثير من الآباء يخجل من تصرفات أبنه بهذه الطريقة.
وأخيراَ أصبح الوضع يحتاج إلى أماكن يجتمعون فيه ويتبادلون الأحاديث والحوارات ومناقشة الأوضاع على الساحة فأدى إلى ضرورة مقهى خاص بهم .ومن ثم تطورت المتطلبات لديهم مما أدى ذلك إلى شرب \"الشيشة\" التي أثارت الجناح المتشدد. وعندما نُفذ الإغلاق ثارت ثائرة الشباب . وصارت \"هي القشة التي كسرت ظهر البعير \".
المهم في هذا كله أن هذه الانتفاضة . هي إعلان صريح بالصوت العالي لقبول وسائل الحداثة دون أفكارها . لأن أفكار الحداثة الحقيقة لم تصل إلا في هذا الوقت الذي نحن فيه. وهذا العراك الحاصل بيننا الآن هو عراك بين المحافظ وبين أفكار الحداثة . دون وسائلها التي قبلها المجتمع سابقاً وصار الآن يمارسها بشراهة, ويستعملها استعمال جيداً.وأفكار الحداثة هي مانسمعه الآن _كاللبرالية وأدواتها الديمقراطية _ والحرية _وقبول الآخر _وحق المواطنة , والتبادل الثقافي_وحرية العبادات وغيرها من أشكال الحداثة التي شرفتنا على حين غرة دون الاستعداد لها ودون معرفتها معرفة سليمة .مما جعل الوضع الآن وضعاً مزرياً وحرباً ساذجة \"أضحكت علينا الأمم\"
وأختم قراءتي قائلاً:هذا ماأستطعت تقديمه من رؤية للوضع القائم في تلك الفترة . وأن بريدة ليست بريدة واحدة , وأنها مجموعة بريدات من الناحية الفكرية والثقافية . وأن هذا الوسط العجيب دائماً يغلي ويتفاعل وهذا ساعد كثيراً في ثورتنا الثقافية الآن والتي تتفاعل على المستوى الوطني والعربي . وبما أن الصوت المحافظ هو الصوت الظاهر على السطح , وذلك لأسباب تطرقنا لها في ثنايا الموضوع . وأن بقية الأفكار باقية تحت السطح ولم تظهر وتبين إلا في هذا الوقت الذي نعيشه . وتلك التسهيلات التي سُمح بها أخيراً . وذلك لضرورة تاريخية زمنية تحتاج لتلك الأصوات وثقافة العصر الذي فرضها الوضع العالمي الجديد .وضرورة أن يبقى العالم \"قرية واحدة \"يؤثر ويتأثر .فبدأت تلك الأصوات النائمة تظهر على الملأ وتقول رأيها بحرية .فمرحبا بالتنوع والاختلاف إذا بقي تنوعاً واختلافاً ولكن أرجو أن لا يصل إلى مرحلة النزاع والفوضوية هذا ما أتمناه ...ودمتم
موسى النقيدان
لقراءة الحلقات السابقة .. اضغط هنا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.