أكد سماحة مفتي عام المملكة، رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء، الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، أن الإسلام اهتم بتربية النشء من الصغر ودعوتهم إلى الخير، وغرس العقيدة الصحيحة والأخلاق النبيلة في نفوسهم، والصعود إلى الأعلى من الأخلاق والفضائل، ويتمثل هذا في وصية النبي – صلى الله عليه وسلم – لابن عمه عبدالله بن عباس ذلك الغلام الصغير الذي لم يبلغ الحلم، ومع هذا وجه له النبي – صلى الله عليه وسلم – عدة وصايا تشتمل على دلالات عظيمة، وفوائد جليلة, حيث روى عبدالله بن عباس – رضي الله – عنهما قال: كنت مع النبي – صلى الله عليه وسلم – في يوم فقال لي // يا غلام إني أعلمك كلمات, احفظ الله يحفظك, إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك بشيء إلا بشيء قد كتبه الله عليك، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك, احفظ الله تجده تجاهك, تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً//. وقال سماحته في خطبة الجمعة التي ألقاها، اليوم، في جامع الإمام تركي بن عبدالله بالرياض: أيها المسلم، فلنتأمل في هذه الوصايا العظيمة لنرى فيها العبرة والحكم والفوائد، وأول ذلك قوله – صلى الله عليه وسلم – لابن عباس آنذاك وهو صغير فوجه لهذا الصغير هذه التعليمات العظيمة برفق ولين وتحري النفس؛ لأن دعوة الصغار في الصغر بالأخلاق الفاضلة يغرس في قلوبهم الخير والصلاح والهداية. وأردف سماحته قائلاً: لما رأى مع الحسن تمرة ألقاها من يده، وقال كخ كخ //هكذا تعليم الصغار من دون عنف ومشقة وضرب وأذى، وإنما التربية والتنشئة من الصغار، إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك , أمره بقوله: احفظ الله يحفظك, حفظ الله للعبد حفظ العبد لربه بأن يحفظ أوامره ويحفظ نواهيه ويحفظ حقوقه وحدوده، ويحفظ الأوامر بالامتثال لها والإتيان بها على الوجه الأكمل، ويحفظ النواهي بالبعد عنها، والتحرر منها ومن كل الوسائل الذرائع لها ويحفظ حدود الله بأن لا يتعدى إلى ما حرم الله عليه, ومن أنواع الحفظ الإخلاص لله في توحيده فكون العبد مخلصاً لله في توحيده ويعبد الله وحده لا شريك له هذا من أعظم حفظ العبد لربه فإن الشرك بالله محبط للأعمال ومضيع للأوقات أنه من يشرك بالله فقد حبط عمله ومأواه النار قال جل وعلا: ((إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار)) , وقال: ((وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً)). وأضاف: أن من حفظ الله أن تحفظ دينه فتدافع عن هذا الدين وتبين فضائله ومزاياه وخصائصه وتدعو إليه وتكون حفظاً من شبهات المشبهين وضلالات المضللين تحفظ هذا الدين فتدعو الناس إليه والالتزام به علماً وعملاً فإن الدين أكمله الله وختم به جميع الشرائع، // اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً //, ومن أنواع الحفظ لربه أن يحافظ على هذه الصلوات الخمس ويؤديها في أوقاتها جماعة في المسجد مع الإتيان بشروطها وأركانها وواجباتها والحرص على تكميل مستحباتها قال الله – جل وعلا -: ((حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين)), وقال: ((والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون)), وقال – صلى الله عليه وسلم – //من حافظ على هذه الصلوات كان حقاً على الله أن يدخله الجنة// , وقال – صلى الله عليه وسلم – // من حفظهن وحافظ عليهن كن له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة//, فالمحافظة عليها بملازمتها بأدائها جماعة في المسجد، مع استكمال الشروط والأركان والواجبات تعلقاً بذلك؛ لأن الله يقول: ((واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون//, وقوله: ((يأيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين)), وأن يحافظ على الوضوء، حيث قال – صلى الله عليه وسلم – // ولا يحافظ على الوضوء إلا المؤمن//. وزاد سماحته: من أنواع الحفظ لربه أن يحفظ الإيمان فلا يرمي عن يمينه إلا عند الحاجة فيرمى الصدق باليمين، ويحفظ الإيمان الكاذبة الفاجرة، وإذا حلف على يمين ورأى غيرها خيراً منها حافظ عليها بالكفارة، قال – جلا وعلا -: ((لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أو كسوتهم أو تحرير رقبة فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة إيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم)), ومن ذلك حفظ الرأس وما وعى، والقلب وما حوى، يقول – صلى الله عليه وسلم – // الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى//, ومن حفظ السمع والبصر: ((قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم)), وقال: ((لا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً)), فيحفظ القلب عن الأفكار السيئة ويحفظ البطن من دخول الأمور المحرمة عليه في مأكله ومشربه، ومن ذلك حفظ الفروج قال جل وعلا: ((قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم)) , وقال جل وعلا: ((والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين)). واستطرد سماحة مفتي عام المملكة قائلاً: النتيجة احفظ الله يحفظك الله، وحفظ الله لعبده يكون بأمرين إما حفظ مصالح الدنيا فيحفظ عليه سمعه وبصره وقوته ويمتعه في حياته متاع بالعمل الصالح إلى أن ينتهي الأجل المكتوب ((فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)) , ويحفظه الله جلا وعلا في دينه فيحول بينه وبين الشبهات الضالة والشهوات المحرمة، ويكون قوي عند ذلك, وفي الأثر أن الله يحب العقل النافذ عند حدوث الشبهات، ويحب العقل الكاذب عند حدوث الشهوات, فيحفظه الله في دينه فلا تشوبه شبهة ضالة من دعاة الشر والفساد المشككين في شرع الله الساخرين في دين الله، ويحفظه من التعلق بالشهوات المحرمة قال تعالى: ((ولا يخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولن معروفاً)) , ثم قال – صلى الله عليه وسلم – //إذا سألت فسألت الله وإذا استعنت فاستعن بالله //, أرشده إلى هذا الخلق الكريم إنه عند السؤال, اسأل الله وحده لأن الله قادر على كل شيء, والدنيا والآخرة كلها بأمره أن يسأل الله وأن يتوجه بسؤاله إلى الله لأن الله جلا وعلا أمرنا أن ندعوه ووعدنا أن يستجيب لنا وتهدد المعرضين عن دعائه بعذاب أليم ((وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن دعائي سيدخلون جهنم داخرين)). ويقول – صلى الله عليه وسلم – من لم يسأل الله يغصب عليه، فأمره بسؤال الله فسؤال الله والتعلق به من أهم الأمور, إياك نعبد وإياك نستعين, واسألوا الله من فضله، فسؤال الله والتعلق به في كل الأحوال دليل على قوة الإيمان كلما ضاقت به الأمور وتكالبت الهموم، سأل الله وفوض أمره إليه ((إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله)), فيسأل ربه يقول – صلى الله عليه وسلم – ادعوه وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله لا يستجيب لدعاء من قلب لاه, والله يقول: ((أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)). وقال سماحته: فالإيمان بقضاء الله وقدره من أركان الإيمان بأن يؤمن أن الأمور كلها بيد الله، وأن الخلق لن يستطيعوا أن يؤذوك إذا أرادوا ولا يدفعوا عنك إذا أرادوا فالأمر كله بيد الله وقلوب العباد بيد الله، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، أمره أن يتقرب العبد إلى الله في رخائه، وهو في صحته وعافيته فيؤدي فرائض وواجبات الإيمان بإخلاص ويقين لعلمه أن الله ما خلقه لعبادته وحده لا شريك له ((وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)), فيعرف الله في رخاء وصحته يصلي أو صائماً ذاكراً بعيداً عن المحرمات متقرباً للأعمال الصالحة عالماً أن هذه الحياة الدنيا فانية, فيعرف الله في صحته وعافيته يعرفه الله عند شدائده وعند قرباته ولا سيما عند الاحتضار وخروج الروح من هذا الجسد وما يعانيه وسكراته فيعرفه الله فيثبته على دينه ويعينه من خبط الشيطان ((إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون)), عكس أولئك الذين قال الله فيهم: ((ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون ولقد جئتمونا فراداً كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم)). ودعا سماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ المسلم إلى أن يعرف الله في صحته وشبابه ونشاطه ويحافظ على دين الله, وأن لا يخدعه الشباب والغنى عن طاعة ربه, وأن لا تغره الدنيا فإنها سريعة الانقضاء كثيرة الفساد, فليحافظ على دين الله في أثناء الصحة والسلامة والعافية والمجيء إلى الله والتقرب إليه وليعلم المسلم أن النفع والضر بيد الله. وأضاف سماحة مفتي عام المملكة يقول: أيها المسلم، بلينا في هذا الزمان بأمة هم أعداء الإسلام وأهله باسم الإسلام, تقمصوا الإسلام وأنهم مسلمون, وإذا نظرت إلى أفعالهم والتصرفات رأيت تصرفات ضالة وأعمالاً خاطئة وإجراماً وفساداً وشراً وبلاء, فدماء المسلمين أشد تحريماً قال تعالى:// ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً //, فهذه الفئات الضالة والجماعات المنحرفة عن منهج الله المستقيم الخاضعة لأعداء الشريعة أقلامهم مخابرات عالمية يريدون بذلك تشويه صورة الإسلام، وقتل الأبرياء فالإسلام حرم قتل النفس بغير حق, وحرم المثلة قال – صلى الله عليه وسلم -// إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته//, وهذه الفئة تقتل المسلم قتلاً شنيعاً قتلاً مفظعاً بصورة بشعة وحالة سيئة, مؤكداً أن هذه جريمة نكراء يرفضها الإسلام والنبي كان يوصي أصحابه// ألا تمثلوا // كل هذه أمور يرشد بها المسلم إلى الرحمة، وإن الدين رحمة قال تعالى: // وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين // فالواجب على الأمة أن تنتبه لهذه الأخطار المحدقة بها. ومضى سماحته قائلاً: أما هؤلاء المقمصون فإنهم أعداء الإسلام وإن تظاهروا باسمه، ولكن في الواقع وفي الحقيقة هم أعداء الأمة المسلمة, هم فئة ضالة منحرفة جيء بها لتدمير المسلمين وتفريق شملهم, ويجب أن نكون على حذر من هذا كله, داعياً أهل مصر إلى أن يتقوا الله في أنفسهم، وأن يعلموا أن ما يكاد لهم كله لضرب اقتصادهم وتفريق شملهم, وعليهم أن ألا تكون أرضهم أرضاً لأعداء الإسلام، وأن يحرصوا على جمع الكلمة وتوحيد الصف وأن يحاربوا فكر الفئات الضالة والمسلمين الفاسدين الذين يدعون إلى المظاهرات، ويدعون إلى إحراق البلاد وتدميرها تحت شعارات زائفة كاذبة كل هذا من أعداء الإسلام , مؤكداً أهمية الحذر من شر أولئك وضلالهم, سائلاً الله – تعالى – أن يعافينا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يحفظ بلادنا من كل سوء إنه على كل شيء قدير.