إعداد : حسن آل عامر تصوير : علي الشهري فيديو : أحمد آل عواض فتحت عدد من الفنون التقليدية بمنطقة عسير الباب واسعا أمام المبدعات للمشاركة في النشاطات الثقافية والاجتماعية داخل المنطقة وخارجها إضافة إلى كونها مصدر دخل مالي جيد أصبح نافذة اقتصادية مهمة للمنطقة. وكشفت جولة ل "واس" على عدد من المتاحف والمراسم الفنية الخاصة التي تديرها سيدات مبدعات في مجال "القَط" العسيري ، عن تنامي المبيعات الفنية التي تعتمد على توظيف فن" القَط" في اللوحات والأدوات المنزلية، حيث أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة في رفد الجانب التسويقي لها، وعززت الدورات التدريبية المتخصصة التي نظمتها وأشرفت عليها وزارة السياحة ( الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني سابقا) في مجال "القَط" الجانب التسويقي لهذا الفن العريق، حيث عُقدت شراكات مع مؤسسات دولية وجهات محلية متخصصة في الفنون لتقديم دورات نوعية للشابات المهتمات في هذا المجال تركز على الأسس الفنية ومجالات التسويق الدولي للفنون. ويعرف "القَط" بفن تزيين جدران المنازل في منطقة عسير منذ مئات السنين، ويعتمد على الزخارف الهندسية البديعة التي تستوحي أبعادها ودلالاتها من الثقافة المحيطة، وخصوصا ألوان الطبيعة، وكلمة " قَط" في معاجم اللغة العربية تعني " خَط" أو " نحت" أو" قطع"، وهو ما كانت تفعله المبدعات في المنازل، وخصوصا منازل الأثرياء ووجهاء المجتمع قديما. وأشارت صاحبة " متحف فاطمة للقط العسيري" السيدة فاطمة فايع يعقوب إلى أنها بدأت منذ سنوات مع زوجها الأديب علي مغاوي في إنشاء المتحف على خلفية التفكير في تأسيس جمعية تهتم بالحفاظ على فن القَط خصوصا وثقافة المرأة عموماً، ثم تطور العمل إلى إنشاء مرسم خاص لفن القَط يعمل فيه فريق محترف في إنتاج الأعمال الفنية، ويقدم دورات متخصصة للفتيات بدعم من وزارتي السياحة والثقافة، مبينة أن المرسم نظم عشرات الدورات الفنية تخرجت فيها حوالي 600 متدربة بين فنانات وطالبات ومهتمات إضافة إلى ورش العمل والمشاركة في المعارض في الداخل والخارج (أمريكا – مصر – دبي)، وذلك من خلال التعاون مع جهات كثيرة منها (جمعية الثقافة والفنون بأبها – جمعية آباء – إدارة تعليم عسير –المدارس – إثراء بأرامكو – أثر في مدينة جدة – ألوان الشرقية – جمعية التراث في دبي). وتابعت يعقوب أنه تركز الدورات المقدمة على عدة محاور منها: علاقة البيئة بهذا الفن، وتنوع فن القَط حسب البيئة التي يوجد فيها ودلالات الأشكال والألوان والتكوين الفني للجداريات، وأسهمت الدورات في دعم المتدربات لطرح منتجات منزلية خاصة بهن للبيع والاستثمار، مؤكدة أن الاستثمار في " القَط" ناجح جداً بحالته الراهنة ولكنه سيكون أكثر نجاحاً عندما تهتم الجهات المعنية بدعم وشراء الهدايا والتحف واللوحات التي تمثل تراث المملكة العربية السعودية وحاضرها بطريقة احترافية وأصيلة. واستعرضت يعقوب عن ما يضمه المتحف من أعمالا فنية تستلهم فن" القَط" في كل تفاصيلها فمنها: لوحات مقاساتها تصل إلى 4 أمتار طولية تحاكي الجداريات القديمة، وتتدرج إلى مقاس 10/10 سنتمترات وتحف فنية وزخرفة على الأواني المختلفة بخطوط وألوان" القَط" إضافة إلى الألبسة النسائية التقليدية من مناطق مختلفة مع عرض أفلام قصيرة عن تراث البناء والزراعة وفن القَط على شاشة كبيرة. وتشاركها الفنانة التشكيلية عفاف آل دعجم والتي طورت مهارتها في مجال توظيف" القَط" من خلال الدورات التدريبية سبقها اهتمام شخصي بهذا الفن من خلال الأجواء العائلية المحيطة بها منذ الصغر، وقالت: ولدت ونشأت بين هذه النقوش الجميلة حيث كنت أشاهدها في بيوت أجدادي الطينية ومزينة للأواني والمنتجات المنزلية وأعتقد أن أي بيت طيني بعسير لا يخلو من هذه النقوش الشعبية التي تسمى بالقَط أو النقش أو الزيَان أو القَطه أو الكِتْبَة وتختلف مسمياتها من مكان إلى آخر. وأضافت: بدأ اهتمامي وشغفي بالقَط بمشاركتي كمتدربة في دورة أقامتها مؤسسة "التركواز ماونتن" البريطانية بمنطقة عسير عام 2016، ثم المشاركة بورشة التراث الثقافي الغير مادي مع جمعية "التراث" والتي من خلالها رفع ملف تسجيل" القطَ" لليونسكو وتوثق كفن عالمي، مبينة أنه اكتسب "القَط" شهرة عالمية بعد تسجيله رسميا ضمن القائمة التمثيلية الخاصة بالتراث الثقافي غير المادي بمنظمة" اليونسكو" في ديسمبر 2017، وهو ما مكّن الموهوبات في منطقة عسير من تسويق أعمالهن. وأشارت آل دعجم إلى أن التوثيق العالمي للقط باليونسكو فتح باب الطلب بشكل كبير على الأعمال الفنية المستوحاة من خطوطه وألوانه من داخل وخارج المملكة، موضحة أنها خصصت بمدخل مرسمها موقعا يسمى محليا "بَتَرة" يحكي قصة القَط، حيث تجمع " البَترة" أغلب مفردات " القَط" وخاصة اللونين الأحمر والأسود بصفتهما أول الألوان التي عُرفت قديما. وأكدت آل دعجم أن بداية اهتمامها ب"القَط" شغف بالفنون، ولكن مع الوقت بدأت تتلقى طلبات اقتناء للوحاتها بمقابل مادي من بعض الجهات الحكومية والخاصة ورجال أعمال، حيث تتفاوت الأسعار حسب مساحة اللوحة والجهد المبذول والوقت الزمني الذي يستغرقه العمل، مشيرة إلى أن من أبرز أعمالها التي اهتم بها رجال الأعمال وبعض المسؤولين لوحة بعنوان "دريشة من عسير" ولوحة "شامخات من عسير" وأخرى بعنوان "شموخ أنثى" و" قط عسيري"، وتتميز أعمالها باستخدام تقنيات الحفر والموزاييك وألوان الاكليريك والأقمشة التراثية والأخشاب التراثية مع التجريب في صناعة الألوان القديمة. من جهتها أكدت الفنانة التشكيلية عائشة عسيري أن البيئة المحيطة شكّلت اهتمامها بفن "القط"، وأن والدتها كانت من المختصات في" القط" داخل المنازل، وتأثرت بها كثيرا وبدأت تعلم الرسم وتوظيف الفنون التقليدية في جميع أعمالها، التي تتوزع في عدد من المواقع العامة والخاصة، مبينة أن فن "القط" تحول فعلا إلى مصدر دخل مالي، لكنه يحتاج إلى تقدير أكبر للجهد والوقت والإتقان الذي يميز الأعمال المنفذة بتوظيف خطوطه وألوانه. وعن وسائل الترويج لأعمالها، أوضحت عسيري أن أفضل وسيلة لتسويق الأعمال الفنية هي وسائل التواصل الاجتماعي، متمنية أن تتاح لجميع التشكيليات فرص أكبر لعرض أعمالهن المستمدة من التراث العريق للوطن في المواقع العامة وداخل المنشآت الحكومية والخاصة. وشهد سوق المقتنيات الفنية قفزة عالمية كبيرة خلال السنوات الأخيرة خاصة بعد تشكل سوق للفن العالمي عبر الإنترنت في الخدمات والمقالات والأعمال الفنية والثقافة التي ترتبط بشكل عام بالفنون المختلفة، وتوقع موقع( Artfacts ) الذي يعتبر أحد أشهر الجهات المزودة بالمعلومات الفنية عالميا أن تزيد مبيعات الأعمال الفنية عبر الإنترنت إلى 9.32 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2024. حيث شهد السوق نموا على مدار السنوات الخمس الماضية بأكثر من أربعة ونصف مليار دولار أمريكي.