توارثنا من أسلافنا أن من الحُب ما قتل ، فتشكّل العشق في أذهان بعضنا مادة سامة ، ووباء فاتكا تجب مكافحته وإنكاره ، وغدت المحبّة خطيئة لا تُغتفر ، والمسيار والمسفار مسائل فيها نظر ، حرّمنا ما يمكن ممارسته بثقة تحت ضوء الشمس ، وتسللنا برغباتنا إلى ما وراء الكواليس لنمتعها بما أبحناه في الخفاء وجرّمناه في العلن ، أثقلنا كاهل الحُب بالتهم ، وأدرجناه قائمة الممنوعات ، وصنّفنا المحبين في خانة المجرمين ، فتباعدتْ الخُطى عن مسار المودة والوفاء ، وتجاهل منظرو الكراهية جمالية الحُب وآثاره في الكلمات وفي العلاقات ، وبغّضوا النفوس إلى بعضها فاستولى الجفاء على المشاعر ، واحتلت الأطماع الأفئدة ، الحُب لا نُبدع به فقط بل هو من يُبدع بنا ، لما له من قدرة نافذة إلى عمق الفؤاد لسبر مكامن سر عظمة الإنسان ، الحُب منهج مُروّض ، وكائن جامح ، لا يُذعن لمبتذل ، ولا يُداهن متسلط ، هو يقين وشك ، وثقة وارتياب ، وسيد مالك لا مملوك ، أهملناه حيناً من الدهر ، ولم ندرِ أن مساحة العاطفة في داخل النفس البشرية إن لم يملؤها الحُب ستمتلئ بالكراهية والبغضاء والحسد والحقد والنفاق وازدواج الشخصية ما جعل البغض يتمدد في دواخل بعضنا ليفضي إلى تعفن الفطرة السوية ، واختلال البنية النقية ، بينما المحبة (تفلتر) كل دخيل إلى الذات يتنافى مع نقاء الإنسانية ، هل تتصورون أن عصراً أو مصراً خلا في يوم من (حُب) ؟ ، ويمكن أن يتساءل البعض عن أي حُب نتحدث في ظل التباسات مصطلحات الهوى والنزوة والشهوة والمصالح مع هذه الكلمة المقدسة ؟ الحب شريعة الله وفي القرآن الكريم تأصيل (يحبهم ويحبونه) (والذين آمنوا أشد حبا لله) هو ضرورة لعلاج أمراض النفس ، ووسيلة من وسائل القضاء على الخلافات والإشكالات الاجتماعية ، الأديان لا تُنكره ، والشرائع لا تمنعه ، كون القلوب بيد ربنا -عز وجل- والمحبة عند الفقهاء أنواع ، أفضلها محبة المتحابين في الله ، ومحبة القرابة ، والألفة والاشتراك في المطالب ، والتصاحب والمعرفة ، والمعروف يضعه المرء عند أخيه ، ومنه الطمع في جاه المحبوب ، وبلوغ اللذة وقضاء الوطر ، وكل هذه الأنواع تتغير بتغير أسبابها إلا محبة العشق الصحيح فهي التي لا فناء لها إلا بالموت كما يرى ابن حزم ، والحُب دوحة المتعبين ، وشعار الوطنيين المخلصين ، وظلال الوطن المعتدل ، يمكّن صوت المواطن الحفي بوطنه من الوصول للمسؤول بطمأنينة ويتلقاه الحاكم دون تأويل بطانة ، ولا (دهفلة) بطالين ، قل ما ندم محب على حبه وكم يندم الكاره على كراهية ، هذا عند الأسوياء ، ختاماً لا عزاء لمشوّه ، وبالحُب وحده يمكن أن يحيا الإنسان ويرفع رأسه.