غريب أن نصوم عن الطعام والشراب بكافة أنواعهما وأشكالهما مع حبنا لهما وتعودنا عليهما، إلا أنه -وهذا الغريب- في جانب الأخلاق نخفق في صيامنا عن السيئ منها, على الرغم من أنها خلاف الفطرة السوية وحرمتها والمنع منها قائم في رمضان وغيره، ونتذرع بصعوبة التأقلم على تركها مع أننا ننصاع وبحماسة لترك الطعام والشراب خلال رمضان ونستعد بوسائل شتى للتغلب على رغبة النفس في الأكل والشرب من خلال الاهتمام بالسحور وعدم أكل ما يسبب العطش وعدم التعرض للإجهاد الذي يجعل الرغبة للأكل أكبر والبعد عن كل ما يسيل اللعاب أكلا وشربا. وهذا عين الحكمة. فلماذا لا نبذل مثل هذا وأكثر في ترك الأخلاق السيئة برمضان، وصولا إلى تركها في غير رمضان، خصوصا ونحن وبكل صراحة نعاني من خلل وأزمة في الأخلاق ونعاني من فصام نكد بين أخلاقنا وتديننا، وهنا مكمن الخطر؟ رمضان فرصة عظيمة جدا لتهذيب أخلاقنا وإصلاح نفوسنا. الأخلاق يا سادة قضية جوهرية وخطيرة وأهميتها في الشرع كبيرة للغاية، فقد امتدح الله نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله "وإنك لعلى خلق عظيم" سورة القلم. وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم "أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله و حسن الخلق" رواه الترمذي والحاكم. وقوله عليه الصلاة والسلام "أقربكم مني منزلا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا" صححه الألباني. وحينما نتحدث عن رمضان وحسن الخلق فلأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل من هذا الشهر مدرسة لتهذيب الأخلاق، ولذلك تأمل هذين الحديثين "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه" رواه البخاري. وحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "قال الله كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم. والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح وإذا لقي ربه فرح بصومه" رواه البخاري. فانظر كيف يتعامل الصائم مع من يسيء إليه ليعلم نفسه ويعلم من أمامه، وهذه مدرسة الأخلاق العظيمة. وتأمل في أن قول الزور والعمل به يكاد يجعل الصائم بلا صيام.. إذا المسألة ليست ترك طعام وشراب فحسب، إنها تعويد النفس على كريم الأخلاق ونبيل الصفات. وعلينا أن نجعل جانبا كبيرا من حديثنا عن الأخلاق وترسيخها. وكثيرا ما نقول ونسمع في أمور العقائد والعبادات، وهذا مهم، لكن قليلا ما نقول ونسمع عن الأخلاق، وأقل من ذلك تطبيق هذه الأخلاق. نتورع في رمضان ونسأل عن حكم معجون الأسنان وقطرة العين ولا يبالي بعضنا أن يكذب أو يتكبر أو يشهد الزور (هل تأملتم المفارقة)؟؟!!