تناول إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس، في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام، موضوع الدين والتدين بين الحقيقة والواقع. وقال إمام الحرم: "إننا في عصر الماديات واعتسافها، وذبول الروح وجفافها، واجتثاث كثير من القيم وانتسافها، وفي زمن التحولات الفكرية واجترافها، والتموجات الثقافية واختلافها، وشرود النفوس دون التدين وانصرافها، تغلغلت في الأمة آفة قحلة ألا وهي الانفصام عن العروة الوثقى، والتجافي عن العقيدة الأنقى في سلوكيات تدينية تخلط بين الأولويات، وتعنى بالصور والشكليات على حساب الحقائق والثوابت واليقينيات؛ فقوم يقولون ما لا يفعلون، وآخرون يفعلون ما لا يؤمرون".
وأضاف: "الدين بثوابته ومبادئه وقيمه لا يقبل التشكيك أو التقليل أو المزايدة، ولا يصح لمسلم عاقل أن ينال منه أو الإساءة إليه؛ فهو دين الله الذي ارتضاه لعباده، والتدين كسلوك بشري لتطبيق تعاليم الدين هو الذي يختلف فيه المكلفون بحسب العقول والعواطف والظروف والأحوال والبيئات، والفارق بين الدين والتدين يحتم مراجعة مسيرة التدين في المجتمعات والتحولات الفكرية التي واكبتها، في زمن انتشرت فيه ظواهر اختلاف العقول باسم الدين والصراع بين الأيدلوجيات والأجندة؛ مما أفرز تناقضات سلوكية وانتماءات فكرية تتطلب معرفة الضوابط الشرعية عند الحديث عن الثوابت والمتغيرات".
وأردف "السديس": "في هذا العصر المحتدم بالاختلافات والانقسامات والملتهب بالأزمات والصراعات، كثرت ضروب التدين الخاطئ، وانداحت صورالضلال، وعمت من أناس شربوا فكر الغلو والتكفير والعنف والقتل والتفجير والتخريب والتدمير؛ فقدموا للأعداء خدمات جلى بأطباق مذهبة، وضيعوا على الأمة فرصاً كبرى في الدعوة إلى دين الله، وكل ذلك نتاج فكر متطرف منحرف وغلو شاذ منجرف".
وتابع: "شريعتنا في أصولها ومبادئها بها ما يتواءم وحاجة الإنسانية، وما يتواكب ومصلحة البشرية في كل زمان ومكان، وما يحقق مصالح العباد في المعاش والمعاد. والتمسك بها لا يحتاج إلى جهد جهيد أو غلو وتشديد، أو ترك لمعالمها وتفريط؛ بل هي وسط بين كل ذلك، والتدين الحق هو المستكن في الفهم السلفي صحيح النصوص والمقاصد الذي يُظهر عدل الدين ورحمته وسماحته ورأفته".
ودعا الدكتور "السديس" المسلمين إلى التمسك بثوابت الدين؛ لا سيما في عصر الفتن وغربة الإسلام، وفي زمن التحديات الجسام، والأخطاء العظام؛ محذّراً في ذات الوقت من استفزازات المرجفين والمزايدين، وإثارات حملات المتربصين والمغرضين.
أما في المدينةالمنورة؛ فقد استعرض إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ حسين آل الشيخ أحكام الوضوء، وكيفية المسح على الخفين ومدة مشروعيتها للمقيم والمسافر؛ وفقاً لما ثبت في الكتاب والسنة.
وأكد في خطبة الجمعة اليوم، أن من رحمة الله جل وعلا بعباده، أن شرع لهم من الأحكام ما ييسر لهم أمورهم، وتستقيم به أحوالهم؛ وفق مبادئ التيسير والتسهيل؛ مذكّراً أن من قواعد شريعة الإسلام "المشقة تجلب التيسير"، وأن من جوانب التيسير في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم مشروعية المسح على الخفين، الثابت في الكتاب العظيم والأحاديث المتواترة عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم؛ فيسن المسح عليهما ما دام الإنسان لابساً لهما؛ فلا يُشرع للمرء أن يخلع الخفين ليغسل القدمين عند وضوئه.
وقال "آل الشيخ": "يلتحق بمشروعية المسح على الخفين المصنوعين من الجلود، المسح على الجوربين، وهما ما يُتخذ من القطن أو من الصوف، ومما هو في حياة الناس اليوم، فيشرع المسح على الجوربين بهذا الوصف بالوضوء متى ما لبسهما الإنسان على طهارة كاملة؛ بمعنى أن يتوضأ وضوءاً كاملاً، أو يغتسل غسلاً مشروعاً كالغسل من الجنابة مثلاً، ثم يلبسهما بعد ذلك، والأحوط ألا يلبس المتوضئ الخف أو الجورب حتى يغسل قدميه كليهما؛ فحينئذ له أن يمسح بعد ذلك".
وأضاف: "المسح إنما هو في الطهارة من الحدث الأصغر، أما الحدث الأكبر كمن عليه جنابة؛ فلا يجوز في ذلك المسح على الخفين؛ بل لا بد من خلعهما وغسل البدن كاملاً".
وأردف: "مدة المسح على الخفين للمقيم، يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها؛ فتبدأ مدة المسح من أول مسح بعد الحدث الذي يصيب الإنسان مما يسمى عند أهل العلم بنواقض الوضوء؛ فمثلاً إذا توضأ لصلاة الظهر ثم لبسهما ثم أحدث ثم مسح عند صلاة العصر؛ فحينئذ تبدأ مدة المسح من مسحه عند صلاة العصر، ومَن مَسَح وهو مسافر ثم أقام في البلد أتم مسح مقيم، أي يوم وليلة ما دامت هذه المدة قائمة، ومن مَسَح وهو مقيم في البلد ثم سافر في أثناء هذه المدة فيمسح مدة مسح المسافر أي ثلاثة أيام بلياليها على الراجح من قول أهل العلم".
وتابع: "المسح على الخفين متعلق بغسل الرجلين في الوضوء؛ بمعنى أنه لا بد أن يتوضأ وضوء شرعياً بالماء، أما إذا تيمم الإنسان في حال مشروعية التيمم، ثم لبس خفين؛ فلا يجوز له أن يمسح إذا وجد الماء، بحجة أنه لبس الخفين على طهارة شرعية؛ فالطهارة في المسح على الخفين تتعلق بغسل القدمين بالماء مع سائر الأعضاء؛ فمثلاً مَن لم يجد الماء أو كان مريضاً لا يستطيع استعمال الماء في الوضوء؛ فإنه لا مانع أن يلبس خفين على غير طهارة، ويصلي بهذا التيمم؛ ولكن إذا وجد الماء أو شُفِي المريض فلا بد من وضوء تامّ بما فيه غسل القدمين، ومتى شك الإنسان لابتداء مدة المسح؛ فإنه يبني على اليقين، وهو عدم المسح".
وقال خطيب المسجد النبوي: "الواجب أن يمسح مَن كان عليه خفان أن يمسح على الخف إذا أراد أن يمسح، بأن يبدأ المسح من أصابع قدميه إلى ساقه؛ فيمسح اليمنى ثم اليسرى، وإن مسحهما جميعاً أي يمسح رجله اليمنى بيده اليمنى، ورجله اليسرى بيده اليسرى، دفعة واحدة؛ فلا بأس وهذا هو ظاهر حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "ثم ليمسح عليهما".
وأضاف: "لا يسن مسح أسفل الخف ولا عقبه، لقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (لو كان الدين بالرأي، لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه) رواه أبو داوود".
وحذّر من خطورة الابتداع في الدين؛ مُذَكّراً بعدم مشروعية الاحتفال بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: "المعلوم عند علماء الإسلام أن الأصل الذي تقوم عليه صحة التعبد، متابعة السنة النبوية، وقيام الدليل الشرعي، وأن ما يفعله بعض المسلمين من الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول هو أمر محدث، لم يفعله صلى الله عليه وسلم، ولا خلفاؤه الراشدون ولا صحابته رضوان الله عليهم أجمعون، ولا أهل القرون المفضلة، مع عظيم محبتهم لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم".
وأضاف: "الخير كل الخير في الاتباع، والشر كل الشر في الابتداع، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".
وأردف: "محبة النبي عليه الصلاة والسلام أصل عظيم في الإيمان بالله جل وعلا، ولا يستقيم إيمان بدون محبته صلى الله عليه وسلم؛ ولكن من لوازم وأركان محبته: الاقتداء بهديه، واتباع شرعه، وعدم الإحداث في دينه، ولو كان ذلك في ظن الإنسان حسناً؛ فإن الحسن إنما يكون حسناً بشرع الله جل وعلا".