أرجع أكاديمي اقتصاديّ الوضع الذي يعاني منه المواطن السعودي في عدم كفاية الدخل, إلى التضخم (ارتفاع المستوى العام للأسعار) الذي يشهده السوق السعودي, مؤكدًا في الوقت نفسه خطورة تفاقم التضخم, ومآله الاجتماعي والاقتصادي, والأمني, وطرح عبر "سبق" اقتراحات تنتشل السوق السعودية من التضخم، مطالبًا وزير التجارة بالاستفادة من الأكاديميين السعوديين المتخصصين . جاء ذلك بعد أن كشفت تقارير ودراسات أن خط الكفاية للأسرة السعودية يجب أن يتجاوز ثمانية آلاف ريال بسبب التضخم الذي تشهده الأسواق السعودية, في الوقت الذي يكون فيه راتب الفرد في القطاع الخاص لم يصل لثلاثة آلاف ريال, حتى بعد الأمر الملكي, بوسائل الغش المتعددة .
وكان ولي ولي العهد والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء الأمير مقرن بن عبد العزيز، علّق على دراسة حديثة أصدرتها مؤسسة الملك خالد الخيرية، أكدت أن خط الكفاية (خط الفقر) للأسر السعودية لتعيش حياة كريمة يجب ألا يقل عن 8926 ريالاً شهرياً, منتقدًا البنوك قائلاً: "أعطوني بنكاً واحداً تبرع بأي شيء؟ تبنى أي شيء؟.. فقط هي مثل المنشار (طالع يأكل وداخل يأكل)".
وتفصيلاً أوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور خالد البسام ل"سبق": أن ضيق وعدم تنوع الطاقة الإنتاجية المتوافرة للاقتصاد السعودي، والنمو المتسارع للسيولة المحلية الناتج عن زيادة الإنفاق الحكومي, والقروض المصرفية للقطاع الخاص، وعدم تمتع أسواق الكثير من السلع بدرجة كافية من المنافسة تساهم في استقرار الأسعار، في إشارة منه إلى وجود احتكار أثر على الأسواق السعودية, إضافة إلى الاختناقات التي تشهدها الأسواق المحلية وبوجه الخصوص سوق العمل، وتحول جزء كبير من سيولة الأسواق المالية لتشكل ضغطاً أكبر على جانب الطلب الكلي، وقوى الدفع الذاتي للتضخم، وسياسة ربط الريال بالدولار، وكذلك الارتفاع المتواصل لأسعار البترول والارتفاع العالمي لأسعار السلع الأساسية، وارتفاع التضخم في الدول التي تشكل واردات السعودية منها نسبة كبيرة من إجمالي وارداتها، مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان .
وأضاف: عقب ما يجر إليه التضخم من تدهور القوة الشرائية للنقود، سيحدث خفض في معدلات الادخار ما يترتب على ذلك خفض معدلات الاستثمار في الاقتصاد، وفي حالة التضخم الجامح يقدم الكثير على التخلص من العملة المحلية نتيجة انخفاض قوتها الشرائية، كما أن التضخم لا يهيئ بيئة مناسبة للاستثمار المحلي والأجنبي، ويؤدي إلى ارتفاع أسعار المنتجات المحلية، الأمر الذي يفقدها القدرة التنافسية, عند توريدها للمستهلك خارج البلاد, حيث سيغلب الناتج المحلي للدولة المستهلكة, في إشارة منه إلى خطورة استمرار التضخم . وقال البسام: التضخم في الأمد الطويل سيحدث ركوداً اقتصادياً، وهو يخلق حالة عدم استقرار نقدي، وهذا يؤدي إلى خلق عدم استقرار اقتصادي بصفة عامة وعدم استقرار الأسواق المالية بصفة خاصة .
وتابع: المتأثر بالتضخم بالإيجاب هم التجار وهم الرابح الوحيد من خلف هذا التضخم, وأما المتضررون, بالطبع هم المستهلكون وخصوصًا أصحاب الدخل الثابت.
الأثر على المجتمع وأكد أن التضخم يؤدي إلى زيادة معدلات الفقر، وزيادة معدلات الجريمة كالسرقة، ويمهد الطريق للخلافات الاجتماعية والسياسية، كما يؤثر التضخم في الاستقرار الأسري بسبب تشتت الأسر الناتج عن التوجه للبحث عن عمل من قبل الأب والأم . وتابع: انتشار الفساد بشتى أنواعه من نواتج التضخم, الذي يسير بالفرد نحو خط الفقر, مشيرًا إلى أن أقرب الفساد الذي سينتشر عقب زيادة معدلات التضخم هو الرشوة داخل المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص .
حلول وطالب البسام وزارة التجارة بتحرك سريع لاحتواء التضخم, مشددًا عليها بالاستفادة من المتخصصين والباحثين في التضخم, وأشاد بالأكاديميين المتخصصين في المملكة بهذا الشأن, وأكد أنه لن يتردد في مقابلة وزير التجارة, متى ما تم طلبه كمتخصص من أجل المساهمة في حل مشكلة التضخم في المملكة .
وقال البسام إن من أهم سبل مجابهة التضخم هو رفع سعر صرف الريال مقابل الدولار أو ربط الريال بسلة من العملات، وتخفيض الرسوم والتعرفة الجمركية.
وأكد أن الاحتكار للتوريد من قبل شركات معينة للأدوية على سبيل المثال هو من مسببات ارتفاع الأسعار, وهذا ينطبق على جميع المستهلكات المحتكر توريدها من قبل شركات، الأمر الذي يستوجب إتاحة الفرصة, ودعم الشركات الوطنية الصغيرة, والتشجيع على قيام جمعيات استهلاكية وهي (تلك التي تكون الحكومة شريك فيها بنسبة معينة وتتاح النسب الأخرى لمساهمين تساهم في ثبات الأسعار)، وهي مطبقة في عدة دول في مجلس التعاون الخليجي .
وأضاف: يجب العمل على توعية المواطن "السلوك الشرائي"، والتشجيع على الادخار في المجتمع السعودي من خلال وضع سياسات ادخارية فعالة لرفع معدلات الادخار ومن ثم خفض معدلات الاستهلاك .
وأكد البسام أن التوعية من قبل وزارة التجارة, ونشر الأسعار كما يتم العمل به في الهايبر ماركت على مواقع الإنترنت, وغبر النشرات الخاصة بها، يساهم كثيرًا في الحد من رفع الأسعار غير المبرر, واستغلال التجار لجهل المستهلك .
واعتبر البسام أن الدعم الحكومي للمنتجات أصبح كافيًا، مؤكدًا أن مع كل دعم للمواطن أو السلع ارتفاع للأسعار، وأشار إلى أنه من الحلول هو الرقابة الصارمة على الأسواق، كما شهدت أسواق الحليب في وقتٍ سابق .