أثارت الدراسة التي أجرتها 6 جهات حكومية، على رأسها وزارة العمل، بخصوص إمكانية إغلاق محلات التجزئة والخدمات العامة في الساعة ال 9 مساء، تخوفاً وترقباً لدى عدد كبير من أصحاب العمل، في ظل الانعكاسات الاقتصادية المتوقعة على الدخول المادية. وحول تأثير هذه الخطوة المحتملة على الاقتصاد السعودي والشرائح المجتمعية لاحظت "سبق" أن غالبية تغريدات مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي تعاملوا مع هذا الموضوع بطريقة فكاهية، بينما عبّر عدد من المواطنين عن استيائهم ورفضهم لهذا التوجه.
وقال أحد المغردين في موقع "تويتر": "قرار جميل ومريح لرجال الهيئة فقط"، وقال آخر: "الرياض لا يوجد فيها سوى المولات ومحلات الخدمة وإن أغلقت فأين نذهب؟"، وقال مغرد ثالث: "هذا القرار يناسب المناطق ذات الحرارة المعتدلة وليست تلك التي تصل درجة حرارتها إلى 50".
من ناحيته، قال الكتاب الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن السلطان ل"سبق": "أحد أهم أسباب عزوف اليد العاملة السعودية عن العمل في بعض المهن، هو طول ساعات العمل، ومن أمثلة ذلك محلات التجزئة، وأعتقد أن تطبيق فكرة إغلاق المحلات بطريقة جدية وفي وقت محدد، سيساهم بشكل كبير في زيادة نسبة سعودة هذه المحال، حيث سيقبل الشاب السعودي على القطاع الخاص، ويوافق على العمل ضمن فترة زمنية مكافئة للأجر المادي الذي يتقاضاه".
وأضاف "السلطان": "تخوف بعض أصحاب هذه المنشآت من انخفاض ربحهم هو تخوف غير مبرر، لأن المنطق الاقتصادي البديهي يؤكد أن خفض ساعات العمل سيؤدي إلى انخفاض تكاليف أخرى ملقاة على عاتق صاحب العمل".
وأردف: "عندما يعرف الزبون ساعة الإغلاق فإنه سيحرص على الذهاب في الوقت المحدد لقضاء حوائجه من السلع والمواد الأخرى، ومبيعات هذه المحلات لن تنخفض، كما أن إلزام جميع المحلات بتطبيق هذا الأمر، سيقضي على فوضى الحياة ويساعد على ترتيب نظام الحياة اليومية لأفراد المجتمع".
وتابع: "أتمنى تطبيق الفكرة بصورة صارمة لأنها ستمثل مكسباً اقتصادياً كبيراً والجميع سيستفيدون".
أما الباحث الاقتصادي خالد العلكمي فقد قال ل "سبق": "هذه الفكرة ستجذب الشباب السعودي وتقضي على السعودة الوهمية وتوفر فرص عمل للشباب في مجالات مختلفة وتساهم في توفير بيئة عمل سعودية سليمة اقتصادياً".
وأضاف "العلكمي": "طول ساعات العمل من أسباب عزوف الشاب عن الالتزام بفرص العمل، لكن هناك مشكلة مجتمعية أخرى تتمثل في أن فئة الشباب التي تمثل أكثر من 70% من المجتمع السعودي، اعتادت قضاء أوقات الفراغ في المساء من خلال التسوق في المولات، ولو تقرر إغلاق هذه المحلات دون أن يكون هناك البديل المناسب للترفيه وتفريغ الطاقات، مثل المسارح أو غير ذلك من الأنشطة، فستكون لدينا مشكلة".
وأردف: "في بريطانيا تغلق المحلات في الساعة السادسة مساء، لكن توجد بدائل أخرى لتمضية وقت الفراغ والترفيه".
من ناحيته، قال الخبير الاقتصادي الدكتور إحسان بو حليقة ل "سبق": "تحديد ساعة معينة لإغلاق محلات التجزئة خطوة إيجابية من حيث المبدأ، لكن لا بد من الاعتماد على دراسة ميدانية استقصائية ودراسة تحليلية في تحديد ساعة الإغلاق، وأعتقد أن المسارعة بتحديد الساعة التاسعة لن يكون عملياً على أرض الواقع، فعلى سبيل المثال يرفع اليوم أذان العشاء في الساعة السابعة والنصف وتقام الصلاة وتؤدى في الساعة الثامنة، فلو تحولت الدراسة إلى قرار وطبق بالفعل فلن يتسنى لأصحاب المحلات والزبائن التسوق وشراء احتياجات أسرهم في هذا التوقيت المتبقي بعد الصلاة، ما سيصيب الحركة الاقتصادية بشلل كبير".
وأضاف "حليقة": "مساحة المملكة شاسعة وتحتاج إلى ما لا يقل عن ساعتين لقطعها على متن الطائرة، ومن ثمّ فإن تحديد ساعة إغلاق واحدة في كل المناطق سيكون أمراً غير صحيح، وأرى ضرورة السماح بوقت كافٍ بعد صلاة العشاء لشراء الاحتياجات".
إلى ذلك رأى عدد من أصحاب محلات التجزئة والخدمات العامة أن تطبيق هذه الدراسة سيؤدي إلى تغيير الثقافة الاستهلاكية الشرائية في المجتمع عموماً سواء بالنسبة للمواطنين أو المقيمين، الذين اعتادوا شراء كافة متطلباتهم بعد صلاة العشاء، وهي ساعات الذروة.
وقال صاحب محلات "فن التراث" في أسواق "العويس": "إغلاق المحلات في الساعة التاسعة أمر غير مناسب لأن غالبية الزبائن اعتادوا ثقافة شرائية واحدة تتمثل في بدء التسوق بعد صلاة العشاء، والغالبية يعملون في وظائف حكومية وخاصة".
وأضاف: "بعض الزبائن من أصحاب المناصب والأمراء اعتادوا القدوم والشراء في أوقات متأخرة من الليل، حتى يكون الزحام قد قلّ في الأسواق، وبالتالي فإن تطبيق هذا القرار سيجعلنا نخسر هذه الشريحة من الزبائن".
وقال صاحب محل لبيع الألبسة النسائية في سوق "العويس" يدعى عبد العزيز باوزير: "غالبية زبائننا من المعلمات والموظفات اللواتي اعتدن الشراء بعد صلاة العشاء، وخلال الفترة المقبلة ومع حلول فصل الصيف، ستصبح الساعة التاسعة هي وقت صلاة العشاء، ما سيجعل هذه الخطوة غير مناسبة على الإطلاق".
وأضاف: "معظم الدول التي تطبق هذه الفكرة تضع في اعتبارها مسألة الفروق بين التوقيتين الصيفي والشتوي بالنسبة لهذه المحلات، وإذا أصبح الأمر ضرورياً فأرى أن تكون ساعة الإغلاق هي العاشرة وليس التاسعة".
وقال مدير مغاسل "الأسمري" ياسر علي الدعاني ل "سبق": "إغلاق المحلات في وقت مبكر أمر ذو شقين، فأما الشق الإيجابي فهو أنه سيوفر الراحة الجسدية للعاملين سواء المواطنين أو المقيمين الذين يشكون من طول ساعات العمل التي تمتد أحياناً إلى ساعات متأخرة من الليل، وأما الشق السلبي فهو أن غالبية زبائن المغاسل يأتون بعد ساعات القيلولة التي يمضونها، ما يعني أن حركة العمل تبدأ بعد العشاء وفي حالة إغلاق المحلات في الساعة التاسعة فإن هذا سينعكس علينا بشكل كبير".
هذا، وقد رحّب عدد من المواطنين بالتأثيرات الاجتماعية التي ستترتب على هذه الخطوة لو طُبقت، مشيرين إلى أنها ستصب في صالح تقوية العلاقات الأسرية.