حين يغيب الكاتب، يفتقد قراءه أكثر من افتقادهم له، فهم يجدون عنه بدلا، أما هو فلا يجد! غياب الكاتب عن جمهوره القارئ يشعره بالفراغ، وبالعزلة، لذا هو في حاجة إلى قرائه أكثر من حاجتهم إليه. لكن بعض الكتاب يعتقدون أن القارئ يحتاج إليهم أكثر من حاجتهم له، فهم يرون أنفسهم يحملون أهدافا إصلاحية، ويقدمون نصوصا ممتعة، كما أنهم يثيرون التفكير عند طرحهم القضايا المختلفة أمام الناس لمناقشتها. والكتاب في هذا كله يرون أنفسهم نافعين ووجودهم ضروري يسد حاجة لدى القارئ، وقد يستشهدون على أهميتهم بما يقال عن أهمية القراءة وفائدتها، فالقراءة هي نتاج الكتاب، ولولاهم لما وجدت أصلا، فما القراءة لو لم يكن هناك كاتب!! إلا أن القارئ بدوره يعتقد أنه لولا وجوده لما استمر الكاتب في الكتابة، فالكاتب يستمد وقوده من تفاعل قرائه مع ما يكتبه لهم، فالكاتب لا يمكنه أن ينمو ويتجدد ما لم يكن هناك قراء يتابعونه ويشاركونه ما يسطره من الأفكار والأقوال، وهذا يجعل أهمية وجود القارئ بالنسبة للكاتب، أكبر من أهمية الكاتب للقارئ. الفرق في نوع العلاقة بين الإثنين أن القارئ بالنسبة للكاتب مجهول، فالكاتب يخاطب قراءه بعمومية ولا يرتسم في ذهنه تصور لأحد منهم أو يرتبط به ارتباطا روحيا، بل إنه أحيانا يشعر بالمشقة حين يجد نفسه كل يوم في حاجة إلى أن يثبت جدوى ما يكتبه لقراء قد لا يعنيهم شيء مما يقول. أما القارئ فإنه أحيانا يرتبط بالكاتب ارتباطا وثيقا، فيشعر أنه يعرفه جيدا، ويرسم له في ذهنه صورة من خياله يظل يحتفظ بها ويتوقع من الكاتب أن يتطابق معها، وقد يشتد ارتباطه بالكاتب فتغيب الفواصل المكانية بينهما، ويضحى الكاتب يحيا معه داخل تفاصيل يومه يشاركه وجبته ومخدته وأحلامه وأفكاره، يشعر به قريبا منه ويتوقع من الكاتب هو أيضا أن يكون كذلك. قوة ارتباط القارئ بالكاتب، كتاب الصحف على وجه التحديد، تجعله يشعر أنه صاحب حق على الكاتب فينتظر منه أن يشركه في تفاصيل حياته، وأن يكون التعامل بينهما مبنيا على هذا الأساس. من هذا المنطلق تحييكم (أفياء)، من افتقدها ومن لم يفتقدها، والشهر مبارك عليكم، كتب الله لكم فيه العمل الصالح ورزقكم القبول.