بين الجامعات وسوق العمل حرب شعواء، وإذا كانت هوية الجامعات التي تستمد منها اسمها تتبلور من خلال كونها «جامعة» لمختلف العلوم سواء كانت علوما إنسانية نظرية أو علوما تطبيقية علمية فإن سوق العمل الذي يحتفي بالمخرجات العلمية من طب وهندسة وغيرهما من العلوم التطبيقية لا يجد في خريجي العلوم الإنسانية ما يغنيه ويسد حاجته، ولذلك يعتبر وجودهم حملا ثقيلا على التنمية وعاملا من عوامل رفع معدل البطالة في المجتمع وتعثر سوق العمل. ونتيجة لذلك أصبح الهاجس الملح لخبراء التربية والقيمين على شؤون الجامعات بحث مواءمة مخرجات التعليم لسوق العمل، وعادة ما تسفر اجتماعاتهم على مختلف المستويات المحلية والإقليمية عن توصيات بإغلاق الكليات والأقسام النظرية في الجامعات والتوسع مقابل ذلك في افتتاح مزيد من الكليات والأقسام للعلوم التطبيقية الكفيلة بتخريج طلاب يسدون حاجة سوق العمل ويضمنون فرص التوظيف المتاحة. وفي مقابل ذلك لا نجد أن خبراء التنمية يعقدون أي اجتماع يتساءلون فيه عن أسباب شح الوظائف التي يمكن أن يشغلها خريجو الأقسام النظرية فضلا عن التفكير في استثمار كفاءات الأقسام النظرية من أجل إنشاء مراكز بحوث ودراسات لا تساهم في تنمية العلوم النظرية وتكريس القيم الإنسانية ودعم ذائقة المجتمع فحسب، وإنما تعوض نقص الجانب الإنساني والفكر الفلسفي والانتقادي والمعارف العامة لدى خريجي الأقسام العلمية النظرية. ومن أجل ذلك كله أوشكت اجتماعات ومؤتمرات مواءمة مخرجات الجامعات لسوق العمل أن تنتهي إلى تحويل الجامعات إلى مكاتب توظيف ملحقة بالمصانع والمتاجر على نحو لا تصبح فيه الجامعة مستحقة لمسمى كونها «جامعة» لمختلف العلوم. وعلينا بعد ذلك كله أن ندرك أن التنمية التي لا تعنى بمختلف التخصصات العلمية والإنسانية والتي لا يجد فيها الخريجون كافة فرصا للعمل، إنما هي تنمية عرجاء، وأن محور الاجتماعات الذي يتمحور حول مواءمة مخرجات التعليم لسوق العمل ينبغي له أن يتمحور حول مسألة أهم تتمثل في عجز التنمية عن استيعاب ما لا يستطيع «سوق العمل والمصانع والمتاجر» استيعابه.