«سلمان للإغاثة» يوزع 526 حقيبة إيوائية في أفغانستان    الكشف عن مدرب الشباب الجديد    تحقيق أولي: تحطم الطائرة الأذربيجانية ناجم عن «تدخل خارجي»    ضبط 3 مواطنين في نجران لترويجهم (53) كجم "حشيش"    وزير «الشؤون الإسلامية»: المملكة تواصل نشر قيم الإسلام السمحة    اتهامات لنتنياهو بعرقلتها.. تضاؤل فرص إبرام هدنة غزة    خطيب الحرم: التعصب مرض كريه يزدري المخالف    دار الملاحظة الأجتماعية بجازان تشارك في مبادرة "التنشئة التربويه بين الواقع والمأمول "    الذهب يستقر وسط التوترات الجيوسياسية ويتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية    مدرب اليمن يستهدف فوز أول على البحرين    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مستشفى كمال عدوان شمال غزة    مدرب العراق: سأواجه «السعودية» بالأساسيين    الفرصة لا تزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    مآل قيمة معارف الإخباريين والقُصّاص    الصندوق السعودي للتنمية يموّل مستشفى الملك سلمان التخصصي في زامبيا    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    الأمن.. ظلال وارفة    إحالة 5 ممارسين صحيين إلى الجهات المختصة    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    خادم الحرمين يهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي بذكرى استقلال بلاده    عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً    مطاعن جدع يقرأ صورة البدر الشعرية بأحدث الألوان    اجتثاث الفساد بسيف «النزاهة»    سورية الجديدة.. من الفوضى إلى الدولة    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    كرة القدم قبل القبيلة؟!    ليندا الفيصل.. إبداع فني متعدد المجالات    قائمة أغلى عشرة لاعبين في «خليجي زين 25» تخلو من لاعبي «الأخضر»    ضبط شخص افتعل الفوضى بإحدى الفعاليات وصدم بوابة الدخول بمركبته    122 ألف مستفيد مولهم «التنمية الاجتماعي» في 2024    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    «إسرائيل» ترتكب «إبادة جماعية» في غزة    أهلا بالعالم    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    وسومها في خشومها    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    حرس الحدود بجازان يدشن حملة ومعرض السلامة البحرية    رفاهية الاختيار    5 مشاريع مياه تدخل حيز التشغيل لخدمة صبيا و44 قرية تابعة لها    منتخبنا كان عظيماً !    استثمار و(استحمار) !    اختتام دورات جمعية الإعاقة السمعية في جازان لهذا العام بالمكياج    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    وطن الأفراح    حلاوةُ ولاةِ الأمر    46.5% نموا بصادرات المعادن السعودية    التخييم في العلا يستقطب الزوار والأهالي    مسابقة المهارات    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التحديات المعاصرة والمستقبلية في التعليم الجامعي في المملكة 1-2
إطلاع القراء على محاضرتي كاملة تكفي للرد على الدكتور السنبل:
نشر في الجزيرة يوم 26 - 05 - 2012

خميسية حمد الجاسر - 5 جمادى الآخرة 1433ه - الموافق 26 أبريل 2012م
أخي العزيز الأستاذ خالد بن حمد المالك
رئيس تحرير الجزيرة الغراء -حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
اطلعت اليوم على المقالة الطويلة لأخي وزميلي الدكتور عبد العزيز بن عبد الله السنبل، والتي تناول فيها محاضرتي التي ألقيتها في خميسية حمد الجاسر الثقافية في الرياض يوم الخميس الخامس من جمادى الآخرة 1433ه.
وزميلي الدكتور عبد العزيز في مقاله اليوم قد اختار من المحاضرة ما راق له تأويله، لذا فإحقاقاً للحق آمل نشر محاضرتي المرفقة - كاملة- حتى يتبين للجميع حين يقرؤونها خير ما أقصد، وصواب ما قلت، إذ قلت الآتي:
(ومع كل ما تحقق من تطوير كيفي في جامعاتنا، وزيادة في أعدادها وتخصصاتها، فإن جانب خدمة المجتمع وقيادته لا تزال في حاجة إلى إعادة نظر في مدى فعالياته القائمة الآن، لتواكب المزيد المتجدد من التغيرات الاجتماعية المتلاحقة).
أما ما أشار إليه الأخ الدكتور من دعوتي لإطلاق عقال الجامعات، والتحرر من القيود التي تكبل انطلاق العقول العلمية فيها فقد ذكرت أهمها: وهو أن تكون السلطة العليا فيها لمجلس أمناء، دون أن تكون لها تبعية لأية جهة حكومية فيما يخص إداراتها، وكذلك لا يكون لكل من وزارة المالية أو وزارة الخدمة المدنية سلطات إدارية في جانب إنفاق مواردها، بحيث تكون الميزانية السنوية المخصصة لها من الدولة مبلغاً مقطوعاً يحدد الإنفاق منه مجلس الأمناء. وأنا على ثقة من أن العديد من ذوي الاختصاص يشاركونني الرأي في ألا تتقيد النهضة العلمية بالقيود المالية.
إن المهم في الأمر يا أخي الكريم ألا نحكم - بهوانا الشخصي - على النوايا، وأن نظن بالناس خيراً، وأن نتلمس عناصر كل قوة فننميها، ومواطن نجاح فنشيد بها، وإخلاص يتمثل في بذل ذوب نفس إنسان فنبارك خطاه ونسانده، وموقعاً يمكن أن ينطلق ويتسارع بخبرة امتلكها فنسرع بالتطوع بها، ففي الأزمات - جنب الله بلادنا منها - يظهر الخلق الكريم على أنه أنجح المساهمات لانفراجها.
أخي الحبيب..
لكم خالص تحياتي.. وآمل تحقيق ما رجوته من نشر لمحاضرتي فهي الجواب الشافي لكل من يخامره الشك في حسن مقاصدي..
والله يرعاكم..
أخوكم المحب جداً / محمد بن أحمد الرشيد
إطلالة عامة:
دائماً يكون الحديث عن التحديات التي تواجه بلادنا حديثاً ذا شجون، تختلط فيه العواطف والانفعالات مع العقل والطموحات، ومنذ زمن بعيد ومثقفونا يتنادون في لقاءاتهم داعين للتأمل في واقع المملكة، وماذا ينبغي أن يكون عليه مستقبلُها، وذلك لمواجهة ما يجابه مسيرة بلادنا من تحديات سياسية، واجتماعية، واقتصادية.
ولقد برزت في العالم المعاصر توجهاتٌ تجعل من التربية وسيلةً للتغلب على تحديات العصر؛ إذ إن التربية بمراحلها، ومستوياتها وأنماط مؤسساتها، ومعاهدها ومدارسها، وكلياتها، وجامعاتها المختلفة ضرورة اجتماعية، واقتصادية تمليها متطلبات التنمية لكل بلاد تنشد الازدهار والتقدم، وإذا كان التعليم بشكل عام يمثل الوسيلة المثلى لتطوير الإنسان القادر بفاعلية على تحقيق التنمية الشاملة، فإن التعليم الجامعي هو المرحلة المهمة والبارزة في هذا الأمر.
وحين ننظر إلى المستقبل فإنه لابد من الوعي التام بأن هذا المستقبل هو غرس الحاضر بممارساته واتجاهاته، والماضي بنتائجه وآثاره. إن المستقبل هو نحن بما كنا، وبما نمارس، وبما نبذل لنكون. إن كل حدث في المستقبل له أصل وجذور في الماضي، وممارسات وأعمال في الحاضر؛ وتفاعل ذلك كله يصنع المستقبل.
لقد نمت المؤسسات التي تعمل على رصد المستقبل والتنبؤ به، وأصبح لنادي روما الشهير لدراسات المستقبل روّاد، وله فروع ممتدة ومتنافسة، وكان لمنتدى الفكر العربي في عمان جهود في تحديد التحديات التي تواجه التعليم، ومنها تقرير نشره المنتدى بعنوان: (استشراف مستقبل التربية في الوطن العربي)، ومثل هذا ما صدر من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في عام 2009م بعنوان: (خطة تطوير التعليم في الوطن العربي) وكذا الدراسات التي يتناولها الاجتماع السنوي لمؤسسة الفكر العربي فيما يخص تطوير التعليم، وكذلك الخطة المعمقة التي وضعت إستراتيجية لمسيرة التعليم الجامعي لربع القرن القادم - إن شاء الله - التي صدرت بعنوان: (آفاق)، والتي جاءت تحقيقاً لاتفاق بين وزارة التعليم العالي، وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن وبكلفة مالية كبيرة جداً. كما أن كتابات عدة شخصت واقع التعليم الجامعي وكشفت أوجه القوة ونقاط الضعف، من هذه الكتابات كتاب بعنوان: (التعليم الجامعي ما له وما عليه) للأستاذ الدكتور عبد العزيز الدخيل مدير جامعة الملك فهد للبترول والمعادن سابقاً.
إن التفكير في المستقبل والتخطيط له يفرض ويبرز التساؤل الآتي:-
ماذا نريد أن نفعل؟ أفراداً، ومؤسسات، وحكومة، وشعبا لكي يكون التعليم العالي في وجهته المستقبلية محققاً لما نريد؟ فدور أهل الفكر أن يقودوا الحاضر، لا أن يستسلموا له، وأن يبلوروا إرادة المجتمع؛ ليكون لها المستقبل الذي تريد.
ولنقفْ معاً نستمعْ ونتابعْ الآراءَ والدراسات حول صورة الحاضر، وهو نقطة الانطلاق دائماً إلى المستقبل، ونظرتنا إلى الحاضر لابد أن تتسم بالشمول والرؤية للنظام التربوي في جملته وتكامله، فالتربية منظومة اجتماعية فرعية، تؤثر كل مرحلة منها في المراحل التي تليها وتتأثر بها، ويؤدي الخلل في أي منها إلى الخلل في المنظومة كلها؛ فتضطرب حركتها، وتحيد عن قصدها.
تحديات من الواقع:
يتعرض التعليم بعامة والتعليم العالي منه بخاصة - باعتباره مركزَ القيادة والقدوة - لانتقاد مرير يحتم علينا مراجعة شامله له، وتذكر لنا المؤتمرات والدراسات التي عقدت وأجريت للنظر في مستقبله، والتوقعات المنتظرة له في القرن الحالي، أنه من متابعة السنوات الماضية لجهود التنمية في المنطقة العربية عامة نجد أن الأنين مستمر في القطاع التقليدي من الاقتصاد العربي، متمثلاً في التدني الواضح في أسلوب الإنتاج ومستواه، وعجزه عن سد الفجوة الغذائية لمواجهة الانفجار السكاني، في الوقت الذي يعاني في القطاع الحديث من هذا الاقتصاد مشكلات كبرى تتمثل في النقص الشديد في عدد الفنيين المؤهلين، وغلبة الوظائف المكتبية في الاستخدام والتشغيل وانخفاض مستوى الإنتاج في هذا القطاع، وبطالة المثقفين، والفجوة الواسعة بين الطلب على اليد العاملة من ناحية وبين عدد الأشخاص المعدين وطبيعة الإعداد الذي يقدمه التعليم من ناحية أخرى، وقلة عدد الباحثين والعلماء والتكنولوجيين، مقارنة باحتياجات مشروعات التنمية، ومطالب النهوض والإصلاح، وهذا ينطبق على مملكتنا بشكل خاص، وتخلص الدراسات إلى أن للتعليم دوراً مهماً في هذه الصورة كلها.
وقد اجتمعنا مرات عديدة من قبل في لقاءات ضمت رؤساء ومديري الجامعات في ندوات فكرية، فتردد الأنين نفسه؛ فالتعليم العالي يُخرِّج جيوشاً جرارة في تخصصات تقف على هامش التنمية، في الوقت الذي يتعطش فيه الوطن إلى الفنيين والتكنولوجيين، كما أن خريجي هذه الجامعات بأغلبيتهم العظمى يسعون جاهدين إلى سلك الخدمة المدنية، بصرف النظر عن تخصصاتهم، وهكذا يلتقي في أحضان البيروقراطية الرؤوم خريج كلية الآداب، وخريج العلوم، والزراعة، والحقوق في الغرفة الواحدة، ويكادون يؤدون العمل الروتيني نفسه، بما في ذلك من ضياع وإهدار، وترتفع الأصوات كثيراً تنعي على هذه الجامعات تركيزها على البحث الخالص، وإهمالها للبحوث التطبيقية التي تعالج المشكلات المحلية في التربية، والصحة، والإسكان وغيرها، وعزوفها عن تقديم الخدمات الاستشارية بشكل منهجي إلى مؤسسات مجتمعها كما قال صديقنا د.غازي القصيبي - رحمه الله -.
إن المعنيين بأمور التنمية ودراساتها، وعالم العمل ومطالبه ترى في بعض مؤسسات التعليم العالي - عندنا الآن - انفصالاً عن واقعه، واستجابة ضعيفة لمطالب التنمية في مجتمعه، ومع كل هذه الخطط والتوصيات التي تخرج بها المؤتمرات فإن المتأمل لا يرى رجوعاً إليها ممن توجه إليهم من المسؤولين، وكأنها نفخ في الهواء.
وإذا كان ذلك رأي المعنيين.. فما هو رأي الطلاب الجامعيين؟
إننا إذا استمعنا إلى رأي الطلاب في جامعاتنا عن مدى مقدرة النظام التعليمي بالجامعة على القيام بالأدوار المتوقعة منه، ونوعية الممارسات التربوية في الجامعة فقد وجدت - من خلال استطلاع أجريته حديثاً على عينة من طلاب جامعاتنا - أنهم يرون أن من الضروري اللازم إصلاح المناهج الحالية، والعمل على إيجاد توازن بين الجوانب النظرية والتطبيقية، وربط المناهج بالحاجات الملحة في المجتمع من خلال دراسات ميدانية للتعرف على حاجاته، ووضع قائمة بأولويات تلك الحاجات، ويصفون أساليب التقويم المستخدمة بأنها تركز على الحفظ ولا تستثير الذهن، ولا تدرب على التحليل والتفكير الناقد، وينتقدون طرق التدريس القائمة على المحاضرة، ويجمعون على أنها الأسلوب الغالب حالياً، وقد تبين أن 85% منهم يزورون المكتبة مرة في الأسبوع، أو لا يزورونها إطلاقاً، وأن زيارتهم لها اضطرارية.
وفي تأملات لي عن الكفاية الداخلية الكيفية لبعض حاجات الوطن وجدت أن التحديات تكمن في:-
أولاً: تحديات فكرية، وثقافية:
حيث تركز المؤسسات التعليمية - عندنا - الأضواء على الثقافات الغربية أكثر من تركيزها على الثقافة العربية الإسلامية، ويرجع هذا إلى الانبهار الذي سببه التقدم العلمي والتكنولوجي فالحضارة والثقافة سلوك فردي وسلوك جماعي، وما أغنى حضارات الشعوب العربية والإسلامية بهذا ومثال ذلك. فن العمارة الإسلامية، وفن الخط، وآداب الشعوب الإسلامية الزاخرة بالتجارب الإنسانية الحيّة التي لا تساميها آداب أخرى، وكذا النظم الإدارية، ونظم الحكم التي كانت تسمى (الأحكام السلطانية)، ومن أفدح صور التفريط في ميراثنا الثقافي، وفقدان ثقتنا فيما عندنا هو قصورنا وتقصيرنا في حق لغتنا العملاقة (اللغة العربية).
إن ما ورثناه من سلوك حضاري عريق لم يكن مقصوراً على شعب بعينه أو عرق بل أسهمت فيه الشعوب والأعراق المختلفة، بشكل لم يُسبق في تاريخ بني الإنسان، وهذا لا يعني دعوتي إلى الانغلاق وعدم الاستفادة من المد الحضاري الهائل والتكنولوجي المتسارع بل مزج ما عندنا بذلك كله.
ثانياً: تحديات اجتماعية:
لقد أدت أزمة الثقافة واهتزاز الهوية العربية، وغياب الفلسفة الإسلامية الشاملة عن الساحة، وضعف العلاقات الاجتماعية، وقصور المشاركة الشعبية إلى الإتكالية ولفقدان الثقة مما أدى إلى لجوئنا في كل الأحوال إلى البحث عن الحكمة عند الآخرين متناسين أو متجاهلين الخبرات الفذة في مواطنينا، الذين هم أجدر من يعرف واقعنا، ويدرك بعيد طموحاتنا، ويساعد على تحقيقها معنا.
ثالثا: تحديات تكنولوجية وعلمية:
إن موقفنا من التقنيات والأجهزة المتقدمة هو موقف المستهلك والمستخدم - في الغالب - دون أن يكون لنا دور يذكر في الصيانة أولاً، ثم في الابتكار والإبداع، وهذا مما يجب أن تقوم به الجامعات لأنها الأقدر على القيام به وتحقيقه.
وتؤكد ما سبق ذكره دراسة قمت بها مع زميل آخر عن الكفاية الخارجية للجامعات في المملكة ومعها جامعات بلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية إذ ظهر لنا الآتي:-
1) هناك تسارع في معدلات زيادة الخريجين في التعليم الجامعي.
2) لكن هذا المعدل العالي في الزيادة كان في أعداد خريجي الكليات النظرية، وليس في خريجي الكليات العملية، أو العلمية التطبيقية، لذا فاضت أعداد خريجي الكليات النظرية عن حاجة سوق العمل، دون أن يتم الوفاء باحتياجات تلك السوق من خريجي الكليات العملية؛ مما أدى إلى أن غمرتنا العمالة الأجنبية.
3) وبدا واضحاً أن بعض الخريجين يزاولون أعمالاً وظيفية لا تتلاءم مع تخصصاتهم المهنية التي لا تحتاجها سوق العمل. فكثير من خريجي العلوم الإنسانية، والاجتماعية، والتربوية يرون أن الأعمال التي يزاولونها حالياً لا تتلاءم مع مجالات دراستهم الجامعية والتخصصات والمعارف التي اكتسبوها، وأكثر من ذلك أنها لهم وظائف لمجرد كسب العيش.
4) أفاد بعض أصحاب العمل أنهم ملزمون بتوظيف الخريجين المواطنين لديهم ‹وإن لم تكن هناك حاجة فعلية لخدماتهم أو تخصصاتهم النظرية، ولكن تلافياً للوقوع فيما تفرضه قوانين السعودة.
5) إن ظاهرة عدم التوافق بين برامج بعض التخصصات ومناهجها والأعمال المزاولة بعد التخرج تعود إلى ضعف صلات التشاور وتبادل المعلومات بين مؤسسات التعليم الجامعي وبين جهات الاستخدام الحكومية والأهلية.
ومع النمو المتسارع الحالي في التعليم الجامعي، وافتتاح العديد من مؤسساته الحكومية، والأهلية، والازدياد الكبير في الابتعاث إلى الجامعات في الخارج فإن مواءمة كاملة بين متطلبات المجتمع، والتخصصات التي يحتاجها سوق العمل أصبحت أكثر إلحاحاً وأشد حاجة إلى مزيد من التوافق بين التعليم الجامعي وسوق العمل.
ويفرض هذا النمو الكبير في حجم الملتحقين بالتعليم العالي الحادث والمتوقع ضرورة إحداث تغييرات أساسية في إمكاناته، وبناه، ومحتوياته وأساليبه، وعلاقته بمجتمعه؛ ليكون أكثر قدرة على الاضطلاع بوظائفه في تنمية القدرة التكنولوجية الذاتية، وتوفيرالمهارات العليا اللازمة لسد الحاجة للإدارة والإنتاج والخدمات، والقيام بالبحوث الأساسية والتطبيقية، وإثراء الآداب والعلوم العربية، فضلاً عن الإسهام في برامج خدمة البيئة.
إن هذا الواقع يفرض علينا عدة تساؤلات مهمة يمكن طرحها فيما يأتي:
1- لماذا الجامعات؟ والإجابة ک من أجل رقي المجتمع؟
2- من الذين يلتحقون بهذه الجامعات ؟ والإجابة الجامعة لجميع أبناء الوطن المؤهلين لمواصلة التعليم فيها؟
3- كيف تكون هذه الجامعات؟ الجامعة للحياة؟
جامعاتنا من أجل المجتمع:
لقد بدأت منذ سنوات أزمة الأهداف والتساؤل لماذا الجامعة؟ وما أدوارها؟ وشهدت العقود الماضية القريبة مبارزات حادة بين اتجاهات متعارضة حول وظائف الجامعة، وأدوارها، ومهامها، لذا انعقد أول مؤتمر في ذلك في جامعة الملك سعود (جامعة الرياض سابقاً) بعنوان: (مؤتمر رسالة الجامعة عام 1395ه) شاركت فيه كل الأطياف الاجتماعية المختلفة، عسكرية، ومدنية، ولا تزال ثمار هذا المؤتمر مرجعاً مهماً يحدد فلسفة الجامعات في وطننا وغاياتها.
لقد كانت الاتجاهات العالمية في ذلك الوقت ولا تزال منقسمة إلى ثلاثة اتجاهات رئيسة هي:-
) اتجاه ينادي ببقاء الجامعة التقليدية (الجامعة الباحثة عن المثل) العلم للعلم، دون نظر إلى مستقبل المتعلم بعد تخرجه، أو مصيره الوظيفي، وسبل كسبه للعيش.
) واتجاه ينادي بالالتحام الكامل للجامعة مع المجتمع وحاجاته، مع الحفاظ على المهام الرئيسة المتعلقة بالمعرفة وتنميتها، والبحث العلمي ومطالبه، على أن يراعى في كل ذلك النفع المباشر للمجتمع (العلم للمجتمع).
) واتجاه ثالث يرى الجامعة أداة تغيير اجتماعي، واتجاهاً معلناً ضد الممارسات التي تمس القيم الرصينة والمنطلقات السليمة السياسية والاقتصادية المناسبة للعصر، والملبية لاحتياجات الحياة الحديثة، فالجامعات هي التي ينبغي أن تتصدى لهذه المهمة (العلم للتغيير الاجتماعي).
ويعيش أصحاب الاتجاه الأول في تصور يرى الجامعات واحات رقراقة هادئة تقوم على خدمة صفوة من المتعلمين، وهبوا للعلم أنفسهم، ينشدون الحقيقة ويتجملون بالمعرفة، ولا يخوضون غمار نهر الحياة بما يصرفهم عنها، وهم يرون المعرفة خالصة لا ترتبط بنفع لصاحبها، أو سلطة ينالها، أو وسيلة لتحقيق نجاح ما.
إن هذا الاتجاه الذي يحلم بالعودة إلى الماضي لا يستطيع العيش في الحاضر، أو مواجهة تحديات المستقبل؛ لأنه عزلة في عالم متحرك، وجمود في عالم متغير.
أما الاتجاه الثاني (العلم للمجتمع): فهو يضم من يضيفون إلى المهام التقليدية للجامعة خدمة المجتمع جانباً مكملاً، كما يضم من يرون خدمة المجتمع محور الجامعة ومدارها؛ إذ حوله تدور المعرفة فيها، وإلى خدمته تتجه ووفقاً لمطالبه تكون هياكلها وتنظيماتها.
وقد حاول أنصار هذا الاتجاه صياغة أهداف جديدة للجامعة تتجاوز نطاقها التقليدي في رعاية المعرفة والبحث والتدريس.
وعلى الطرف الآخر يقف أولئك الذين يمثلون الاتجاه الثالث في تصور وظائف الجامعة، ويرفض هؤلاء الصورة التي يقدمها غيرهم للجامعة، ومهامها، ويعتبرونها فساداً وإفساداً، ويتركز نقدهم في مجالين:-
أولهما: أن الجامعة دخلت الدوامة التكنولوجية للمجتمع على نحو يفقدها تميزها، ويضعف من إحساسها بالقيم الإنسانية، ويجعلها غير مبالية بأحوال الناس وظروفهم، فدورانها في النشاط اليومي جعلها مشتركة في التدمير غير الواعي للشخصية الإنسانية. لقد أصبحت أسيرة نهج الحياة اللاهث من حولها؛ ففقدت قدرتها على التأمل الهادئ العميق الذي يطرح الزبد ليصل إلى الأعماق مما جعلها لا تفرق بين أمجاد الطب والعلاج الحديث وفظائع الحرب الحديثة (إذ تشارك فيهما معاً).
وثانيهما: أن الجامعة أصبحت جزءاً مكملاً للمجتمع الصناعي وتركيبته، فهو يزودها بمواردها وينفق عليها، وتعيش على مشروعاته، مما يجعلها حتماً أسيرة نظامه غير قادرة على تقديم المشورة لتعديل مساره.
وقد لقيت هذه الدعوة حماسة في الماضي في زمن غليان الجامعات الغربية وبدأت تنحسر لرؤية توفيقية بين الاتجاهات المتعارضة، لكن لا يزال لها أنصارها وكُتابها.
يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.