خبراء ومختصون ومتعاملون في سوق الأسهم السعودية، يرون أن المبالغة في قيمة علاوات الإصدار تضع سهم الشركة في مأزق كبير كونه يمنح قيمة تفوق قيمته العادلة؛ ما يجعله عرضة للسقوط أمام أول تحد أو يبقى مغطى بأسلوب المضاربات التي تسهم في عدم إعطاء المتداولين السعر العادل. وأشار المتحدثون إلى «عكاظ» إلى أن بعض الملاك عمدوا إلى تحويل أنشطتهم الضعيفة إلى السوق برغم امتلاكهم لأنشطة قوية لم يعمدوا إلى إدراجها، مستغلين ارتفاع علاوة الإصدار والإقبال الكبير على الاكتتاب؛ ما أدى في نهاية الامر إلى وجود شركات ضعيفة في السوق تخلص منها الملاك، وابتلي بها المساهمون. وشددوا على ضرورة عدم إقصاء الشركات الضعيفة أو إيقافها، مشيرين إلى أهمية تصحيح وضعها، ومساعدتها على النهوض من خلال استيفاء جميع الشروط، وتطبيق جميع المعايير لتتحول من نقطة ضعف إلى عامل يحفز الأداء العام للسوق. الخبير المالي سراج الحارثي ذكر أن السماح بدخول مثل هذه الشركات جاء في البداية نتيجة تداخل بعض الأنظمة الخاصة بإدخال الشركات إذ شابتها في وقت سابق بعض الأخطاء التي استغلت بطريقة لا تتواءم مع أهداف الأنظمة، مشيرا إلى أن ذلك الأمر جعل المسؤولين يعيدون النظر في بعض اللوائح؛ الأمر الذي أدى إلى إضافة بعض الأنظمة الجديدة لسد الثغرات، واصفا ذلك ب «الطبيعي» باعتبار أن اللجوء إلى الإضافات الجديدة يأتي من خلال اكتشاف الثغرات أو لمواكبة المستجدات التي تطرأ على النظم العالمية. وعن دخول شركات ضعيفة متحولة عن شركات أساسية؛ قال الحارثي «إن كثيرا من الشركات المطروحة تملكها بيوت وعائلات عرفت منذ القدم بمزاولتها للتجارة، ولديها أنشطة مختلفة في السوق إلا أن بعضا من تلك العائلات عمدت إلى طرح الأنشطة الضعيفة في السوق المالية؛ بسبب إغراءات ارتفاع علاوة الإصدار التي وجدها الملاك». وأضاف: أنه نتج عن اتخاذ مثل هذه الخطوات ظهور شركات صمودها أقل من غيرها، فواجهت مشاكل على الصعيدين المالي والإداري كما ظهر في العديد من الميزانيات؛ ما جعل عذه الخطوة مفيدة للملاك أكثر منها لسوق الأسهم تطرق الحارثي في حديثه إلى مخالفات الاكتتابات والتلاعب في القوائم المالية وقال «إن المخالفات واردة في الاكتتاب لكن تفعيل العقوبات الفورية يقلل من حجم المخالفات، مع أنني أتمنى من هيئة سوق المال أن تغلظ العقوبة على أن يكون تطبيقها بشكل فوري على الجميع بما فيهم مجلس الإدارة والمحاسب القانوني». وأردف قائلا: أما فيما يتعلق بالتلاعبات في القوائم المالية، فإننا نتمنى معاقبة المتلاعبين بأقصى العقوبات لأن مثل هذه الأمور لا يرتد ضررها على الشركة فقط بل تؤثر على السوق بأكمله؛ فيفقد المتداول الثقة في السوق لذلك يجب على الهيئة أن تكون صارمة على غرار ما تفعله مؤسسة النقد السعودي مع البنوك المحلية في تطبيق الأنظمة المالية». الحارثي اقترح بعض الحلول، منها عدم الاكتفاء بما يفرض من عقوبات على الشركات، بل تتم مساعدتها إلى أن تخرج من مشاكلها وتستعيد وضعها عبر تصحيح موقفها، بالإضافة إلى استدعاء أصحاب الشركات والمؤسسين من مجالس الإدارات، الذين تركوا الشركة ليساهموا في إيجاد الحلول للاستفادة من خبراتهم في المجال لأن بيع الحصص وانسحاب العديد من المؤسسين قد يفاقم الكثير من المشاكل، لذا من المهم أن تصاغ في النظام بنود تبقي جزءا من المسؤولية على عاتق المؤسسين، والملاك، وأصحاب الشركات. وأضاف الحارثي: من وجهة نظري الشخصية أطلب من كل شخص شارك في إدراج شركة ضعيفة المساعدة في إيجاد حلول تسهم في استيفاء تلك الشركة لكافة الاشتراطات المعنية بها حتى تصل إلى المعايير القصوى لأن المصلحة عامة، وتكاتف الجهود سيساعد الجميع لأن هذا النوع من العمل صعب ويحتاج إلى الكثير من العمل. وشدد الحارثي، على أن وجود بعض الملاحظات لا يقلل من قوة السوق، وقال: ما أقوله لا يعني أن السوق في مهب الريح، بل بالعكس هناك شركات قوية وهي الغالبية العظمى وما أقصده أن الشركات التي دخلت من أجل علاوة الإصدار لا تتجاوز نسبتها 5 في المئة من إجمالي عدد الشركات في أقصى التقديرات لكن من باب الحرص نأمل أن تكون الشركات جميعها في مستويات قوية. في المقابل أكد عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة المدينةالمنورة الدكتور بسام الميمني على أن المعايير والاشتراطات المعنية بالشركات في السوق موجودة إلا أنه ألمح إلى أن المشكلة تكمن في آلية التطبيق. وأضاف: أن اشتراطات سوق الأسهم السعودية عالمية، لكن المشكلة كانت تكمن في أن بعض الجهات التي تشارك في الموافقة على دخول الشركات سابقا لم تطبق النظام بتفاصيله لذلك ظهر الخلل في ظل وجود شركات لا يتواءم واقعها مع قوة الاشتراطات والمعايير وعن إمكانية فرض رقابة صارمة على أداء الشركات المدرجة بهدف ضمان الاستمرارية لا المراقبة فقط، قال الميمني: على الصعيد الواقعي، سيؤدي فرض الرقابة إلى توقف عدة شركات لكن الحل الأفضل يتمثل في تصحيح وضع الشركة وحل معاناتها عوضا عن الإطاحة بها أو إيقافها. وعن الطريقة المناسبة لتعويض صغار المساهمين، الذين خسروا أموالا بسبب وجود مثل هذه النوعية من الشركات، أوضح قائلا: من الصعب حصر جميع المتضررين ثم الدخول في إجراء عمليات تعويضية لكن تصحيح وضع الشركات يعد وجها آخر للتعويض كي يستفيد منه السوق كاملا. وفيما يتعلق بإمكانية تبني سوق المال لموقف المحاسب الخارجي للشركات التي تكون موضع شبهة أو مخالفة، قال الميمني: لا تستطيع الهيئة الخروج عن النظام الأساسي لكنها في الوقت ذاته متعاقدة مع جهات محاسبية عدة إلا أن الوقت حان لضرورة توسيع دائرة التعاقدات مع شركات محاسبية عالمية متخصصة في هذا المجال بعدما أصبح السوق كبيرا. عن التقييمات العادلة أوضح عضو جمعية الاقتصاد السعودية عصام خليفة، أن الجميع يتفقون على أن اقتصادنا الوطني في حاجة ماسة إلى توسيع سوق الأوراق المالية عن طريق إدراج عشرات الشركات الناجحة لتوسيع قاعدة الملكية من جهة، ولفتح قنوات استثمارية لصغار المستثمرين من جانب أخر ى؛ وهو الأمر الذي يساعد على نجاح المشاريع الجديدة، مؤكدا على وجود رغبة في معرفة التقييم العادل لعلاوة الإصدار لهذه الشركات التي تراعي مصالح الجميع على قاعدة (لا ضرر ولا ضرار). وقال خليفة: من المعروف أن علاوة الإصدار قيمة مضافة على القيمة الاسمية للسهم بحيث تعبر عن واقع الشركة التي أصدرت السهم، وتعكس نمو أعمالها ومركزها المالي، وهو المبرر الذي من أجله فرضت علاوة الإصدار لذلك قد تزيد علاوة الإصدار عن القيمة الاسمية للسهم ولكن لا تقل عنه. وأضاف: أن هذا الأمر لا يكون إلا للشركات القائمة في السوق، ولها أعمال سابقة، وهو حق لها لأنها استثمرت المال، والجهد، والوقت الطويل لنموها إلى ما هي عليه قبل طرحها للاكتتاب، ولا يمكن لشركة جديدة أن تؤسس طلب علاوة إصدار لأن فكرة العلاوة أتت كقيمة للشركة القائمة، وأحيانا يضاف لها قيمة السمعة أو العلامة التجارية لهذه الشركة القائمة لكن الملاحظ في السوق هو تعمد الشركات العازمة على إدراج أسهمها في السوق المالية إلى المبالغة في تقدير قيمة علاوة الإصدار إلا أن بعض الشركات كثيرا ما تعمد إلى المبالغة في ربحية الشركة خلال السنتين الأخريين في القوائم المرفوعة لهيئة السوق المالية من أجل تبرير المبالغة في علاوة الإصدار بهدف تحقيق مصلحتها الخاصة على حساب المستثمرين. عصام خليفة زاد بالقول: نفاجأ في أول سنة مالية للشركة بعد الإدراج بأن ربحيتها تقل بنسب كبيرة عن التقييم الذي تم رفعه أو أنها خاسرة، علما بأن مبالغة بعض الشركات في علاوة الإصدار يجعل السهم أمام تحد كبير في سوق الأسهم؛ لأن قيمة الاكتتاب أكثر من السعر الذي يحدده العرض والطلب بعد تداوله، كما أن الشركات ذات الأسهم القليلة هي التي تطرح علاوات إصدار مبالغ فيها باعتبار أن نوعا من المضاربة سيحدث عليها، لذلك فإن سبب ارتفاع أسهمها ليس عوائد الشركة بقدر ما هي عمليات المضاربة. وعن الآلية الأفضل التي يمكن اعتمادها لعدالة الإصدار، قال خليفة: من المعروف أن هيئة السوق المالية جهة إشرافية ورقابية يتركز نشاطها الرئيسي في الإشراف على الأنظمة والقوانين لكي تضمن معاملة عادلة لجميع الأطراف الموجودين في السوق سواء كانوا مستثمرين أو شركات ولدى الهيئة لوائح تنظم السوق المالية من ضمنها لائحة طرح وإدراج الأوراق المالية التي تنص على أن كل شركة تود أن تطرح أسهما يجب أن يكون لها مستشار مالي يكون مؤهلا ومرخصا له من هيئة السوق المالية. واستطرد قائلا: المستشار المالي يستطيع أن يقيم الشركة، ويعطي نشرة الإصدار على مسؤوليته وبناء على ما اطلع عليه من ميزانيات رسمية خلال السنوات الماضية لذلك تتحمل هيئة سوق المال المسؤولية الكاملة لتعطي السوق فرصا حقيقية للمواطن وتدعمه بشركات ناجحة لحماية السوق من أي شركات تريد استغلال السيولة والإقبال الكبير على الاكتتابات لمجرد البحث عن الربح السريع. تقارير سرية خليفة أوضح أنه من المفترض أن يكون لدى هيئة السوق المالية خبراء محاسبين يمتلكون المعايير والمقاييس العالمية لتقييم مدى عدالة علاوة الإصدار الذي حددها المستشار المالي للشركات حتى يراعي مصالح الشركة والمستثمرين في السوق، وقال: لا يوجد ما يمنع هيئة سوق المال من الاستعانة برأي خبراء، ومحاسبين قانونيين خارجيين على أن يكون التقرير سريا بحيث تحدد القيمة العادلة لعلاوة الإصدار للشركة المراد طرحها في السوق. وعن كيفية التعامل مع الشركات الضعيفة والخاسرة، قال خليفة: يعاني سوق الأسهم من وجود بعض الشركات الضعيفة، كما يوجد أيضا شركات غير ملتزمة بضوابط الاستثمار العاملة في أنشطة ليست من أغراض الشركة التي أنشئت من أجلها، بل تحقق معظم أرباحها من المضاربة في الأسهم، وتعتبر هذه النوعية من الشركات نموذجا غير ملائم للاقتصادات القوية كالاقتصاد السعودي، بل يمكن أن تتحول مع الوقت إلى عالة على أسواق الأسهم. وطالب بضرورة وضع ضوابط لمثل هذه الشركات حتى تعمل في الأنشطة التي أنشئت من أجلها ما يجعل الأمر في حاجة إلى التدخل المباشر من الجهات المالية، ومراقبتها بشكل دقيق فيما يخص مشاريعها المستقبلية وخططها الاستراتيجية لرصد أي انحراف في النتائج أو سوء التنفيذ. غياب الرؤية عزا خليفة أهم أسباب خسائر تلك الشركات إلى الإدارة القائمة؛ نتيجة غياب الرؤية في ممارساتها وعدم وجود استراتيجيات واضحة لها، وعدم قدرة مجلس الإدارة على تسييرها بشكل يسهم في انتشالها من دائرة الخسائر إلى الأرباح، ووقوعها تحت وطأة قوى المضاربة التي تحترف أساليب تؤثر على صغار المتداولين، وتحول السوق من سوق استثمار إلى سوق مضاربة. وحول كيفية حماية صغار المستثمرين، قال خليفة: هناك العديد من الحلول التي تسهم في الحد من خسائر الشركات، وحماية صغار المستثمرين من أبرزها تشديد الرقابة، ووضع ضوابط فيما يخص المشاريع المستقبلية والخطط الاستراتيجية، ومتابعة دقة تنفيذ الأنشطة، وإعادة هيكلة مجلس إدارة الشركات الخاسرة، وإضافة ممثلين في الشركة الخاسرة من هيئة سوق المال ووزارة التجارة والجهات ذات العلاقة مع محاسبة مجلس الإدارة السابق وتحميله أسباب الخسارة، بالإضافة إلى تعليق التداول على أسهم الشركات الخاسرة المدرجة في السوق، إذا بلغت الخسائر المتراكمة نسبة كبيرة من قيمة رأس مالهما. واختتم حديثه قائلا: تعليق التداول في أسهم الشركات الخاسرة له تأثيرات إيجابية على المدى المتوسط والبعيد لتكتسب هيئة السوق المالية ثقة المتعاملين في السوق، وفي نفس الوقت تعطي الهيئة رسالة لجميع الأطراف مفادها أن هيئة السوق المالية لن تحابي أي شركة على حساب بقية شركات السوق بغض النظر عن مبررات وخطط تلك الشركات ومشاريعها المستقبلية المتوقعة .