يعاني مجتمعنا كسائر المجتمعات مشكلات، حتى أصبحت بعض تلك المشكلات تحمل اسمنا وترتبط بسمتنا وكأنها علامة تجارية لمجتمعنا؟ فلماذا تطول مدة مشكلاتنا عن حدها الزمني الطبيعي؟ رغم أن جهودا كثيرة تبذل لحل بعض تلك المشكلات. فهل السر يكمن في مشكلاتنا أم في طريقة علاجنا لها؟ هل نحن فعلا نستخدم العلاج المناسب لمشكلاتنا؟ أم أنها مهدئات.. لماذا لا نجرب علاجات أخرى طالما أن تلك العلاجات لم تجد نفعا؟ أم أن مشكلات هذا العصر تتكاثر وتتناسخ حسب الأجيال فيصبح لكل جيل نسخته من مشكلات أبائه وأجداده. ومع تفاقم ماكينة العولمة، أصبحت مشكلاتنا تلك علامة تجارية يستحضرها الإعلام ويتداولها مع كل حدث حتى الأحداث الإيجابية، فترسخت أكثر، فأصبح العالم يعرفنا من خلالها ويتعامل معنا هذا العالم من خلالها في أغلب الأحيان. فليس هناك أشد مرارة من أن يجد شعب نفسه أسيرا لصورة أو لصور نمطية يتسبب بها البعض فتشمل الكل ويدفع ثمنها الغالبية هنا يستسلم البعض منا لتلك الصورة ويتقمصها، ، لكنها تحشر البعض نفسيا في خانة الدفاع كمتهم بسلوك أو مواقف، حتى تصبح مصدر خوف أو تخويف لدى بعض البسطاء كردة فعل مباشرة لتلك الصورة النمطية. ما هي الصور السلبية تلك؟ وهل لها أساس؟ هناك صور نمطية كثيرة تتفاوت في حجمها وتأثيرها ودائرة اتساعها وشموليتها. يعد التطرف والإرهاب والعنف أحد تلك المشكلات التي رسمت جزءا من صورتنا في الإعلام بأنواعه وترسخت تلك الصورة عبر قنوات ومفاعيل العولمة إلى حد كبير. السعودي مشروع حادث مروري في أي لحظة بسرعة وغير نظامية قيادته وهو ضحية مرورية لنفسه أو لغيره رغم كل ما بذل لمعالجة هذه المشكلة المؤرقة وآخرها نظام. مشكلة السعودي الأخرى، التي ارتبطت بصورة ذهنية واسعة خارج المملكة، هي أن الطلاب السعوديين لا يجتازون امتحاناتهم إلا بالغش ودون بذل جهد ويقدمون بحوثا وأوراقا علمية مستنسخة من جهود الغير. هناك صورة أخرى رسمها السياح السعوديون عن نمط سياحي معين أصبح مع الوقت بصمة. هناك مشكلة الهدر والإسراف والبذخ والتبذير والتي يمارسها السعوديون بعناوين مختلفة الدخل، هناك ازدواجية الشخصية التي تتقلب بها البعض نتيجة القيود الاجتماعية وغير الاجتماعية والتي تجعل الفرد يهرب منها بازدواجية المواقف والشخصية. كل هذه الصور وغيرها موجودة لدى مجتمعنا، بعضها موجود لدى مجتمعات وثقافات، لكن ما يجعلها بارزة لدينا إما أو لاستمراريتها لفترات طويلة فتستنسخ مع كل جيل وقد تكون جميعها أو أغلبها أصبحت ترسم شخصيتنا لدى الغير ولاحقا لدينا. ما يعنيني هنا هو السؤال: لماذا تستمر مشكلاتنا على نحو أطول رغم محاولات علاجها أو الحد منها. هل السر في تجذر المشكلة إجتماعيا وثقافيا ونفسيا أم أن علاج تلك المشكلات لا يعدو أن يكون مخدرا ومهدئا فقط للمشكلات ولا يرقى ولا يصل للمشكلة ذاتها؟ في رأيي أن مشكلة الفوضى المرورية ومشكلة التطرف ومشكلة الغش ومشكلة السياح ومشكلة الإسراف والتبذير والتهور والمغامرات الطائشة هي مشكلة واحدة لها نفس الجذور وتشرب من ذات الماء الآسن. نحن مجتمع مدلل ومدلع لا يعمل ويفتقر إلى الخشونة يلقي بالعمل على الغير يتأفف ويترفع عن العمل بيده، نحن نعيش مجتمع المدير نمارس ثقافة المدير، رجالنا مديرون ونساؤنا مديرات وأطفالنا مديرون لا نتعب. مثقلون بالمضاهاة والمباهاة والاستعراض والتفاخر و«المهايط» و«الفشخرة». الكل ينصح ويعطي أوامر ويعطي تعليمات لكنه لا يعمل. فإذا أردنا أن نهجر التطرف وحوادث المرور والغش والبطر والتبذير وكل الصور المرتبطة بها، هناك مفتاح سحري واحد هو التحول لمجتمع صناعي. المجتمعات الصناعية لم تكن صناعية ترفا أو صدفة، لكنها كانت مثقلة بالنقاشات البيزنطية والاختلافات الجوفاء والنفوس المتورمة بطرا وعنجهية وتشاوفا، لكنها قررت أن ترمي كل هذا وراء ظهرها، وأن تمارس الحياة الطبيعية، فيكون منها العامل والمهني والصناعي والحرفي بكل المهن والحرف والصناعات. عندها فقط لا يكن لدى السعودي متسع من الوقت والاستعداد لأن يختلف للاختلاف وأن يجتر قضايا تاريخية ولن يكون لدى السعودي النفس أن يساوم ما بين الواقع والوهم بين العمل فيتجاوز المناكفات والبطولات الوهمية إلى ثقافة الشغل والابتكار المفيد للبشرية. إن الخطوة الأولى باتجاه المجتمع الصناعي تبدأ بالتجنيد الإجباري وخدمة العلم لكل الأجيال القادمة، لابد من أن تؤسس لأجيال تقيم وزنا للعمل وتتحمل المسؤولية فضلا عن القيمة الرياضية الجسمية لجيل سوي ونشيط صحيا في بدنه وعقله وعاطفته وتؤمن بأن التقدم له اتجاه واحد وهو الأمام. هذا المشروع لا يقف عند التجنيد الإجباري لكنه يبدأ من روضة الأطفال كي نحتفل بعد عشر سنوات أو أقل بمحو الأمية الصناعية.