تزدحم الأسواق والمحال التجارية خلال شهر رمضان الكريم بكثير من الأسر، التي تقضي أوقاتاً طويلة ليتخيروا ما لذ وطاب من المواد التموينية، وتحمل سلة المشتريات حتى لا تكاد تقوى على حمل ما فيها.. تتكرر هذه الصورة كل شهر رمضان وتستمر في سائر أيامه؛ مما يدفعنا للتساؤل عن أسباب تسابق الناس لاقتناء ما لا يحتاجونه من المشتريات خلال هذا الشهر الكريم؟ وكأنهم مهددون بنفاد تلك المواد إذا لم يشتروها دفعة واحدة، ولو أننا دققنا النظر في تلك المشتريات لوجدنا أنّها تثقل كاهل ذي الجيب العامر، وعلى الرغم من ذلك، إلاّ أنّ مصير أغلب تلك الكميات الزائدة عن الحاجة حاوية النفايات، إذ قد ينتهي تاريخ صلاحية بعضها دون الإفادة منه، فيما يذهب الباقي ضريبة ل»الفشخرة» و»الهياط» بين الأسر للفوز بجائزة «أكبر مائدة» الوهمية!. سباق التسوق وبيّن «م.أحمد الأسود» أنّ الناس في استقبال رمضان أصناف، منهم أهل الخير الذين وفقهم الله تعالى لمعرفة الحكمة من فريضة الصيام، فهم يستقبلونه بالدعاء والتوبة الصادقة أسوة بسلفهم الصالح، ويكون استقبالهم له بالفرح الشديد، ولديهم العزيمة الصادقة على المثابرة على العمل الصالح، من صيام، وقيام، وقراءة القرآن، والصدقة، والبر، والإحسان، والصلة، والإكثار من ذكر الله. وأضاف أنّ الصنف الآخر يستقبلون رمضان بالبرامج التلفزيونية، والجديد من الأطعمة بأصنافها المختلفة، حتى وصل بعضهم إلى درجة الإسراف والتبذير، بل يصل الأمر إلى ذروة التكديس، والتسابق على المحال التجارية. مبالغة وسلبيات ورأى «عبدالرحمن سك» أنّ المبالغة في التبضع خلال شهر رمضان أصبحت ظاهرة تعصف بدخل الأسر، مرجعاً ذلك إلى ثقافة أفراد المجتمع تجاه شهر رمضان، متناسين أنّ شهر صيام وعبادة، وليس شهر موائد ومأكولات يؤدي تناولها في الغالب إلى كثير من مشكلات صحية على الإنسان، مذكراً بالدراسات والأبحاث التي نادت بضرورة وأهمية الاعتدال في تناول الطعام، وعدم المبالغة فيه؛ لأنّ عواقبه السلبية على أداء الجهاز الهضمي مؤكَّدة ومُثبتة. وأضاف أنّه من الضروري الاعتناء باختيار السلع والمنتجات ذات المكونات الغذائية الجيدة والمتوازنة، التي تمد جسم الصائم بالطاقة التي تعينه على إنجاز واجباته في نهار رمضان، ملقياً باللوم على ربة المنزل، حيث إنها المسؤولة عن إدارة المنزل بشكل صحيح، والكل يعلم أنّ رمضان شهر قرآن وصيام وعبادة، وليس شهراً لعرض المأكولات، والواجب على ربة البيت إعداد السفر في رمضان في إطار الحد المعقول، والاتزان في شراء المواد الاستهلاكية. ظاهرة متوارثة ولفت الشيخ «علاء زعقان» إلى أنّه في مثل هذه الأيام المباركة الخيرة يحزن الإنسان عندما يرى العديد من الأسر يستقبلون الشهر الكريم بالتسابق في التسوق، وتأمين مختلف أنواع الأطعمة والأشربة، والاسراف في إعداد الموائد الطويلة التي مآلها إلى النفايات، موضحاً أنّ هذه الظاهرة باتت عادة يتوارثها الأجيال، رغم أنّه ليس لها أصل في الدين الإسلامي، الذي يأمر بعدم التبذير. وأضاف أنّ على المسلمين أن يتقوا الله في الشهر الكريم، ويحاولوا الاقتداء بالسلف الصالح، والاتجاه إلى الله العلي القدير واتباع سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وأن لا يفرطوا في المأكل والمشرب في شهر الصوم؛ حفاظاً على صحتهم، وأن يجعلوا هذا الشهر لما هو له، من تعبد وتقرب إلى الله -عز وجل- بالأعمال الصالحة. فشخرة ومباهاة وأوضح «علي عريشي» أنّ رمضان شهر عبادة، ومغفرة، ورحمة، وليس شهر تنافس ومباهاة في الأطعمة، مبيّناً أنّه لابد أن نعلم أنّ شهر رمضان شهر عبادة وإحسان، والواجب علينا كمسلمين أن نسارع بالأعمال الصالحة في هذا الشهر الكريم الذي قد لا يمر على الانسان في الأعوام القادمة، فرمضان شهر كريم بمعناه الحقيقي بالتقرب إلى الله بأنواع القربات التي توجب رحمته ومغفرته وليس بالإسراف، لافتاً إلى أنّه ومع تلك الأدلة التي تنهي عن الاسراف نتجاهل ذلك الأمر، وكأننا لسنا مسرفين فأي إسراف بعد الذي نراه في شهر رمضان، ملقياً باللوم على الرجال الذين تركوا الحبل على الغارب للنساء للتصرف وفق أهوائهن، فالأب هو المسؤول الأول عن تلك التصرفات، حيث إنّ الكفاية من الحاجة هي المطلب الذي يجب على الأب الاهتمام به. تأثير الاعلانات وذكر «سلطان الفيفي» -إعلامي- أنّ الإعلانات التجارية التي تبثها وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي عن متطلبات رمضان لها التأثير المباشر على انقياد الأسرة وراء الإسراف، حيث إنّ تلك الدعاية تجعلنا نقول «أنّ كل ما نشتريه بالجملة من المستودعات لا نحتاجه»، بل العجيب أنّ أغلب تلك الأطعمة لا تستعمل حتى تنتهي صلاحيتها، ومن ثم يكون مصيرها براميل النفايات، وهذا من بطر النعم، مشدداً على أنّ الإسراف صفة مذمومة يتصف بها الشيطان والواجب على الإنسان ان يحترم تلك النعمة التي وهبها الله لنا والمحافظة عليها من الزوال فكم من حولنا محتاج لكسرة خبزة ولا يجدها. توزيع الفائض وقال «نايف حيدر» إنّ الإنسان في هذا الشهر المبارك يمكن له أن يسلك أبواب الخير الكثيرة التي توجب رضا الله -سبحانه وتعالى-، وتثير فكره، متسائلاً: لماذا لا يخفف الإنسان حمل الذنب الذي ارتكبه بالإسراف؟، موضحاً أنّه يجب تغليف الأكل الفائض من طعام الإفطار، وتسليمه للجمعيات الخيرية، من أجل تخصيصه للفقراء والمحتاجين في كل موقع تغطيه تلك الجمعيات، أو يعمل على إعطائه لمن يستحق من جيرانه المحتاجين، مستدركاً: «لا شك أنّ الكثير من ذوي القلوب المؤمنة الرحيمة ستساهم في إيصال تلك الأطعمة لذوي الحاجة الفعلية، بما يحقق مصلحة التكافل الاجتماعي بين افراد المجتمع»، مطالباً كل ربات البيوت بأن يتركوا الإسراف والتنافس على المباهاه.