فجأة، وبلا مقدمات منطقية، وكأنه عفريت خرج من القمقم، ظهر تنظيم إرهابي شغل العالم، ولا أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. منذ أقل من ثلاثة أشهر أحس العالم بمقدمة لسونامي إرهابي ظهر في شمال العراق، مكونا كيانا سياسيا، اكتسح في أيام معدودة وسط العراق، حيث محافظات العرب السنة، مستعرضا غربا سوريا وأصبح على حدود لبنان الشمالية الشرقية مع سوريا. بعد أن كان التنظيم يطلق على نفسه تنظيم دولة العراق والشام الإسلامية عرفت اختصارا بداعش (ISIS)، اغتر هذا التنظيم بتمدده السريع سافرا عن طموحه التوسعي، وأطلق على نفسه تنظيم الدولة الإسلامية (IS)، معلنا قيام ما يسميها الخلافة الإسلامية في الموصل ومطالبا المسلمين بالبيعة لمن يزعم أنه الخليفة الجديد الذي سيحيي قريبا من بغداد الخلافة العباسية. ليكتمل الشكل الرمزي للخلافة العباسية ظهر الخليفة المزعوم لابسا عمامة وقفطانا أسودين واستغل علم القاعدة بعد أن أحدث عليه تعديلا بكتابة لا إله إلا الله في أعلاه مع صورة لخاتم النبي عليه الصلاة والسلام في وسطه. لا أحد يعرف بالضبط ما هو سر هذا التوسع الرهيب للتنظيم الذي أنهار أمامه في أيام جيوش نظامية ومليشيات مسلحة في العراق، وكاد يقتحم بغداد، إلا أنه توقف فجأة، ليستدير غربا ويقطع سوريا من وسطها كقطع السكين لقرص الجبن. كما أن قوات التنظيم التي سيطرت على وسط سوريا من غربها وأجزاء من جنوبها، نراها للغرابة تتوقف دون خطوط التماس بين سوريا وإسرائيل لتترك الساحة لجبهة النصرة التي أصبحت على خط وقف النار بين سوريا وإسرائيل في منطقة القنيطرة في الجولان! لم يقتحم التنظيم بغداد.. وأحجم عن التحرش بإسرائيل.. ولم يهدد إيران في الشرق.. ويتفادى معركة مع حزب الله في جنوبلبنان، ويختار التمدد في محاذاة الحدود السورية اللبنانية الشمالية الغربية، ليهدد مناطق السنة في شمال لبنان، متجاوزا حمص! تحركات عسكرية مريبة لهذا التنظيم تعلوها علامات استفهام كبيرة وملفتة. هو تنظيم المفروض أنه ينتصر لمظالم العرب السنة في العراق، لكنه في حقيقة الأمر يهدد مصالح العرب السنة في العراقوسوريا معا. ثم من قال إن العرب السنة أنفسهم في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم ينعمون بجنة عدن الخلافة الإسلامية في الموصل، وهم يشاهدون يوميا حفلات ذبح الرجال واستحياء النساء واسترقاق الأطفال التي تجري على الهوية والريبة والشك ولا تسلم منها جماعات كبيرة من العرب السنة في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في العراقوسوريا. وهل من هدي السنة النبوية هدم دور عبادة غير المسلمين، بعد إجبارهم على الاختيار بين الإسلام الذي يدعو له التنظيم أو الإبعاد أو الذبح. ثم أي إسلام هذا الذي يدعو إليه التنظيم الذي يستبيح دم الأبرياء بذبحهم علنا بدعوى محاربة ما يطلقون عليهم أعداء المسلمين في الغرب المسيحي، والمسلمون لم يتعافوا بعد من النكبات التي حلت بهم بسبب أحداث 11 سبتمبر 2001 الإرهابية التي حوسب المسلمون جميعهم بجريرتها ظلما وجرى بسببها التشهير زورا بالإسلام. ثم أية فكرة هذه التي تقوم على الإرهاب والعنف وتستمد شرعيتها بخروجها عن قوانين وأعراف وأسس عالم اليوم المتحضر. قد يبدو شعار الخلافة الإسلامية براقا للبعض لكنه في حقيقة الأمر أبعد ما يكون خيارا عصريا للمجتمعات الإسلامية الحديثة. سيادة الدول الحديثة تقوم أساسا على التمسك بالتزاماتها الدولية كما تقول بها منظومة القيم والأعراف التي أجمعت عليها وصاغتها أمم العالم الحديث. كما أن شرعية أنظمة الحكم المعاصرة تقوم على إرادة الشعوب واحترام خياراتها وعدم التعرض لحريات وحقوق مواطنيها، لا الحكم بادعاء الحق الإلهي زورا وتدليسا والتفسير المتزمت لشريعة الإسلام واقتصار إقامة الشريعة على إنفاذ الحدود مع غياب العدل وإهمال مقاصد الشريعة الأخرى الزمنية والدينية كالاهتمام بمصالح الناس ورعاية شؤونهم والعمل على إشباع حاجاتهم والحرص على أمنهم لا إرهابهم والدعوة إلى دين الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والعمل على توحيد كلمة المسلمين واتحاد أقاليمهم ودولهم، ليس بالإرهاب والعنف، بل بتكامل مصالحهم الاقتصادية وتعزيز أمن دولهم الاستراتيجي وتوحيد مواقفهم السياسية في القضايا التي تهم المسلمين والعالم. تنظيم داعش سينهزم ويندحر لأنه يقوم على الإرهاب والظلم والعدوان ويستغل بغباء نهجا رجعيا متخلفا ومتحجرا للإسلام وشريعته السمحة، ويسير بإرهابه وظلمه خارج قضبان قطار مسيرة التاريخ. سينهزم التنظيم لأنه صنيعة أعداء الإسلام التي تتحكم في سلوكه وتوجهاته وتمده بالعتاد والمال وحتى المقاتلين، وليس كما يدعي قادته زورا بأنه إحياء للخلافة الإسلامية. تنظيم داعش سينهزم ببساطة لأنه ليس حقا إسلاميا وليس نموذجا عصريا.