ما يحدث في المدارس الأهلية والعالمية من استنزاف لأولياء الأمور، لا يختلف كثيرا عما يحدث من ملاك العمائر السكنية الذين يبالغون في الإيجارات وارتفاعاتها المتصاعدة سنويا، والتي أعتقد أنه لن تحلها برامج الدعم السكني، إلا إذا وفرت مسكنا لكل مواطن، ورغم الفارق الكبير بين الحالتين في الوصف والتشبيه، لكنهما يتفقان في تنفيض الجيوب، وهو أمر لا بد منه. البعض يلجأ لتعليم أبنائه وبناته في المدارس الأهلية أو العالمية؛ لوجود برامج مختلفة قد لا تتوفر في مدارس التعليم العام، لكنه يصعق بالرسوم العالية والطلبات المتزايدة والرحلات الأسبوعية. في أول يومي دراسي في مدرسة عالمية التقى ولي أمر يرغب في دفع رسوم ابنته المستجدة بآخر صاحب تجربة عتيدة معهم، بادره بالسؤال التقليدي: كيف مستوى اللغة؟ رد عليه: أي لغة تتحدث عنها «الإنجليزية أو الفرنسية» التي جعلتنا نفكر في العالمية! تبسم في وجهه، وقال «العربية التي نخشى عليها»، فرد عليه بأنها جيدة وتحتاج لمتابعة ابنك أو ابنتك وبالذات في الإملاء، كان هذا مدخلا لجر الحديث إلى منطقة أخرى، فوصل الاثنان إلى الرسوم والمصاريف التي تبدأ من الدفع مرورا بالزي والرحلات والحفلات والبرامج التنشيطية والرياضة والسباحة، ووجد الأول نفسه أمام مصاريف كبيرة دفعته للعدول عن رغبته، ويفضل البحث عن مدرسة أهلية رسومها متواضعة. في بلادنا ميزانية التعليم كبيرة جدا، ومع ذلك ما زالت المخرجات ضعيفة، ولا تلبي بعض احتياجات سوق العمل، وحتى مخرجات التعليم الأهلي أو الأجنبي ما زالت دون المستوى. وكلنا يدرك أن التعليم هو أساس التنمية وبناء الإنسان للنهوض بالفكر والتربية للأجيال الناشئة، التي تشكل محور التنمية الحقيقية للأوطان، ومثلما تستثمر الموارد في تطوير مرافق هذا الجهاز الحيوي الهام لصنع الأجيال، فلا بد من إيجاد مدارس رائدة يستثمر فيها النشء وتلغى فيها الطرق التلقينية والأساليب التقليدية في العملية التربوية وإتاحة الفرصة للمعلم للإبداع والتفكير والتخفيف عن كاهله، بدلا من توفير البيئة المدرسية المناسبة وانتهاء بتأمين حقوقه وهيبته ومكانته الاجتماعية التي تساعده على العطاء، وتمنعه من التسرب والإهمال في أداء رسالته. أعود لما بدأته عن التعليم الأهلي، فهو بحاجة إلى رقابة، ورقابة صارمة ليس على مستوى المخرجات فحسب، بل على مستوى إداراتها واستثمارها في القضاء على البطالة وتعيين الخريجين والخريجات السعوديين، ومنح الفرص لهم بدلا من التعاقد من معلمين ومعلمات من الخارج ليس لديهم ميزة تفوق المواطن والمواطنة ولا تكلفهم أي عبء إضافي فالراتب هو نفسه وصندوق الموارد البشرية يدفع نصفه، فأين المشكلة؟!