اختفى رجل ستيني عن عائلته في المدينةالمنورة لأكثر من ثلاثة أسابيع ثم علمت العائلة أنه توفي إثر إصابته البليغة في حادث مروري حين كان يستقل حافلة تابعة لإحدى شركات النقل الكبرى وقد تم نقله من مستشفى إلى آخر أثناء غيبوبته دون إخطار عائلته، وقد كشفت الشكوى التي تقدمت بها عائلته إلى سمو أمير منطقة الرياض عن تفاصيل مثيرة توضح لنا حجم الاستهتار بحياة البشر الذي وصلت إليه بعض الشركات، ودائما وأبدا من أمن العقوبة فعل ما يحلو له. بدأت الحكاية قبل عدة أشهر حين كان سائق الحافلة يقودها بسرعة البرق قبل أن يفاجأ بوجود كاميرا ساهر قبل بلدة حوطة سدير، فما كان منه إلا الدعس على الفرامل لتخفيف السرعة وكانت النتيجة بالطبع انقلاب الحافلة وخروجها عن الطريق، هذا الحادث نتج عنه إصابة 38 شخصا ووفاة شخصين وقد باشرت طائرتان وسبع فرق تابعة للهلال الأحمر نقل المصابين إلى المستشفيات القريبة من موقع الحادث في حوطة سدير وتمير والمجمعة، وقد ذكرت تقارير إعلامية حينها أن شركة النقل التي تتبع لها الحافلة حضرت إلى الحادث فور حدوثه ليس من أجل مساعدة المصابين أو التحقيق في الحادث ومراجعة إجراءات السلامة بل لطمس اسم الشركة من على جوانب الحافلة بالأصباغ !. وخلال تغطيتها لشكوى عائلة المسن قبل يومين قالت جريدة الحياة إنها اتصلت أكثر من مرة بمسؤول العلاقات العامة بالشركة السعودية للنقل الجماعي للتعليق على الشكوى فطلب مهلة لمراجعة إدارة الشركة، وهذا السؤال يكشف أن الشركة التي قامت بهذا العمل الغريب وغير المسؤول ليست شركة نقل من الدرجة العاشرة بل هي شركة نقل وطنية كبرى كانت الآمال معلقة عليها فيما مضى من الزمان كي تقرب البعيد وتكون أحد البدائل العصرية للسفر الآمن فإذا بها تتردى مع مرور الأيام حتى تصل إلى هذه الحالة المخجلة التي توكل فيها مهمات السفر لسائقين متهورين ولا يكون فيها إداري مسؤول يبلغ عائلات المصابين بتعرضهم لحادث خطير، بل وما هو أعظم من كل ذلك أن تقوم بالطمس ومحاولة إخفاء الحقيقة والتدليس وهي جريمة يجب ألا تمر مرور الكرام. لقد تحدث شقيق المتوفى للجريدة عن الأضرار النفسية البالغة التي أصابت عائلته طوال الأسابيع الثلاثة التي لم يكونوا يعلمون خلالها شيئا عنه، حيث تم نقله من مستشفى حكومي إلى مستشفى خاص دون أن تعلم عائلته شيئا عنه، الشركة اليوم مطالبة بتوضيح موقفها من هذه الاتهامات والتوقف عن سياسة الطمس والهروب من المواجهة، كما أن فتح ملف التحقيق في هذه القضية لن تتوقف فوائده عند حصول المتضررين على حقوقهم ومعاقبة المتسببين بهذا الإهمال المتعمد بل يمكن أن تكون طريقا لإصلاح أحوال هذه الشركة التي تراجعت خدماتها مع مرور السنين وأصبح الكثير من المواطنين يتعاملون معها باعتبارها شيئا غير موجود أي أنها مجرد لافتة بين عشرات اللافتات التي تدل على هياكل عملاقة من الخارج جوفاء من الداخل.