مثل أي مصري، يضع عينا على الحاضر وعينا على المستقبل، تسمرت أمام الشاشة مستمعا لخطاب الرئيس الجديد السيد عبدالفتاح السيسي. ورغم طول الخطاب وكثرة تفاصيله إلا أن فقراته، الموحية بتغير جذري في مصر المحروسة نفسها وفي المنطقة، شدتني إلى نهايته لأستمتع بحق بتلك (الجرعة) العربية الصادقة والحاسمة في ثنايا الخطاب، حيث لابد أن كثيرين، داخل مصر وفي الدول العربية والأجنبية، فهموا مغازيها التي تأتي على غير هواهم وأجنداتهم. لقد أعاد الرجل لمصر دورها العربي الحقيقي وأثبت للداني قبل القاصي بأن الأمن القومي العربي خط أحمر، وأن أمن دول الخليج العربية هو من أمن مصر القومي، أو هو بمثابة (مسافة السكة) بين القطر المصري وهذه الأقطار التي تتهددها بعض المطامع الخارجية والمطامح الداخلية الملتبسة. وهذا هو ما يفسر حجم الحضور السياسي الخليجي الكبير في حفل تنصيب رئيس مصر الجديد، حيث تمثل هذا الحضور بصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، وملك البحرين، وأمير دولة الكويت، وولي عهد أبو ظبي. الأمر الذي يعني أن دول الخليج تساند (مصر الجديدة) بكامل طاقاتها وإمكاناتها السياسية والاقتصادية، حبا بها وتقديرا لحضورها العربي وتعزيزا لدورها القومي، الذي لا يقلل منه ولا يشكك فيه إلا حاقد أو طامع بمغنم فئوي وحزبي ضيق. لقد انطلقت مصر يوم الأحد الماضي، في ظل مواقف عربية وخليجية صريحة ومؤيدة بقوة، إلى مستقبل جديد لا مكان فيه لغير المواطنين الشرفاء والبنائين، الذين يؤمنون بالدولة الوطنية والبعد القومي والمصير العربي المشترك. وأظن أن الجميع الآن فهموا أن التقاءهم وتعاونهم الجاد والحقيقي هو ما يفوت الفرص على أعداء الدولة الوطنية في الداخل والخارج. ولذلك ينتظر المصريون، كما ينتظر الخلجيون وكل العرب، أن يصار إلى مبادرات تعاون وتحالف سياسية واقتصادية منتجة ومؤثرة تستثمر فيها كل دولة ما بوسعها من الإمكانات الخاصة ليمكن بناء فعل عربي متين ومشترك يجمع هذه الإمكانات ويصهرها لصالح الجميع. نريد لذلك الحلم العربي القديم أن يتجدد بشروطه ومحدداته المعاصرة حين يشعر أو يعقل كل عربي بأنه لا يستغني في حياته ومصيره عن العربي الآخر، من غير الحاجة إلى شعارات أو مزايدات طالما فوتت علينا فرص الفعل العربي الحقيقي المشترك.