كان لخبر البدء بتطبيق القرارات الخاصة بالجرائم على حوادث المرور الكبرى وقع إيجابي في نفوس كثير من الذين شربوا من كأس الحوادث المر، فهو يفتح بابا للأمل، وإن كان صغيرا، في أن يرتاح الناس بعض الشيء من هذه الكوارث المرورية التي تتوالى عليهم من يوم لآخر. لكن مشكلتنا المرورية لا تنحصر في غياب الأنظمة الصارمة الرادعة فقط، وإنما هناك علة أراها أشد، وهي غياب الرقابة والضبط المستمر للمخالفين. إني أتفهم أن من الصعب أن يكون المرور موجودا في كل بقعة وكل حين، لكن (خصوصية) وضعنا تفرض عليه أن يسعى إلى أن يكون كذلك ما أمكن. فنحن قوم بكل أسف نشأ أغلبنا على عدم الالتزام بالنظام إلا ما دام عليه رقيب يحاسبه ويخشى سطوته، بل أسوأ من ذلك أننا ننغمس في ثقافة مجتمعية تجعل من مخالفة النظام عند غياب الرقيب (شطارة) وذكاء، فالغبي حسب هذا المفهوم هو من يكلف نفسه مشقة التقيد بنظام يمكنه التفلت منه دون دفع ثمن!! في بيئة ثقافية كهذه، يضحي لا قيمة لفرض أي عقوبات مهما غلظت ما لم يصحب ذلك رقابة صارمة تسير معها خطوة بخطوة ويدا بيد. فالغاية هي منع الحوادث، وليس مجرد معاقبة المخطئ، ومعظم المخطئين تؤثر على ضبط سلوكهم الرقابة، أكثر من العقاب نفسه. معظم الحوادث التي تقع في طرقاتنا هي بسبب غياب الرقيب، تسير في الطرقات فترى المخالفات المرورية ترتكب عن يمينك وعن شمالك، فلا تهتز لها مركبة مرورية، ولا تضاء من أجلها لمبة حمراء، فيمضي مرتكبوها آمنين مطمئنين، هذا إن لم تجد مركبة المرور نفسها تقع في شيء من تلك المخالفات. هناك مخالفات جسيمة ترتكب وتتسبب في الحوادث القاتلة مثل التجاوز الخاطئ، والالتفاف الخاطئ، والتفحيط، والقيادة عند ذهاب العقل بالخمرة أو المخدر.. وغيرها من المخالفات المرورية ذات التأثير الخطير على السلامة. دراسة أرامكو عن حوادث المرور في بلادنا خلصت إلى نتيجة مريعة، وهي أننا نحتل المرتبة الأولى في وفيات الحوادث المرورية، وأن 72 % من حوادث المرور العنيفة تقع داخل المدن وليس على الطرق السريعة، وأن 65% منها بسبب السرعة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار وجود ساهر لمكافحة السرعة، فإن بقية أسباب الحوادث المرورية لا يوجد ما يكافحها، فقدرات ساهر محدودة لا تحيط بكل أنواع المخالفات. وهي مخالفات لا يستهان بحجمها، فقد بلغت نسبتها حسب الدراسة المذكورة 35 % من إجمالي حوادث المرور داخل المدن. حوادث المرور في بلادنا باتت مصدرا لإشاعة الحزن في كثير من البيوت، فهي سبب في فقد الأحبة وفي الإصابة بإعاقات دائمة، فضلا عن أنها باتت عاملا سلبيا على التنمية والاقتصاد القومي، فحسب نتائج دراسة أرامكو المشار إليها، فإن الخسائر الاقتصادية بلغت 13 بليون ريال سنويا، وأن نسبة المصابين في حوادث المرور الذين يشغلون أسرة المستشفيات بلغت 3% من المرضى المنومين، أي أنها تسهم في ازدحام المستشفيات وزيادة كلفة الإنفاق على العلاج، إضافة إلى تحول بعض المصابين في الحوادث المرورية إلى معاقين ما يلبثون أن ينضموا إلى فئة المستهلكين غير المنتجين، بعد أن كانوا من العاملين المشاركين في التنمية.