أوصلت سياسات رئيس الوزراء نوري المالكي العراق إلى حافة الانهيار الأمني في الأيام الأخيرة من العام الماضي، بفعل سلسلة من القرارات والمواقف الخاطئة التي توحي بأن أهالي الأنبار محتضنين للإرهاب وممارسته. فبعد اتهام نائب الرئيس طارق الهاشمي وبعض وزراء الحكومة، جاء اعتقال النائب أحمد العلواني أخيرا على النسق نفسه. وبدلا من تجريد الحملة الموعودة على معاقل القاعدة في صحراء الأنبار، اتهم المالكي المعتصمين السلميين بأنهم يضمون بين صفوفهم قيادات القاعدة، ثم أصدر قراره الخطير بفض الاعتصام بالقوة، ما تسبب بانتفاضة عشائرية مسلحة. فما هو المغزى السياسي لهذه المناورة العسكرية والإعلامية قبل أشهر من الانتخابات النيابية؟ وهل صحيح أن المالكي الذي أمضى ولاية ثانية في الحكم بدعم إيراني وأمريكي، والذي احتكر القرار الأمني والعسكري طيلة السنوات الثمان الماضية بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة وعدم تعيين وزيرين أصيلين للداخلية والدفاع، يريد تأمين ولاية ثالثة له من خلال استقطاب أصوات الناخبين الشيعة ودفع الناخبين السنة إلى العزوف عن المشاركة؟. إذا كان هذا هو الدرك الذي وصلت إليه الحياة السياسية، فمعنى هذا أن العملية السياسية برمتها باتت بحاجة إلى مراجعة جادة، فلم يعد مقبولا تهميش بعض فئات المجتمع العراقي واستهدافهم دون أن تنشأ تداعيات خطيرة تهدد وحدة العراق واستقراره وازدهاره. أما إن كانت مناورة المالكي في مدن الأنبار تندرج في سياق إقليمي أوسع له علاقة بتطورات الملف النووي الإيراني والعلاقة المتأرجحة بين طهران والغرب، وبما يموج في سوريا المجاورة من اقتتال ضار لا يخلو من إيحاءات مذهبية مع مشاركة واسعة للمليشيات الطائفية العراقية في الحرب ضد قوى المعارضة السورية، وانعكاس كل ذلك على الوضع اللبناني بالغ الهشاشة للأسباب عينها، فإن هذه المناورة هي من نوع المغامرات القاتلة التي يمكن أن تودي بمصائر أوطان ومستقبل زعماء. إن ارتهان بغداد للقرار الاستراتيجي الإيراني على نحو ما أكده مقتدى الصدر في أكثر من مناسبة، والاستمرار في سياسة المحاصصة الطائفية والعرقية بما يصيب بقية العراقيين بالغبن الدائم، هما أساسا المعضلة العراقية الراهنة والتي من دون إيجاد الحل الملائم لهما فسيبقى العراق الرجل المريض في المنطقة ومنطلق الاضطرابات والاحتقانات، بل إن هذا الوضع الموصوف غير المنضبط بالمعنى الحرفي للكلمة هو ما أدى إلى تعميق الأزمة السورية وإيصالها إلى آفاق مسدودة من خلال تسلل المقاتلين العراقيين من كل الاتجاهات المتضاربة للتقاتل على أرض سوريا وللتحكم بمساراتها ومآلاتها.