تعد الاستراتيجية الوطنية للشباب التي أقرها مجلس الشورى يوم الاثنين الماضي، في غاية الأهمية كونها تتعلق بفئة الشباب الذين يشكلون النسبة الأعلى في المجتمع السعودي، حيث إن متوسط نمو الشباب في المملكة هو الأعلى على مستوى العالم، وتشكل الفئة العمرية من 15 إلى 24 عاما مرحلة البناء والتعليم، لذلك كان لا بد أن تعتني الدولة ومؤسساتها الرسمية وغير الرسمية بالتشريعات والمبادرات والبرامج التي تناسب وضعهم، ودورهم في الدفع بمسيرة التنمية وخدمة المجتمع في المملكة، ومن أكثر المبادرات أهمية إعداد استراتيجية وطنية للشباب. وأوضح عضو مجلس الشورى رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب الدكتور خالد العواد أن المجلس وافق على مشروع الاستراتيجية الوطنية للشباب بعد أن ناقشها في جلستين ماضيتين في ضوء تقرير اللجنة التي درستها دراسة شاملة ومعمقة. كما وافق على إنشاء مجلس أعلى للشباب يتولى الإشراف على تنفيذ الاستراتيجية وخططها والمتابعة والتقويم وتنسيق الجهود والبرامج بين القطاعات المختلفة، وطالب المجلس في قراره الجهات المعنية وذات العلاقة بالاستراتيجية بالالتزام بما ورد فيها وتوفير كافة متطلباتها المالية والبشرية. وبين الدكتور العواد في تصريح بهذه المناسبة أن إعداد مشروع الاستراتيجية بدأ في العام 1431ه بتشكيل لجنة فنية استشارية برئاسة وزارة الاقتصاد والتخطيط وعضوية وزارات (الداخلية، التربية والتعليم، الثقافة والإعلام، الشؤون الاجتماعية، الصحة، العمل، والاتصالات وتقنية المعلومات)، والرئاسة العامة لرعاية الشباب، مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة. وعقدت اللجنة 41 ورشة عمل مع الشباب ذكورا وإناثا في 23 مدينة ومحافظة بمختلف مناطق المملكة، شارك فيها أكثر من 1200 شاب وفتاة بالتعاون مع مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني وبعض الجهات الحكومية والأهلية. كما عقدت 8 حلقات نقاش مع الخبراء والمختصين بشؤون الشباب في مقر وزارة الاقتصاد والتخطيط بمشاركة 40 خبيرا وأكاديميا في المجالات ذات العلاقة بمحاور الاستراتيجية. مناقشات الشورى وأفاد الدكتور العواد أن لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب بادرت عند وصول مشروع الاستراتيجية لمجلس الشورى، وإحالته للجنة بالاجتماع بأعضاء اللجنة المشكلة لإعداد الاستراتيجية في وزارة الاقتصاد والتخطيط وعدد من المهتمين والأكاديميين. ومن ثم درست الاستراتيجية بكل تفاصيلها، دراسة شاملة، ومستفيضة، ورفعت تقريرها بشأنها إلى المجلس، حيث ناقشها في جلسته المنعقدة بتاريخ 19/6/1434ه، وواصل مناقشتها في جلسته التي عقدت بتاريخ 25/6/1434ه وبناء على تلك المناقشات أجرى المجلس عددا من التعديلات على مشروع الاستراتيجية، منها إظهار الهوية الوطنية القيمية الإسلامية لهذه الاستراتيجية، والتعامل مع الفئة المستهدفة على أنها ثلاث فئات هي فئة المرحلة الثانوية، وفئة المرحلة الجامعية، وفئة ما بعد المرحلة الجامعية، والسعي لإعداد القيادات الشابة بشكل كاف وبارز، وضمن المجلس مشروع الاستراتيجية بعض الموجهات لمعالجة البيانات الواردة في الفصل الثاني التي تشير إلى ضعف التأهيل والبطالة وبعض الممارسات السيئة كالمخدرات والتدخين. وأفاد المجلس بوجود خلط للمفاهيم في أكثر من موضع، فعلى الرغم من تعريف المصطلحات في بداية كل مجال إلا أن هذه التعريفات لم تتم صياغتها صياغة إجرائية، إضافة إلى أنه لم تتم مراعاة هذه التعريفات ومدلولاتها أثناء تناول المجال، بل إن بعض المفاهيم تحتاج إلى توضيح أكثر، وبعضها مرتبك مثل الخلط في مفهوم (الثقافة) فالتعريف مختلف تماما عن مضامين المحور، وكأن الأمر مناقشة وزارة الثقافة والإعلام لا الثقافة بشكل منفصل عن الإعلام، والخلط من الناحية الفعلية بين مصطلحي التعليم والتعلم، والتدريب والتأهيل. كما نوه المجلس إلى أن العديد من السياسات الواردة لم يتم بناؤها في ضوء تحليل الواقع وما يحتاجه الشباب، وإنما في ضوء طبيعة مهام الجهات ذات العلاقة، إلى جانب أن بعض السياسات ترتبط بالجهات وليس جهة الشباب، خاصة في مجالات العمل، والصحة، والتعليم والتدريب. وأكد المجلس ضرورة التركيز بصورة أفضل على محور الترويح واستثمار وقت الفراغ، وتوضيح المخطط العام والمرحلي للاستراتيجية، وأن تستهدف الاستراتيجية فئات الشباب بجميع أطيافه الفكرية، وطاقاته الذهنية والبدنية بما في ذلك الموهوبون والمتميزون وذوو الإعاقة، وأن تستهدف برامجها الشباب والفتيات بشكل متوازٍ. ووفقا لرئيس لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب فإن الاستراتيجية تتضمن عددا من الفصول والمحاور الرئيسة التي تشمل مجموعة من القضايا ذات العلاقة بالشباب في المملكة منها فصل للإطار العام للاستراتيجية ويتضمن عرضا مفصلا لأهداف الاستراتيجية ومنطلقاتها ومحاورها ومراحل ومنهجية تطويرها وتنفيذها، وفصل يتناول الوضع الراهن للشباب، وعرض للتطور في عدد الشباب ومعدل نموهم ونسبتهم من إجمالي السعوديين. 8 محاور هامة وشملت الاستراتيجية ثمانية محاور تناولت التعليم والتدريب، ومن أبرز قضاياه العلاقة بين المؤسسة التعليمية والطلب والتركيز على جودة التعليم، وتطوير نوعيته إضافة إلى مواءمة مخرجات التعليم والتدريب للواقع الفعلي لسوق العمل. وفي ما يتعلق بمحور «العمل»، حددت الاستراتيجية عددا من القضايا التي تهدف إلى معالجتها، في مقدمتها البطالة حيث تهدف الاستراتيجية إلى تمكين الشباب من الحصول على فرصة عمل مناسبة تنسجم مع ميولهم وقدراتهم واختصاصهم العلمي وتضمن لهم مستقبلا مستقرا. كما عالجت الثقافة المجتمعية السائدة لمزاولة المهن والأعمال، وقضايا تأهيل الشباب وتدريبهم، والعمل الحر في المشروعات الصغيرة والمتوسطة. وفي محور الصحة، تسعى الاستراتيجية من خلال قضايا التغذية ونمط الحياة والصحة النفسية وصحة الأم والطفل إلى تنشئة جيل من الشباب يتمتع بصحة بدنية نفسية جيدة، كما تتعامل مع قضايا حوادث المرور ومشكلة تعاطي المخدرات والتدخين والسلوكيات البيئية. أما الثقافة والإعلام فخصصت الاستراتيجية الوطنية للشباب محورا خاصا بها، وجعلت من أبرز قضاياه الانفتاح العالمي وتحديات العولمة، ونصت الاستراتيجية على ترشيد الانفتاح والتفاعل الإيجابي للشباب السعوديين مع مؤثرات العولمة دون فقدان هويتهم وشخصيتهم الوطنية، وهدفت أيضا من خلال قضية «الإعلام الجديد» إلى تمكين الشباب وتأهيلهم على الاستخدام الأمثل لوسائل وأدوات الإعلام الجديد. وحددت الاستراتيجية في محورها الخامس «الاتصالات وتقنية المعلومات» أربع قضايا مهمة صممت لها أهدافا تسعى لتحقيقها ومن تلك القضايا العولمة والتأثير في الهوية الإسلامية والوطنية، وأبرز هدف تمكين الشباب وتأهيلهم للتعامل مع مؤثرات تقنية المعلومات وتوعيتهم بإيجابياتها وسلبياتها للمحافظة على هويتهم وشخصيتهم الوطنية. ونصت الاستراتيجية من خلال المحور الخاص بالترويح واستثمار وقت الفراغ على توفير الأنشطة الترويحية النوعية في جميع المجالات الاجتماعية والثقافية والرياضية من خلال عنصر كفاية الأنشطة والمرافق الترويحية والرياضية، وتمكين الشباب بجميع فئاتهم وطبقاتهم الاجتماعية، وأماكن سكنهم، وذوي الاحتياجات الخاصة من استثمار الفراغ، وممارسة هواياتهم واستثمار وقت فراغهم بإيجاد الفضاء والبيئة الملائمة لتشجيعهم على المشاركة في أنشطة شبابية ترويحية منسجمة مع ميولهم واهتماماتهم. وركز محور المواطنة الصالحة والمشاركة المجتمعية على قضية الحفاظ على الهوية الوطنية وترسيخها من خلال تحقيق الانتماء للوطن وتأصيل مفاهيم الوطنية والمواطنة في نفوس الشباب، كما جعلت من قضاياها، المشاركة المجتمعية، والغلو والتطرف والأمن الفكري والتطوع. وتناول محور الأسرة أربع قضايا، هي الزواج وتكوين الأسرة والطلاق والعنف الأسري والاحتياجات الخاصة، حيث تسعى الاستراتيجية إلى تعميق القيم الأسرية لدى الشباب من الجنسين وزيادة إقبالهم على الزواج، وتعزيز التوافق والتواصل والترابط بين أفراد الأسرة لبناء أسرة متماسكة مستقرة آمنة، إضافة إلى رفع وعي المجتمع أفرادا ومؤسسات بحقوق وإمكانات الشباب المعاقين. توصيات هامة ورأى الدكتور خالد العواد أن من أهم التوصيات التي تضمن نجاح الاستراتيجية هي أهمية إشراك الشباب بوصفهم المستهدفين الرئيسيين بهذه الاستراتيجية، وأن يكون لهم دور في عملية التنفيذ والتقويم في جميع مراحل الاستراتيجية، والوصول إلى أكبر عدد منهم في جميع مناطق المملكة. ودعا لإقامة منتدى وطني للشباب لجميع الجهات الحكومية وغير الحكومية ذات العلاقة بتنمية الشباب، لتبادل الآراء وتوجيه الجهود نحو الأنشطة المشتركة وتبني المبادرات والبرامج النوعية التي ترتقي بالشباب، وإنشاء مجالس محلية شبابية على غرار المجالس المحلية القائمة، أو تمكين الشباب من تمثيلهم في جميع المجالس المحلية، وأن تكون هناك فرق شبابية تطوعية مرتبطة بتلك المجالس لنقل احتياجات الشباب التنموية إلى الجهات العليا.