يعد «التستر التجاري» أحد أهم مكونات الاقتصاد الخفي، ويعد كذلك أحد أهم الأسباب المؤدية إلى نمو الأنشطة الخفية، ويرى خبراء الاقتصاد أن التستر يدخل ضمن اقتصاد الظل أو الاقتصاد غير المحسوب في إجمالي الناتج المحلي، ومثل هذا الممارسات يصعب تقديرها بصورة رسمية، إلا أن بعض الدراسات والإحصاءات تقدر النسبة ب(25%) من الناتج القومي بالبلاد، وتتطلب تشريعات تحمي المجتمعات من آثاره المدمرة.. «عكاظ الأسبوعية» تستطلع آراء عدد من المتخصصين وبعض الجهات المعنية حول الظاهرة وسبل مكافحتها، الذين أجمعوا على أن جشع بعض المواطنين قد أسهم في بروز الظاهرة أو السرطان الذي ينخر في جسد اقتصاد الوطن. حل المشكلة بالتدرج في البداية أوضح عضو اللجنة الأمنية بمجلس الشورى الدكتور نواف بن مطلق الفغم أن عوامل عدة أسهمت في تشجيع التستر التجاري، مبينا أن الحملة التصحيحية ستؤدي إلى حل هذه المشكلة تدريجيا. وقال «يعلم الجميع ان المملكة مرت في السنوات الأخيرة، بانفتاح على العمالة كما هو الحال في معظم دول العالم»، معتبرا أن المملكة تعد دولة رئيسة في الشرق الأوسط في ما يتعلق بانفتاح العمالة على العالم، وهناك في ألمانيا العمالة التركية والآسيوية في بريطانيا. وأضاف: هذه الدول سعت لتحسين اوضاع العمالة وعلمت ان التنمية لا يمكن بناؤها الا بتعاون هذه العمالة، ولكن بسبب ثقافات معينة لهذه العمالة برز على السطح عنصر جديد متمثل في التستر والتسيب نتيجة تراخي البعض من مطبقي الانظمة وعدم الحزم وضبط سوق العمالة في المملكة، ما نتج عن ذلك تفشي الجريمة بأنواعها سواء أكانت الجنائية او الحقوقية. حقل تجارب ميداني وزاد «البيروقراطية وجشع بعض المواطنين أسهم في تخطي تكلفة استقدام العاملة المنزلية العام الماضي ال(30) ألف ريال، في الوقت الذي لم تتجاوز التكلفة في الدول المجاورة ال(6) آلاف ريال، وبلغت تحويلات العامل الذي يتقاضى (600) ريال راتبا شهريا ما بين (100) أو (200) ألف ريال تزيد او تنقص، فأثر ذلك على الاقتصاد والحياة الاجتماعية والامنية». وبين الفغم أن المملكة تحولت في الفترة السابقة إلى حقل تجارب ميدانية للعمالة في العالم، وقال «يأتي العامل على وظيفة سباك او سائق او خادم منزلي وبعد عامين يصبح مقاولا أو طبيبا وهو ما تبين بعد اكتشاف عدد من الشهادات المزورة». وقال»أجزم أن الوضع سيتجه للأفضل مع خطوة تصحيح الأوضاع، ولكني اتخوف من نقص بعض الأيدي العاملة التي لا غنى لنا عنها في خدمة التنمية المطردة، ولا بد من طرح عقود توفير الأيدي العاملة والضخ بشكل سريع للتأشيرات على جميع المستويات»، مشيرا إلى حصول (460) ألف شابة حاليا على وظائف، كما لا تزال الفرص موفرة للشباب وكذلك القادمين من الابتعاث الخارجي الذين نؤمل فيهم كثيرا. إعادة صياغة العقود من جانبه، قال المحامي الدكتور ماجد بن محمد قاروب، إن فكرة تصحيح الأوضاع كانت فكرة متجددة ورائعة، راعت الكثير من الجوانب القانونية والاقتصادية وأحدثت أثرا كبيرا على سوق العمل وانعكاساته على الاقتصاد والأمن، ويضيف «بالرغم من هذا تظل هناك العديد من القضايا الإنسانية والاجتماعية التي لم تحل نتيجة التسيب حتى وصل الأمر إلى الاستشارات المهنية مثل القانون والمحاسبة والإدارة وصولا إلى الترجمة والتدريب، وهو ما يتطلب الدخول في مرحلة تصحيح نوعي جديدة تتكاتف فيها وزارات التجارة والبلدية والمالية والعمل والداخلية لإعادة تنظيم الاقتصاد السعودي». وأضاف قاروب «يجب التأكد من أن شركات استقدام العمالة الأجنبية تعمل باحترافية ولا تتحول إلى مشكلة جديدة لسوق العمل، خاصة أن المفترض فيها ليس فقط توفير العمالة ولكن القضاء على كل مسببات استخدام العمالة بالأساليب المخالفة كما كان في السابق». وأردف «نطلب بسرعة تأهيل الجالية «البرماوية» ليسدوا العجز في الوظائف المهنية والسكرتارية والعمالة في مجال المقاولات والصيانة التي كانت من القطاعات الاكثر تأثرا بعملية تصحيح الأوضاع، وكذلك إعادة صياغة عقود المقاولات الحكومية بحيث يتم معالجة بند الاجور لتستوعب حد أدنى من العمالة السعودية وألا تقل رواتبها الأساسية عن (3) آلاف ريال لغير المدربة و(4) آلاف ريال للمؤهلة، حتى نمكن قطاع المقاولات والإنشاءات من توظيف ما لا يقل عن نصف مليون شاب». ندرة الفرص الاستثمارية بدوره بين المحلل الاقتصادي فضل البوعينين، أن الاقتصاد السعودي عانى كثيرا من وجود التستر، مبينا أن النسبة الأكبر من المنشآت الصغيرة في البلد مرتبطة بنظام التستر، الذي هو عبارة عن سرطان ينخر في جسد اقتصاد الوطن. وقال «التستر مسؤول عن ندرة الوظائف في القطاع التجاري وندرة الفرص الاستثمارية والتجارية، اضافة الى مشكلات كبرى يأتي في مقدمتها استنزاف الأموال وتحويلها للخارج»، مشيرا إلى أن التستر يخلق اقتصادا أسود داخل الاقتصاد الكلي وكلما توسع هذا الاقتصاد توسعت المشكلات وظهرت الازمات واصبح هناك خلل كبير في تركيبة الاقتصاد الداخلي، اضف الى ذلك ان هذه المنشآت المتستر عليها تستفيد بشكل مباشر من الخدمات والدعم الذي تقدمه الدولة للمواطنين. وزاد «التصحيح سيؤدي الى تقليص حجم المنشآت المتستر عليها، ولكنه لن يقضي عليها خاصة وأن المتستر عليهم يعملون ضمن انشطة رسمية تابعة للكفلاء أنفسهم». وأردف» شددت وزارتا التجارة والداخلية على قضية التستر المنتشرة في أغلب المنشآت في السوق السعودي، خاصة أن المملكة تشكو حاليا من تحويل اكثر من (130) مليار ريال للخارج سنويا حيث يتم تحويل حجم كبير جدا من هذه المبالغ عبر إيرادات العمالة المتستر عليها وتتم بطرق غير رسمية، لذلك فإن تصحيح وضع العمالة سيقضي على (50%) من التستر في السوق السعودية، ولكن هناك تستر يتم وراء الكواليس وهذا لا يمكن السيطرة عليه أو كشفه». للتستر أشكال مختلفة من جهته، اعتبر المحامي حمود الخالدي، التستر التجاري من القضايا التي يتم النظر فيها من قبل المحاكم المتخصصة في المحاكم الإدارية، باعتبارها من الجرائم التي يحاسب عليها القانون، مؤكدا على أن العلاقة بين العامل والكفيل يجب أن تكون من خلال الطرق النظامية التي صدرت من الجهات ذات العلاقة وتمنع أي نوع من الممارسات المخالفة لهذه العلاقة. وأشار الخالدي، إلى أن التستر يأخذ العديد من الأشكال المختلفة، إلا أنها تدخل عموما ضمن المخالفات التجارية التي يتم رفعها وملاحقتها لدى المحاكم التجارية، مطالبا بضرورة أن تكون هناك دراسة شاملة لواقع العمالة الحالي والتستر عليها والدوافع وراء ذلك والمسببات وطرق مكافحتها. إلى ذلك، حذرت وزارة التجارة والغرف التجارية من التعاون مع العمالة المخالفة أو التستر عليهم والاستجابة لإغراءاتهم المادية، كما توعدت بملاحقة المتسترين عبر الدوائر النظامية في المحاكم والجهات المختصة، فيما تعمل الجهات الأمنية ذات العلاقة بحملاتها المستمرة على المنشآت والمؤسسات باختلاف أحجامها للكشف عن تلك المؤسسات التي تعمل على التستر على العمالة في المواقع وتمارس أعمالها بعيدا عن العلاقة الصحيحة بين العامل وصاحب العمل الذي يعد مخالفة صريحة للنظام. 25% نسبة التستر إلى ذلك، قدر عميد كلية الاقتصاد والادارة بجامعة الملك عبد العزيز الدكتور أيمن فاضل نسبة التستر التجاري (25%) من الناتج القومي بالمملكة، مبينا، ان عدد الفرص المتاحة بالمملكة تبلغ (8) ملايين فرصة وظيفية، تبلغ نسبة السعودة فيها (10%)، فيما تبلغ نسبة العمالة الاجنبية (90%)، مؤكدا أن المملكة تحتل المرتبة الثانية من حجم البطالة عربيا بعد العراق، والثانية بعد الولاياتالمتحدة في نسبة التحويلات المالية بعد امريكا، فيما يتجاوز اجمالي التحويلات المالية بالمملكة اجمالي التحويلات المالية في المانيا وايطاليا واسبانيا مجتمعة. وذكر الدكتور فاضل ان التحويلات المالية بالمملكة تبلغ (6) أضعاف التحويلات المالية للصينيين، لافتا الى ان الاثار المترتبة على التستر التجاري تتمثل في ازالة الطبقة الوسطى، لافتا الى أن الانظمة في المملكة تعتبر كل من مكن غير السعودي من الاستثمار في أي نشاط محظور عليه ممارسته سواء أكان ذلك باستعمال اسمه أو ترخيصه أو سجله التجاري أو بأي طريقه أخرى. واستعرض فاضل حزمة من مؤشرات قضايا التستر التجاري للربع الرابع لعام 1432ه اعتمادا على معطيات وكالة وزارة التجارة والصناعة لشؤون الاستهلاك، حيث بلغ اجمالي عدد القضايا ذات العلاقة بالتستر في العام 1432ه نحو (291) قضية أحيل منها (64) قضية للتحقيق بالادعاء (22%)، و(184) قضية منها تحت الإجراء (63%) و(43) قضية تم حفظها (43%) أما القضايا التي تحت الإجراء (184) قضية، فتوجد في الرياض (16) قضية، وفي جدة (20) قضية، والدمام (40) قضية، ومكة المكرمة (7) قضايا، والمدينة المنورة (46) قضية، وبقية مناطق المملكة (55) قضية، فيما تشكل العمالة البنجلادشية نسبة (22.7% ) من إجمالي التستر والعمالة المصرية (19%)، والعمالة السورية (14.1%)، والبقية من العمالة اليمنية والسودانية والفلسطينية واللبنانية وغيرها. قطاع البناء والمقاولات وذكر فاضل أن التستر يتركز في عدد من القطاعات الاقتصادية أبرزها قطاع البناء والمقاولات بنسبة (37%)، وقطاع المواد والسلع الاستهلاكية (13.2%)، وقطاع التجارة العامة (3.5%)، وقطاع السلع والمواد الاستهلاكية (3.5%)، وأعمال ومهن أخرى مختلفة (14.3%) مقدما عددا من المقترحات لمكافحة هذه الظاهرة منها عرض مهلة للأنشطة التي تدار بالتستر لمحاولة تصحيح أوضاعها دون توقيع أدنى عقوبة وإعطاء فترة سماح لها، و إعادة تفعيل دور شيوخ المهن واللجان الوطنية بالغرف التجارية للكشف عن المتسترين، وإنشاء ودعم جهاز مستقل للبحث الجنائي متخصص بالتستر التجاري، تبسيط الإجراءات الخاصة باستثمار رأس المال الاجنبي بالقطاعات ذات النسبة المرتفعة من المتسترين، ووضع آلية واضحة ومحفزة لطالبي الاعانة من المواطنين لما يمكنهم مستقبلا لإنشاء مشاريع صغيرة خاصة بهم. وعلمت «عكاظ الاسبوعية» أن الحملات الامنية التي تقوم بها الجهات ذات العلاقة تهدف على القضاء على عملية التستر على العمالة بالدرجة الأولى، وتنظيم العلاقة بين أصحاب العمل بجدية وبكل حزم، كما تسعى الحملة إلى تعزيز قرارات مجلس الوزراء ووزارة الداخلية في القضاء على ظاهرة التستر الأمر الذي سينعكس على المواطنين والمقيمين النظاميين على حدا سواء.