لا تعرف من أين تؤكل الكتف عندما تتحاور مع معالي الدكتور عبدالله نصيف، فالرجل بعلمه وفضله وأخلاقه ومناصبه بحر من الخبرات تغرق فيه أية أسئلة يمكن أن تخطر على ذاكرتك.. عرجت به على أجواء رمضان كسرا لقاعدة «الأهم فالمهم» استغلالا لأجواء هذه الأيام الروحانية فتحدث باقتضاب، لكنه انطلق في الحديث متوسعا ومسهبا عندما تناولنا قضايا التعليم والدعوة والمسلمين في العالم فأوضح أن سوء التربية الدينية وراء فشل الحركات الإسلامية لحظة وصولها إلى السلطة، وكشف عن وجود قبلية مستترة في عمل جماعات الدعوة والإغاثة في العالم.. الدكتور نصيف حمل مسؤولية تراجع التعليم الحكومي للتطبيق الخاطئ لقرار السعودة، مطالبا في الوقت نفسه بضرورة خصخصة التعليم.. مزيد من الإضاءات والأطروحات في ثنايا الحوار.. • هل يتغير برنامجك اليومي في رمضان خلافا لبقية شهور السنة؟ - إطلاقا.. فعدد ساعات نومي لم يختلف مع رمضان، فأنا أصلي التراويح وأنام، لكن الشيء الوحيد الذي يشهد تغيرا هوبرنامج الزيارات فأنا أتجنب أية زيارة لاختلاف الأجواء، أما من ناحية الأكل فلا يتغير برنامجي فأكلي الدائم من الخضار والفواكه يستمر مع القليل من الشوربة والسمبوسة في النادر، خصوصا في الاستضافات، وبشكل عام فنحن في البيت لا نأكل إلا الطعام الصحي. • كثير من الناس يرى حلاوة رمضان في استقباله بشراء ما لذ وطاب وتعبئة السلات والعربيات؟ - أنا أتعجب من هؤلاء كثيرا، فهم يشترون أشياء لا تستخدم وغير صحية وبكميات كبيرة ولا يستهلكونها ثم بكل بساطة يكون مصيرها الرمي في براميل الزبالة.. كان الله في عونهم فهذه المأكولات مدعاة لزيادة أوزانهم في هذا الشهر على عكس ما أنا عليه، حيث ينقص وزني سنويا في شهر رمضان تحديدا.. والحقيقة إذا رأيت أمراض الناس ستجد أن سببها الأساسي الغذاء السيئ. • هل مسألة الاهتمام بطريقة الغذاء بدأت بعد الخمسين أم ماذا؟ - لا لا.. أنا هكذا دائما حتى عندما كنت طالبا في أيام الجامعة فإذا جاءتني أي وعكة أحتمي بالفاكهة لمدة ثلاثة أيام حتى أستعيد صحتي بالكامل، وفي سكن الطلاب كنت أنا المسؤول عن الطبخ لمجموعتي. • كيف يهنأ المسلم بلقمة الطعام وهويرى ويسمع ويتلمس واقع إخوانه المسلمين عن قرب الذين يعانون من القتل والتشريد والتجويع لدرجة أن يفتى لأبناء سورية بأكل لحم القطط كما سمعنا قبل أيام؟ - الإنسان إذا ضبط عواطفه ومشاعره وملكاته في هذا الكون الذي خلقه ربنا بدقة متناهية وأودع فيه أسرارا عظيمة، وإبداع الله في الخلق لم يخلق عبثا، فالإنسان إذا استطاع أن يكيف نفسه ومشاعره وتصرفاته على حسب سريان هذا الكون وينسجم معه، فإذا جاء وقت الأكل فلا بد أن تأكل وأنت تستمتع به وتستشعر نعمة الله عليك. • هذا يعني أنك لا تسافر في رمضان أيضا؟ - والله أتجنب السفر قدر المستطاع ما لم يكن هناك شيء ضروري مثل الزيارة التي برمجتها لنا الحكومة البلغارية في شهر رمضان من أحد الأعوام الماضية واضطررت إلى السفر لأهمية تلك الزيارة. • هل ما زلت تحن لأجواء باب مكة وبرحة بيت نصيف في رمضان؟ - أحن لها في رمضان وغير رمضان، والحقيقة عندما أزور باب مكة أشعر براحة وانتماء وعودة للأيام الفائتة ولوأن الواحد يتأسف على السلبيات الموجودة لكن الزيارة تضخ في الإنسان روح الانتماء والعلاقات البشرية المطلوبة. • وأين ذهب بيت نصيف؟ - تم نزع العقار من الدولة مقابل ثلاثة ملايين ريال، فقلنا لهم نعطيكم الثلاثة ملايين ورجعوا لنا البيت فرفضوا. • لكن الأحدية التي تقيمها في منزلك أسبوعيا مستمرة، أم هي على طريقة التباريح والتراويح؟ - نعم.. والأحدية ليست جمعة عائلية ولكنها محاضرة عامة ثقافية علمية أوما شابه، ولدينا الآن خطة لنشر كل ما يناقش فيها على اليوتيوب، لأن الناس لا يحبون القراءة وإلا لكنا أصدرناها في كتب، فهم يهتمون بالمعروض وفيه تواصل مع المشاهد، كما أن المحاضر يعطي فكرته خلال نصف ساعة ويتفاعل مع الناس، فمن التجارب جميع محاضراتنا علمية عملية مثال: موضوع الحجامة، موضوع الحياة الفطرية في الربع الخالي ومن هذا القبيل وكلها عملية ومن ناحية شرعية نتحدث عن كيفية تطوير الفقه بحيث أن يكون أكثر فعالية وأكثر استجابة في احتياجات المجتمع الذي يتغير لكن الشريعة لا تتغير وهكذا. • بالمقابل.. هل تشارك في الاثنينية والثلوثية أيضا؟ - وغيرها فأنا أحضر هذه الملتقيات العامة أحيانا. • أحيانا.. هل تقصد بها موقفا معينا مما يطرح فيها من خلاف حاد ومسائل فكرية يصطدم فيها الإسلاميون بالليبراليين؟ - عادة.. لاتكون النقاشات حادة بيني وبينهم، ولا تنس أن وجودي في مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني يجبرني ويعلمني دائما على تقبل الآراء الأخرى. • افتتحتم أكاديمية للتدريب على الحوار قبل شهر تقريبا فهل هي دلالة على صعوبة الواقع ووجود حاجة ماسة لتعليم الناس فنون الحوار؟ - سيبدأ العمل في الأكاديمية بدءا بمدينة الرياض إن شاء الله، وثقافة الحوار يجب أن تتأصل بطريقة علمية وعملية، والحقيقة أن مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني درب حتى الآن ما يقارب مليون شخص نساء ورجالا.. والآن أصبحت حقائب التدريب توضع على هيئة برنامج دراسي يقدم في المدارس والمساجد والمنتديات المختلفة، إضافة إلى اللقاءات المخصصة للشباب بالذات، حيث يتم تدريبهم وإعطاؤهم جرعات مكثفة بما ينبغي أن يكون عليه الشاب مهما أوتي من علم، وهنا تكمن أهمية وضرورة الحوار لأن شعبنا لم يتعودوا عليه وعلينا أن نقنعهم بالحوار. • ما الذي يربط بينك وبين الكشافة وقد بلغت من الكبر عتيا؟ - الكشاف يوما كشاف دوما، وهذه الكشافة لها سحر خاص وتأثير إيجابي كبير، وأتذكر أنني سمعت بالكشافة عندما كنت طالبا في الصف الأول الثانوي في مدرسة الملك سعود العلمية فالتحقت بها وسعدت بطريقة المدرب وتطورنا في الأداء مع مرور الأيام، ولا أخفي عليك أن كثيرا من الدراسات تدل على أن الذين التحقوا بالكشافة تتغير شخصياتهم إيجابيا، فالكشاف يتعود على الحوار والعمل الجماعي والاتفاق على رأي وقرار واحد، كما يعتاد على التفكير والتخطيط لأن الكشاف أول ما يتدرب عليه التخطيط والتفكير لعمله ولبرامجه اليومية والأسبوعية، ويضع هذه الخطط موضع التنفيذ ثم يقيم التنفيذ.. ويا ليت تعليمنا يصبح بهذا الشكل. • إضافة لصناعة القياديين في المجتمع؟ - ليس بإمكان الكل القيادة، ولكن بتدريب الجميع يمكن أن نصل إلى الحد الأدنى، وبعد ذلك تظهر القيادات. • وما زلت متمسكا بمناصبك الكشفية حتى الآن؟ - نعم .. ما زلت رئيسا للاتحاد العالمي للكشاف المسلم، وعضوا باللجنة الكشفية العربية ورئيسا لصندوق التأمين الكشفي العربي وعضوا بلجنة تموين كشافي العالم، وكل المستويات الثلاثة تتضافر جهودها للاهتمام بالنشء وتطوير أدائهم وتحسين المجتمعات. • من خلال تجربتك الجامعية أستاذا ورئيسا لجامعة الخليج هل تسير خطوات جامعاتنا بشكل متواز مع سوق العمل، خصوصا مع وجود الحركة التصحيحية الكبيرة في هذه الفترة في سوق العمل لاستيعاب الطلبة سواء المبتعثين في الخارج أوالموجودين بالداخل أم أن البطالة تحتاج لجهود علاجية أكبر مما نراها على أرض الواقع؟ - يجب أن ندرك أن الجامعات هي مصانع الرجال، وهي مراكز خدمة المجتمع ومراكز البحث العلمي لاحتياجات المجتمع العلمية والأدبية والفكرية، وصناعة الرجال وتخريجهم هوجزء من العملية وليس كله، ولذلك فإن موضوع تلبية متطلبات السوق مسألة لا بأس بها لكن ينبغي أن لا تغلب على رسالة الجامعة، فالجامعة وظيفتها تخريج طلاب وطالبات في مجالات يحتاجها المجتمع، بعضها من سوق العمل وبعضها أدب ولغة وهكذا. • لكن الكل يتهم الجامعات بمسؤوليتها عن ضخ خريجين بعيدا عن واقع السوق؟ - التقصير من الجامعات يكمن في تطوير الأداء، وهذا يعني أن الخريج والخريجة عندما يخرجان على المجتمع يكونان مؤثرين مختلفين لهما إيجابيات كثيرة في حياتهما ولذلك قلت فيما سبق أن الكشافة تؤدي هذا الجانب، حتى الطلاب في الأقسام العلمية يتعلمون ولكن بشكل مخالف جدا لواقع الحياة. • هذا يعني أن تعليمنا يجب أن يتحول للجانب التطبيقي؟ - بدون شك فتعليمنا ينبغي أن يكون تطبيقيا، وكمثال طالب التحق بقسم القضاء فهو ينبغي أن يأخذ من العلوم الشرعية ما ينفعه ويؤهله لأن يكون قاضيا في المستقبل وبذلك يجب أن يتعلم ويحضر جلسات ويشارك في النقاشات ونفس الطريقة في جميع التخصصات، والتكلفة ليست سببا للتقصير لأن لدينا ولله الحمد المبالغ متوفرة، لكن كفاءات الأساتذة والمدربين الذين ينبغي أن يدربوا لكي يقوموا بهذا الدور، وكل شخص عندما يقوم بواجب التدريس فقط فهذا لا يكفي، يجب أن يتفاعل المعلم مع الطالب والمجتمع ومع البحث العلمي والتطوير ولذلك نحن في حاجة إلى نقلة نوعية في التعليم من الابتدائي إلى الجامعي. • هذه عملية معقدة يا دكتور؟ - العملية ليست سهلة فأنا أعتقد أن علينا البدء من مدارس الصغار الروضة والتمهيدي وننشئ مدارس نموذجية وشبابا نموذجيا ونبدأ بالتدريج وفي خلال عشر أو خمس عشرة سنة نكون قد أحللنا الطريقة القديمة في التعليم بتعليم جديد حديث متطور تطبيقي يلبي متطلبات المجتمع ويتواكب مع العالم، وبعض الناس يقول أنا لست معزولا أنا أتعايش مع عالم خارجي مثلا نأخذ كتابا من جامعة هارفرد لكن هل النتيجة ستكون انسجام المنهج مع المجتمع وهل الكتاب متواكب معه ومؤثر فيه أو مجرد كلام نظري فهذه نقطة مهمة، ونحن الآن في جامعة الملك عبدالعزيز أتينا بلجان وأساتذة ودكاترة من مختلف أنحاء العالم وأخدنا منهم المناهج المثلى وطبقت لكن ما زالت الروح التي يجب أن نبعثها في نفوس شبابنا غير متوفرة، وينبغي أن تكون لدينا الشجاعة للاعتراف بأن لدينا نقصا كبيرا. • هل أفهم من كلام معاليكم أن المدارس الخاصة اليوم أفضل من الحكومية؟ طبعا التعليم الخاص أفضل من المدارس الحكومية، لأن لديهم حرية كبيرة ويختارون أيضا الكفاءات التعليمية المتميزة، وبالمقارنة بين خريجي المدارس الحكومية والخاصة سنجد أن الفارق كبير، وأعتقد أن السعودة في المدارس الحكومية أضرت كثيرا لأنها جاءت بشباب مع احترامنا لهم ليس لديهم الخبرة واعتبرها الكثيرون وظيفة فقط يطرح الدرس كيفما اتفق بدون تركيز أو تطوير وبدون عمق. • إذن أنت مع خصخصة التعليم؟ - أعتقد أننا يجب أن نخصخص التعليم كله من الابتدائي بجعله كطريقة التعليم الخاص فربما إذا نجحنا في ذلك نتقدم خطوات إيجابية إلى الأمام. • هل تتابعون ما تبثه الفضائيات العربية في رمضان؟ - ليس لدي تركيز لمتابعتها فما فيها من مسلسلات سيئة وسيئة للغاية تهدم ولا تبني وتخرب ولا تربي، ومما يؤسف له أنها أصبحت بالنسبة لكثير من أسرنا وأبنائنا هي السائدة والمقبولة وتلك النكتة التي ذكرت في اليوتيوب «بابا إيش يعني تتسلسل الشياطين في رمضان قال له: شوف المسلسلات». • لماذا فشلت تجارب الحكم التي رفعتها الحركات الإسلامية في أفغانستان والجزائر ومصر في كسب تعاطف الشعوب معها؟ - هي فشلت وأفشلت، لأن المؤامرات الخفية والمؤامرات الظاهرة وتكالب جهات الفساد والقوة وإظهار المظهر البريء، والأهم من ذلك أن نستفيد من درس هذه الحركات فشبابنا ينقصه العلم وتنقصه الأخلاق وتنقصه مبادئ الإسلام ولا يعرف شيئا وهو معذور فعلا، فأي مدرسة في مصر أو غيرها ما لم يكن المدير حكيما فالمناهج كلها لا تؤدي إلى تخريج شباب متعلم مثقف بالمعنى الحقيقي ويعرف أمور دينه ودنياه ويتمثل بالأخلاق، وقد سألوني عن السبب في ظهور جماعة التكفير والهجرة، فقلت: إن السبب يكمن في حرمان الأولاد من التعليم الحقيقي، حتى الصلاة والعبادات وما شابه ذلك تعطى بطريقة متكلفة ولا تغرس فيه الأخلاق والمثل والسلوك، فلذلك نحن لا نضع اللوم على الشباب بل نلوم المسؤولين عن تأسيسهم، حتى مع احترامي للمتخرجين من جامعاتنا ليس لديهم علم ولا ثقافة ولا أدب ولا أخلاق، يعني بالعادة المجتمع مؤدب والترابط العائلي ما زال موجودا، لكن إذا تعمقت فيهم لا يملكون شيئا، ولن تجد الأمة الإسلامية طريقها إذا لم تعط التربية إهتمامها البالغ، فالتعليم بدون تربية لا قيمة له، فالولد بيذاكر ويصم ويروح، لكن يجب علينا تربيته وتقوية عزيمته وتدريبه على الصبر وتحمل مصاعب الحياة، التربية ثم التعليم هذا هو ما ينفعنا في المجتمع ومتى ما أصبح التعليم خادما للتربية فإنك لن ترى آلات وليس بشرا كما يحدث الآن، ونحن يجب علينا أن نخدم ديننا ونكون قدوة للآخرين، كما يجب على أبناء المسلمين تعلم العلوم الشرعية بجوار العلوم المدنية وأن يتخصصوا فيهما بحيث يجد الطبيب والمهندس والاقتصادي من علوم الدين ما يؤهلهم ليحملوا راية الإسلام في المجتمعات التي يعملون بها، فالإسلام دين علم، وعصرنا هذا يحتاج إلى قوة تؤثر فيه، ولن يكون للمسلمين أثر في عصرهم الحالي ما لم يتزودوا بقوة الإسلام وعلومه وعلوم العصر، إن الكثير من المجتمعات الإسلامية دبت فيها عوامل الضعف والفساد عن طريق مناهج التعليم التي وضع أسسها المستعمرون أعداء الإنسانية والدين. • كنموذج واقعي لغياب التربية الدينية رغم سلامة الهدف الجهادي ما حدث للمجاهدين الأفغان فهم ما زالوا حتى اليوم رغم كل ما حدث لم يتفقوا؟ - في تلك الفترة كنت أمينا عاما لرابطة العالم الإسلامي فاجتمعت بهم كثيرا وأوضحت لهم أن الاختلاف بينهم سوف يؤدي إلى آثار سلبية على المدى القريب وهذا ما حدث، فلو اتفقوا لكان الوضع مختلفا، فكان لدى الرابطة اهتمام كبير بموضوع توحيد المجاهدين من ناحية وتوفير المواد الإغاثية للمهاجرين الأفغان في بيشاور وغيرها كذلك من جهات أخرى خيرية. • هل كان الخلاف بينهم عقديا أم انتماء حزبيا في رأيكم؟ - من أسباب ضعف المجاهدين وعدم قدرتهم على توحيد صفوفهم اختلاف مواقف القادة فيمن هو الأفضل في قيادة البلد فمثلا أن «الأخ حكمت يار» يرى أنه الوحيد الذي يستطيع أن يطبق الشريعة ويحكم البلاد، وبرهان الدين رباني، رحمه الله، يرى كذلك أنه هو الأولى بحكم البلد، وعبد الرسول سياف كذلك، فالشيطان وجد عليهم مدخلا من هذه الجوانب، فكل واحد يرى أنه الأولى، لأن في مقدوره تطبيق شرع الله في البلاد، فسبعة أو ثمانية رؤساء هيئات جهادية كانت موجودة في الساحة كل واحد يرى أنه الأولى والأحق، وأنه الذي يستطيع أن يحكم البلد وأن من عداه غير قادر على ذلك، فهذه مشكلتهم الكبيرة التي كانت السبب في عدم توحيد الصف وجمع الكلمة والخلاصة التي نخرج بها من هذه التجارب أن من يخالف سنن الله تعالى فلا يمكن له النجاح، وهناك آيات وأحاديث توضح أهمية توحيد الصف وجمع الكلمة والتعاون على الخير فإذا خالفوها يخالفون سنن الله تعالى. • الكل يتساءل.. متى تعود المنظمات والروابط الإسلامية إلى دورها الحقيقي الذي غابت عنه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر؟ - كل المؤسسات التي كان لها دور كبير تؤدي دور التربية في المجتمعات، فالرابطة كان دورها إدخال التربية في حياة المجتمعات، فكان المدرسون والشيوخ تعمل لهم دورات تدريبية ومخيميات توعوية، فهذه كلها عوامل إيجابية لتطوير المجتمعات وتقليل السلبيات، والآن أشغلت وأنصرفت عن مهمتها واكتفت بالحد الأدنى من الحوارات والمؤتمرات، وأعتقد أن من الضروري جدا أن تقام ورش لتطوير الأداء والنظر إلى التطوير وإشراك آراء الناس في القرار، ينبغي أن يكون القرار على مستوى العاملين ومستوى الذين لهم رأي في القرار ليتبينوا صورة التحرك في المستقبل. • ما زلت أمينا عاما للمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة الذي أنشئ منذ 25 سنة ومقره في مصر ولكننا لا نلمس له وجودا حقيقيا أيضا؟ - هدف المجلس تنسيق العمل الدعوي والإغاثي، وقد بدأنا بداية طيبة واشترك في عضوية المجلس نحو 120 هيئة صغيرة وكبيرة، لكن نقطة الضعف تكمن في غياب التنسيق، فنحن عندنا قبلية مستترة، فالإنسان ولاؤه للقبيلة، وأكبر همه امتلاك الإمكانيات التي يملكها، فكونه ينسق فإنه سيعطي بذلك بعض الأسرار وبعض الأفكار مثل الأقساط. هذا الشعور الذي يسيطر على الأشخاص جعل عملية التنسيق ضعيفة أو معدومة. • ما زلت أمينا على تفليسة الأجهوري التي مضى على صاحبها سنوات في السجن ومات كثير من أصحاب حقوقها ولم تحل حتى الآن؟ - تم حل ما يقارب 60% من حقوق المساهمين، فقد طلبنا من المقام السامي أرضا للأجهوري مساحتها تقريبا مليون متر مربع وتم بيعها وأعطينا 50% من حقوق المساهمين وأكثرهم توفي فأصبحنا ندفعها للورثة أو نضعها في بيت المال في انتظار مستحقين آخرين ما زلنا نعلن عن رغبتنا في الوصول إليهم ولم تصلنا منهم أية وثائق. • وماذا عن الأجهوري صاحب المشكلة؟ - الحقيقة أن الرجل رغم كل ما حدث غير متعاون حتى الآن. • من خلال رؤيتك لأهمية التعليم فقد انتقلت مشاكل الخلافات بين الفرق والأحزاب الدينية إلى مدارس المسلمين في الغرب فأحدثت مشاكل لا حصر لها ومواقف حكومية معلنة ضد الإسلام.. كيف يمكن أن ننأى بالتعليم بعيدا عن خلافاتنا الدينية والمذهبية؟ - بلجيكا من الدول التي تستحق العناية فهي من الدول التي تعترف بالدين الإسلامي كدين ويدرس في مدارسها بأساتذة معينين من قبلها، وتدفع لهم الرواتب، وفي إحدى زياراتي لها دهشت عندما رأيت الطلاب ينقسمون في الدروس الدينية حسب معتقدهم، فالكاثوليك في مكان، وبروتستنت في مكان، والمسلمون في مكان ومن أغرب ما رأيته في حياتي أن اللائكيين العلمانيين لهم دروس، فلهم فصول دراسية دينية يعلمون في هذه الفصول اللادين، فتعجبت من ذلك، ولعل البلد المشابه لبلجيكا هي «النمسا» فالدولة تعترف بالدين، ويدرس في مدارسها وتمول الدولة المدارس الإسلامية وتدفع رواتب المدرسين، ولهم نفس المشاكل الموجودة في بلجيكا، وأغلبهم أتراك ومغاربة، وقد حاول الدكتور عبدالله المصلح في ذلك الوقت الذي كنت فيه أمينا عاما للرابطة جمع كلمتهم وبذل في ذلك جهدا كبيرا وقال لهم: «نحن نجتمع على ما اتفقنا عليه، ولا ندخل في تفاصيل الاختلافات»، ونتيجة لتلك الجهود أصبح لهم تيار واحد يجتمعون تحت مظلته ألا وهو «المجلس الإسلامي الأعلى»، وكذلك السويد، وهي وإن لم تصل إلى ما وصلت إليه الدول التي سبق ذكرها آنفا، ولكنها تدعم العمل الإسلامي بطريقة غير مباشرة، وتشجع على توحيد كلمة المسلمين، ومثلها الدنمارك، ولكن كلمة المسلمين هي المشكلة، كما أن المهاجرين الجدد من الصومال والعراق أوجدوا مشكلة جديدة ولكن بصفة عامة الإسلام هناك بخير. • إلى أي مدى ساهمت المناصب التي توليتها في توطيد علاقتك برؤساء الدول وتسهيل أمور المسلمين فيها؟ - العلاقات السياسية لها دور كبير في خدمة الإسلام والتقريب بين الدول، نحن لا نعمل علاقات سياسية بدون فائدة، وكانت علاقتي ببعض رجال السياسة بدأت قبل أن أكون في المؤسسات الرسمية بحكم انتمائي الى الكشافة في وقت مبكر، وتوسعت تدريجيا بعد أن عينت أمينا عاما للرابطة، فالأمين العام للرابطة بحكم منصبه يزور الدول لمناسبات مختلفة أكثرها تفقد أوضاع الأمة الإسلامية، ومشاركة المسلمين مناسباتهم، وتتخلل ذلك زيارة الرؤساء والحديث معهم في أمر المسلمين لتسهيل أمرهم، خاصة في بلاد الأقليات، وفي اللقاءات التي أجريها مع الرؤساء أتناول موضوع تطبيق الشريعة الإسلامية بطريقة تناسب عقلية المتحدث إليه، لأني وجدت المجلس التأسيسي للرابطة يصدر قرارات في كل سنة يدعو فيها الدول الإسلامية لتطبيق الشريعة، دون شرح لأي استراتيجية أو تدرج في التطبيق، فمن هنا كنت أتحدث معهم في موضوع تطبيق الشريعة، وكنت أكتفي بتقديم دعوة مفتوحة لهم للاستفادة من الأدبيات الموجودة لدى الرابطة، ومن العلماء والمفكرين الذين يمكن أن يساهموا في الشرح والتوضيح، كما أن أحدا من هؤلاء الزعماء والرؤساء الذين فاتحتهم في هذا الموضوع لم يسألني كيف نطبق الشريعة، ولكن يقولون: «نحن دول إسلامية، ومستعدون لتطبيق الشريعة الإسلامية...» إلى آخر كلام من هذا القبيل.. ولم تكن عندي خطة جاهزة لأقدمها لهم، وأطالبهم بتنفيذها، فالرابطة قبل مجيئي حاولت صياغة مشروع الدستور الإسلامي لكن صياغة الدستور جزء من تطبيق الشريعة، فالصياغة تأتي من فوق، ونحن نريد أن نبدأ من تحت، أي من الأساس، وذلك بوضع قواعد لإصلاح المجتمع عن طريق مناهج التعليم وتدريب الدعاة، ورجال الإعلام لكي يقوموا بدورهم في إصلاح المجتمع، ويهيئوا جوا ملائما للأجيال الجديدة، لاستيعاب متطلبات تطبيق الشريعة الإسلامية، كما كنت أتناول معهم بعض القضايا التي أراها تخدم المجتمع الإسلامي في تلك الدول، وهذه الأمور تختلف من بلد إلى بلد حسب الظروف والبيئة وحسب الأولوية. • هذا يعني أن العمل الدعوي ليس وظيفة كما يراه البعض الآن؟ - إن الإسلام منهج متكامل يسعى لأن يعبر الإنسان عن إيمانه وتقواه بطريقة عملية، فلا يكون منعزلا في بيته، أو شعب من الشعاب، ثم يقول إنه قدوة حسنة، وإنما ينبغي له أن يخرج إلى المجتمع، ويمارس فيه الإسلام، ويحاول أن يثبت عمليا أن أحكام دينه كاملة وشاملة لكل جوانب الحياة الإنسانية والتعليمية والاجتماعية والسياسية والثقافية ونحوها، وخدمة الإسلام ليست حكرا على أحد.. فالله يفتح للمؤمن آفاق عمل لم يكن يحلم بها بصرف النظر عن تخصصه وخلفيته عسكريا كان أو سياسيا، أو أكاديميا، أو غير ذلك، فهناك بعض الضباط المتقاعدين في مصر والسودان وبعض البلاد العربية يعملون في مجال خدمة الدين لأنهم يتقاعدون مبكرا، فمن فتح الله عليه ينخرط في العمل الإسلامي، ويصبح له مكان حتى في المملكة العربية السعودية كثير من رجال الدعوة عساكر أو ضباط سابقون.