نفى رائد مسرح الطفل في الخليج العربي الدكتور عبدالله حسن آل عبدالمحسن وجود أدب حقيقي للطفل يهتم بقيمه ويعزز من تفكيره، قائلا «يجب على المثقفين والكتاب والوزارات، وخاصة وزارة الثقافة والإعلام، وكذلك وزارة التربية والتعليم تشجيع الكتابات التي تزرع في الطفل الآداب الرفيعة». وحذر من ترجمة القصص الغربية للأطفال لتعارضها مع القيم والعادات، كسندريلا ونحوها، قائلا القصص الحالية لا تضر بالقيم فقط، بل يسهم أسلوبها العقيم في عدم دفع الطفل إلى التفكير الصائب أو استنتاج الحلول. وأوضح أن قصص الأطفال في المناهج الدراسية يغلب عليها الطابع الوعظي، مطالبا بأقسام أكاديمية تتبنى فكرة الكيفية والطريقة الصحيحة للكتابة للطفل، ومشيرا إلى أبرز إشكالات أدب الطفل في المشهد الثقافي السعودي.. وذلك عبر الحوار الذي أجرته «عكاظ»: في البدء، هل هناك أدب للطفل؟ وما طبيعته؟ أدب الطفل ليس له تعريف مستقل، بل يندرج في إطار الأدب العام، وهو جزء منه، وهو ينفرد في جمهوره، وقد يختلف نظرا لاختلاف العقول والإدراك، وكما يراه الدكتور نعمان الهيثي بأنه مجموعة من الإنتاجات الأدبية للأطفال التي تراعي خصائصهم وحاجاتهم ومستويات نموهم. وبهذا يختلف عن الراشدين والكبار في عدد من الأمور، أبرزها: بساطة الفكرة واللغة والمفردات، أن يكون ذا معانٍ حسية يستطيع الطفل إدراكها، له صلة بخلفية الأطفال وبعصرهم وعلاقاتهم الأسرية. كيف ترى مسيرة أدب الطفل في الحراك الثقافي السعودي؟ هل هناك اعتراف به؟ لا يوجد أدب حقيقي للطفل، وهذا يحتم على المثقفين والكتاب والوزارات، وبخاصة الثقافة والإعلام والتربية والتعليم، تشجيع الكتابات التي تزرع في الطفل الآداب الرفيعة، والواقع أن مسيرة أدب الطفل في الحراك الثقافي السعودي يحبو لعدم وجود جهود ثقافية أو إعلامية متخصصة لرفع مستواها الثقافي والمعرفي للطفل، وقد اقتصرت معظم الجهود على مؤسسات الدولة بأنواعها المختلفة فنتج عن ذلك مردود ضعيف، لا يتكافأ مع حجم المشكلة وخطورتها، وفي المقابل، نجد أن بعض دور النشر والتوزيع وكذا المحاولات الفردية تفرز إنتاجا لا يؤدي الهدف من أدب الأطفال، بل وجدنا من قام بمبادرات فردية تلاشوا لافتقارهم إلى التشجيع الذي يدفعهم إلى الإصرار حتى النهاية. نقرأ عن مشاريع للكتابة عن الطفل، ولم نر صدى واضحا! ما السبب؟ أدب الطفل أداة مهمة لبناء شخصيته، وجميع الدول تعترف بأهميته، وقد قامت بعض الدول وفقا لما جاء في المنظمة العالمية لليونسكو بتخصيص أجنحة خاصة لكتب الأطفال في مكتبات العالم العامة والخاصة، كما درسوا مادة: أدب الأطفال في كثير من كليات وجامعات العالم، وعقد عدد من الندوات الخاصة بأدب الأطفال في أنحاء العالم عامة، كما عقد في بلادنا العربية عدد من الندوات، لكنها للأسف لم تستثمر تلك المناشط، ومرجع ذلك عدم وجود أجهزة متخصصة لأدب الطفل، وانفصال المؤسسات التعليمية والاجتماعية والثقافية في القطاعين العام والخاص، وانخفاض تمويل الكتابات الأدبية للأطفال في كل البلاد العربية، لذا لم نر إلا المشاريع القليلة التي تشرع في الكتابة للطفل وتسعى في الاهتمام به. هل الكتابة للأطفال لها إقبال أم هناك تعالٍ؟ أرى أن هناك إقبالا على قصائد الأطفال من قبل الكتاب والشعراء، وقلة تلك التي تكتب القصة للطفل، وأقل منه في مجال مسرح الطفل، والسبب ليس التعالي، وإنما صعوبة الكتابة للطفل، إذ تتطلب من الكاتب التعرف الواعي على مراحل نمو الأطفال، لأن لكل مرحلة خصائصها، سواء من ناحية المستوى اللغوي أو مستوى التحصيل المعرفي والخبرات والتجارب والأحلام. وهناك أيضا أسس نفسية تتمثل في قياس استعداد الطفل للاستفادة من الأدب، وكيف يتمكن الأديب أن يكيف الأهداف الأدبية، فيقدمها للطفل بالصورة التي تلائم تفكيره. وقال الدكتور أحمد حتورة: إن إعادة صياغة عمل أدبي للأطفال ليس بالأمر الهين؛ لأن الكتابة للأطفال من الفنون الصعبة،.. فالأديب الذي يكتب للأطفال يراعي شروطا، كما تقول أندريه شديد: الكتابة للطفل تحمل نقيضا يستحق التوقف عنده، فبقدر ما يقل عمر الإنسان بقدر ما تصعب الكتابة له والدخول إلى عالمه الخاص. ويقول الأستاذ أحمد نجيب: كاتب الأطفال عملة نادرة ينبغي تشجيعها والحفاظ عليها. وبحكم خبرتي التي تصل إلى نحو 40 سنة في الكتابة للأطفال، أرى أن مسألة الكتابة للصغير تتسم بصعوبتها، حيث تتطلب إمكانات خاصة في الكاتب ومعايشة الجو للطفل ومعرفة اللغة والقدرات، وأقول بكل صراحة: الأديب مهما تخصص أو اهتم بالطفل لا يسلم من الانتقادات والثغرات. وأرى أن الكتابة للطفل ينبغي أن تمر بجملة أهداف ومحطات حتى يتمكن الكاتب من تجاوز المنزلقات. هل ترى ضرورة إيجاد أقسام أكاديمية في الجامعات السعودية لتبني فكرة الكتابة الصحيحة في أدب الطفل، على غرار ما هو موجود في جامعة الملك عبدالعزيز؟ بالطبع، لا بد من إيجاد أقسام أكاديمية في الجامعات السعودية والكليات لتبني الطرق الصحيحية في الكتابة للطفل. هناك من يطالب باستيراد التجربة الغربية في الكتابة للطفل، ألا ترى ذلك خطرا واضحا على عقلية المتلقي؟ التأليف للطفل منحصر بين تراث الماضي، ومسايرة المتغيرات الاجتماعية والسياسية، وبهذا نجد عدة اتجاهات في الكتابات للأطفال، وأرى أنه يجب أن ننسج أدب الطفل بما يوافق عقيدتنا، وفلسفة الشعب العربي، أما التجربة الغربية في الكتابة للطفل فتشكل خطرا على عقليته، ومن هنا وجب التنبه للقصص المترجمة التي تأتينا من الغرب أو الشرق. نلحظ أن هناك شبه اندفاع للكتابة للطفل، فهل هدفه الربح المادي أكثر من كونه هدفا معرفيا إثرائيا؟ لا أنكر محاولة الربح التجاري للكتاب الذين يعانون من الإفلاس الفكري، كترجمة قصص البساط السحري وسندريلا والعفريت والسندباد البحري، وهذه القصص تتعارض مع القيم، كما أن أسلوبها عقيم، وهي مرفوضة لما تحمله من مضامين وقيم سلبية، وأرى أن الأدب للطفل يجب أن يعلن منذ البداية صفته «الأدبية» من خلال اعتماد شكل أدبي معترف به (مسرحية، قصيدة، قصة)، والتي يقدم فيها الكاتب معلومات بأسلوب فني قادر على تحريك مشاعر الطفل وعلى تعريفه بعالمه ومجتمعه. ما الحل لجعل أدب الطفل يحقق نتائجه المأمولة؟ يفترض لكي يؤثر الأدب في وعي الطفل أن يكون الأدب نفسه واعيا، وهذا يتحقق بوعي العاملين في حقل أدب الأطفال، ولا بد أن نعلم أن ولادة أدب الأطفال في مجتمعنا العربي كانت مشوهة، فانعكس ذلك على الطفل العربي، لذا جاءت كتب الأطفال التي تملأ المكتبة العربية بعيدة عن ذائقة طفلنا وحاجته الذاتية والنفسية، ومرجع ذلك إلى الكتب المترجمة التي يختلف مؤلفوها عن مجتمعنا في القيم والعادات، ما جعلها غريبة عن أطفالنا وفشل الوصول لعقلية الطفل، فالكتابة للطفل في مجتمعنا تكلف صبرا وبراعة، ومعرفة بالقيم واستعدادات لفهم وهموم الصغير، فلا بد أن يكون للأدب دور في التشجيع على الإبداع وتنمية القدرات. أخيرا، ما تقييمك لقصص الطفل حاليا؟ بعض القصص جيدة تراعي البساطة والأسلوب اللغوي المناسب للحبكة والموضوع؛ كي توقظ حواس الطفل، وهناك قصص سيئة لا تصلح للأطفال، وهي كثيرة، لما تحويه من بشاعة وقسوة وخوف وفزع، ولما تتضمنه من مخالفة للمعتقدات أو القيم أو تشوه العلاقة بين الطفل وأسرته ومجتمعه.