في الوقت الذي ركب فيه الكُتاب الشباب موجة كتابة الرواية التي تتعاطى مع التابوهات الدينية والاجتماعية، بحثاً في الغالب عما يقدمه هذا الجنس الأدبي الذي تسيّد المشهد الأدبي في السنوات الأخيرة، من شهرة، ينحو القاص الشاب علي المجنوني منحى آخر في الكتابة الروائية تتمثل في «رواية للأطفال» أصدرها أخيراً بعنوان «إجازة الشمس» كأول رواية سعودية موجهة للأطفال. يرى المجنوني أن أدب الطفل في المملكة شحيح، وما يقدم لمكتبة الطفل من قصص وكتيبات غير كافٍ، ويطالب بالالتفات إلى الطفل وعدم الاقتصار على الترجمات من آداب الشعوب الأخرى. وفي مايلي حوار ل «الحياة» معه حول روايته وأدب الطفل عموماً. لماذا رواية للأطفال؟ لماذا لم تمض مع موجة الرواية للكبار في زمن يسميه كثيرون «زمن الرواية» ومنذ متى راودتك فكرة «إجازة الشمس»؟ - لأن فكرة العمل حينما خطرت ببالي أول مرة، قلت لنفسي هذه رواية أطفال، ثم شرعت في كتابتها. ظننت أن أفضل وعاء يمكن أن يحويها هو رواية للطفل، وعلى أساس هذا الظن كانت الرواية. لا أتذكر متى ولدت الفكرة في رأسي، لكني أتذكر أني كنت أعالج فكرة بخصوص الظل حينما انبثقت. ثم استغرق مكوث الفكرة في ذهني أكثر مما استغرقت كتابتها، وهذا ما يحدث معي عادة. الغريب أن مسار الأحداث تحوّل حين كتابة الفكرة، ولم يعالج أبداً الفكرة التي كانت شرارة العمل، ولن أعتبر الرواية فيما لو كتبتها للكبار انجرافاً مع الموجة، بل لأن الفكرة استوجبت أن تكون في قالب روائي بشكل معيّن. ربما تكون روايتك هي أول رواية محلية توجّه للأطفال. كيف ترى الأصداء التي وصلتك حولها؟ - أزعم ذلك، وهذا الشيء بقدر ما يكون مدعاة احتفاء، بقدر ما يضع العمل على المحك. فمن السيئ جداً أن يُبدأ بعمل أعرج أو ليس جيداً بما يكفي. كانت بلا شك مغامرة لم أعِ أني أخوضها إلا حينما فرغت منها. وبخصوص الأصداء التي وصلتني حول العمل لا أستطيع قياسها، ربما لأني لم أحمل تصوراً مسبقاً كيف ستكون، على رغم أن تناول العمل بالنقد والقراءة ينعكس عليه بلا شك، ويفضي إلى صقل تجربتي الشخصية. وممن التفت إلى الرواية وألقى بعض الضوء عليها عبدالحفيظ الشمري، كما علمت أخيراً أن الدكتور ماهر الرحيلي بصدد إجراء دراسة حولها. لكن أجمل ما وصلني حتى الآن، ردود الفعل التي حمّلها الصغار آباءهم وأمهاتهم إليّ. كيف ترى أدب الطفل في المملكة؟ هل لدينا ما يمكن أن يسمى بأدبٍ موجّه له؟ وهل لديك تصورات بشأن تشجيع الاطلاع والقراءة لدى الأطفال؟ - شحيح جداً، للأسف. ولا أدري عن الأسباب، مكتبة الطفل لا تزال فقيرة، والأدب الموجّه للطفل في غالبه كتيبات لا تتجاوز تدريب الطفل على القراءة. لجبير المليحان إسهام مهم في مجال القصة القصيرة للطفل، وكذلك لعبده خال. لكن ذلك غير كافٍ، إذ يستحق الطفل أكثر. ولكي يقرأ الطفل لا بد أن نورّثه هذه الأداة، وأن نكتب له أيضاً. فالكتابة له وتناول عالمه بجدية، نوع من رد الجميل للطفل الذي عشناه فترة من الزمن ثم غادرناه سريعاً. أعتقد أن الوقت قد حان لنلتفت إلى الطفل، وأن نوليه اهتماماً لائقاً، وألا نقتصر على المترجم من آداب الشعوب الأخرى، لأننا حينما نهتم بالطفل فإننا نهتم بالإنسان ونبنيه على نحو فاعل ومنتج، خصوصاً أن الكتابة من أصدق الوسائل للتعبير عن الذات، وتقديم صورة ممثِّلة عن الموروث الشعبي والتاريخي والاجتماعي للفرد والمجتمع، وأقدرها على نقل الثقافات وتحقيق قدر من المعرفة التي تنمو بالإنسان وتساعده في إعمار الأرض بشكل يخدمه ويخدم الأجيال التي تأتي من بعده. ولهذا فإن الكتابة للطفل تفتح جسوراً ضرورية للتواصل مع هذا الإنسان في كل مكان. تكتب القصة القصيرة ولديك مجموعتان فيها. كيف استطعت أن تكتب بلغة قريبة من الطفل ومختلفة تماماً مع أسلوبك في القصة القصيرة؟ - لا أعتقد أن المسألة من الصعوبة بمكان، خصوصاً أن العمل في محيط السرد. إن كان من صعوبة فمردّها إلى طبيعة الكتابة للطفل، والناتجة من اختلاف طريقة تفكيره عن تفكير النسخة الكبيرة منه. فاللغة لا بد أن تكون مناسبة ومركزة وواضحة، بعيدة عن الغموض والتكلف. كما أن الصور لا بد أن تكون مقبولة، ولا بأس من احتوائها على قسط من التحدي. والتكرار يجب أن يستخدم بعناية بعيداً عن الملل. كما أن جميع عناصر العمل الموجّه للطفل يجب أن تتناسب مع معطيات السن المستهدفة واهتماماتها وقدراتها العقلية وخبراتها الحياتية، ولهذا فالكتابة للطفل تتطلب من الكاتب قدراً كبيراً من الوعي والانتباه لخصائص هذه الفئة العمرية وطريقة تفكيرها وما إلى ذلك من محددات. أيضاً من الأشياء التي يمكن اعتبارها صعوبات عند الكتابة للطفل ندرة النماذج التي يمكن الاستئناس بها، خصوصاً في العالم العربي. حتى هذه النماذج تكاد تكون في غالبها قصصاً للأطفال أو كتباً. ما أعنيه هو ندرة أعمال يمكن أن يطلق عليها رواية للطفل. وقد أتاحت لي الفرصة الاطلاع على تجربة الكاتب المصري طارق عبدالباري في روايته «ملك الأشياء»، والتي هي أول رواية عربية مصرية للأطفال تُترجم إلى لغات عدة، ما دفعني للمضي قدماً في استكمال مشروعي. هل لدى علي المجنوني مشروع روائي يكون هذه المرة للكبار وليس للأطفال؟ وهل يمكن أن تكرر تجربة الكتابة للأطفال مجدداً؟ - دعني أبدأ بالإجابة عن الشق الثاني من السؤال وأقول: أتمنى أن أكرر هذه التجربة. مهتمّ أنا بالكتابة للطفل وقد كتبت قصصاً قصيرة عدة لم تنشر بعد. أما عن الشق الأول، فنعم. لديّ مشروع روائي أحرص على أن يتميز بما يتميز به الأدب الناجح: الإمتاع والتأثير، وقد يؤخر صدوره هذا الحرص، ما يجعل الحديث عنه مبكراً.