بعدما أحرقت ساحات الاعتصام في سامراء والرمادي والفلوجة وباقي المدن العراقية المطالبة بإطلاق المعتقلين وإلغاء قانون الإرهاب وطالبت برحيل رئيس الحكومة نوري المالكي على خلفية اقتحام قواته ساحة الاعتصام في الحويجة التي راح ضحيتها المئات بين قتلى وجرحى، يكون الحراك العراقي قد دخل مرحلة جديدة، متخذا منحى استراتيجيا جديدا في مساره وكأنما يريد القائمون على هذا الحراك العشائري في المحافظات المنتفضة أن يقولوا كلمة مفادها إنهم يدركون حجم المرحلة التي سيقبلون عليها. وذلك بعدما ألقت دماء مجزرة الحويجة بثقلها على مسار الاعتصامات وأنهت سلميتها، بحسب ما أكده خطباء ساحات الاعتصامات في المحافظات الستة المنتفضة، إذ لم يعد هنالك أية مطالب للمتظاهرين والمنتفضين، مؤكدين أن حقوقهم تنتزع ولا تعطى، الأمر الذي دفعهم إلى تشكيل جيش من العشائر لحماية مواطنيهم ولمواجهة ميليشيات المالكي القادمة من إيران ومن ثمة تحرير العراق من الديكتاتورية مؤكدين أنه ما لم يتم استبدال المالكي بحاكم يوافق عليه أهل السنة فهم متجهون إلى حكم أنفسهم بأنفسهم. هذا الحريق كان متوقعا بعدما أدى حكم نوري المالكي إلى تمزق على مستوى المجتمع والكيان، وذلك بعدما عجز الحاكم عن تلبية الضرورة الوطنية التي انتهت أخيرا إلى تكريس الأزمة، والتي هي في الأساس نتاج حالة طائفية مأزومة. ولكن ما هو ليس متوقع، ألسنة اللهب! وإلى أين يمكنها أن تمتد وعلى ماذا يمكنها أن تأتي؟ فالمالكي لم يكن ليتنبه أن حرمانه الطائفة السنية أحد المكونات الأساسية من المشاركة الفعلية في السلطة، (هذا إذا ما أشرنا إلى تفكك التحالف الشيعي الذي يعيش في دوامة تنازع المكاسب) يمكنها أن تشعل سفينته التي كشف مسارها بأنه يقودها وحده مشمرا عن ساعديه صارخا متحديا أن العراق لا يتسع لغيره وما على الآخرين سوى تأدية الواجب والطاعة. هذا الحريق الذي أتى على صبر سنة العراق عموما وعلى سفينة المالكي خصوصا لا علاجات سحرية له، فالعراق لم يعد يحتمل أدوية مستوردة لتضميد جراحه وجراح أبنائه، فبعدما كان العلاج التقليدي «أي الحوار» لو صدقت النوايا بتخلي الحكومة عن توجهاتها الطائفية «فعالا» ولو لفترة من الزمن، اليوم لم يعد يجدي نفعا لأن صدر المالكي كاد يضيق، فهو لا يجيد الحوار في الوقت الذي كثرت فيه المطالب وطالت مدة الاعتصام، فتحرك أمنيا دون أن يحسب لخطوته أي حساب في بلد يتضخم فيه الاحتقان الطائفي. ولكن لا بد من القول إنه مازال بالإمكان محاصرة هذا الحريق وإبقائه سياسيا، وإسعافه عبر وصفة داخلية يقوم بتركيبتها أبناؤه عن طريق الانتخابات النزيهة وتتم عبر صناديق شفافة يمكنها أن تلفظ أي صوت انتخابي مزور.