سياسيا: تعتبر القمة العربية التي تبدأ في الدوحة اليوم بمثابة اختبار للإرادة المسؤولة أمام كافة دول وشعوب العالم وفي مقدمتهم الشعوب العربية التي تنتظر قرارات عربية قوية وحازمة وحاسمة تجاه سلسلة من القضايا الساخنة وفي مقدمتها الوضع السوري المتعاظم الخطورة بكل تشابكاته وانعكاساته الراهنة والمستقبلية.. وكذلك التدخلات الإيرانية في المنطقة ودورها في تأجيج الأوضاع الأمنية ودفع العرب إلى المزيد من التناحر والاختلاف بهدف إضعاف الجميع وتسيد المنطقة بالكامل.. إلى جانب بحث كافة المستجدات المرتبطة بعملية السلام العربية الإسرائيلية ولا سيما في ضوء زيارة الرئيس الأمريكي أوباما لكل من إسرائيل والضفة الغربية والأردن.. وإن كان على جدول الأعمال موضوع إصلاح الجامعة العربية وإعادة بناء مؤسساتها وزيادة فاعليتها.. بالرغم من عدم ملاءمة الظرف لتناول هذا الموضوع في هذا الوقت بالذات لاعتبارات عديدة يرد في مقدمتها عدم توفر البيئة السياسية الملائمة للتوصل إلى تصور مشترك في هذا الموضوع في ظل الأوضاع العربية الملتهبة الآن.. هذا الوضع الدقيق والحساس يتزامن مع تسلم الدوحة لمهمة رئاسة القمة وهي من الأطراف العربية المنشغلة بالواقع القائم في المنطقة بشكل عام وفي سورية على وجه الخصوص إلى جانب شقيقتها المملكة العربية السعودية التي تواصل جهودها وعلى كل الساحات لإيقاف نزيف الدم هناك وإعادة بناء سورية جديدة بعد إزالة النظام الحالي وتسليم السلطة للشعب.. وليس عبر اللجوء إلى ما هو متداول الآن على مختلف الساحات.. وما هو معروف بالحل السياسي عبر حوار بين المعارضة والنظام.. والمملكة العربية السعودية منذ اللحظة الأولى التي دخل فيها النظام السوري في مواجهة لا إنسانية مع شعبه أكدت على أهمية تغليب مصلحة الشعب.. بعد أن أدركت أن أي حل آخر سوف يفاقم الأزمة.. ويعقدها لاسيما في ظل تدخل أطراف إقليمية ودولية فيها ودعمها لنظام الأسد بقوة، وفي مقدمة تلك الأطراف إيرانوروسيا والصين.. وعندما تتكرر الدعوة الآن إلى «حل سياسي» يجلس فيه النظام مع المعارضة بحضور ومشاركة الأممالمتحدة.. فإن كل الدلائل والمؤشرات تؤكد أمرين هامين هما: أولا: إن نزيف الدم سوف يستمر لفترة طويلة قد يتجاوز معها عدد الشهداء مئات الآلاف والمشردين بالملايين وتتعاظم مأساتهم الإنسانية. ثانيا: أن يأتي الحل السلمي بمكون سياسي مشوه.. من شأنه أن يبقي على هيكل النظام وعلى أدواته موزعة في مفاصل السلطة وأرجاء الوطن السوري.. وكلا العاملين لا يمكن معهما تجنب حالة الانقسام والتشرذم وتفتيت سورية إلى أكثر من دولة.. تمهيدا لقيام حرب أهلية نعرف جميعا نتائجها سلفا.. هذا الحل المطروح الآن.. والمدعوم مع كل أسف من أطراف عربية هي على وجه التحديد (العراق والجزائر ولبنان ودول أخرى أقل شجاعة في التحدث عنه).. وكذلك من قبل الأممالمتحدة ممثلة في «الأخضر الإبراهيمي» الذي لم يستطع حتى الآن تحقيق تقدم ملموس في هذا الاتجاه لتعنت النظام كما صرح بذلك مرارا.. وانقسام المعارضة أيضا. حتى هذا الحل.. وإن انطلقت الدعوة له من تصريحات لرئيس الائتلاف السوري المستقيل «أحمد معاذ الخطيب» إلا أنه لن يكون قابلا للتحقيق حتى وإن فرض على الشعب السوري وحتى وإن كان فيه مخرج لمأزق مجلس الأمن في استحالة صدور قرار منه مع وجود موقف معارض من روسيا والصين كعضوين أساسيين فيه.. والسبب في ذلك..أن الأسد وإن قبل به وإن مضى فيه على مضض إلا أنه لن يترك كرسي السلطة.. ولن يبتعد عن المشهد السياسي.. ولن يتخلى عن تحالفاته الراهنة بدليل حرصه على الاستمرار حتى نهاية فترته الحالية.. والتقدم لانتخابات عامة يجيد وفريق إدارته الإعداد لها وطبخها على نار هادئة تبقي الوضع الراهن على ما هو عليه.. بل وقد تزيد في شوفينية النظام وبطشه وتصفيته لكل خصومه على المدى البعيد.. أو حتى المتوسط.. ولذلك فإن الحديث عن حل سلمي هو مضيعة للوقت وترحيل للمشكلة.. وتعميق لجراح الشعب السوري وتكرار مخل للتسوية القائمة الآن في اليمن بكل ما أفرزته من تبعات تدل على أن الأمور لا تسير على ما يرام.. وأن البلد يتجه إلى الانهيار في ظل غياب الحسم القاطع للوضع هناك.. والسؤال الآن هو: هل تقبل القمة العربية بفكرة الحل السياسي وهي على معرفة حقيقية بما يعنيه هذا الحل أو بما قد يقود إليه من تداعيات أشد خطورة أم أن عليهم أن يرفضوه..؟ وما هو البديل الآخر في هذه الحالة؟ من الواضح أن جميع المؤشرات تدل على أن هذا الأمر سوف لن يحسم في هذه القمة اليوم وغدا للأسباب التالية: أولا: غياب الإجماع العربي حول أهمية وضرورة التخلص من النظام الحالي وتمكين الشعب السوري من أن يحكم نفسه بنفسه.. نتيجة موقف الأطراف العربية المساندة لفكرة بقاء النظام وتغليب الحل السياسي والإصرار على بدء حوار مباشر بين النظام والمعارضة لا يضمن أحد نتائجه على الإطلاق. ثانيا: عدم توفر إرادة دولية كافية نحو دعم المعارضة بالسلاح والمال وبالموقف السياسي الموحد على غرار ما حصل في ليبيا أو قريبا من ذلك نتيجة حسابات تغليب جانب المخاوف من مغبة سقوط سورية في يد نظام متشدد تصعب السيطرة عليه.. وهي الفكرة التي روج لها النظام وخدمها الروس والإيرانيون ونجحوا في إرباك التوجه الدولي نحو الحسم لصالح الشعب السوري حتى الآن.. وبالتالي فإن ذلك يحول دون اتخاذ قرار من مجلس الأمن لاستخدام القوة بفعل استمرار الفيتو الروسي الصيني. ثالثا: إن المعارضة السورية لم تستقر بعد على موقف موحد تتفق معه على هيكلية موحدة ومنظمة يتقاسم فيها العسكر والساسة مسؤولية إدارة هذه المرحلة بمواجهة نظام يسعى إلى البقاء ويستخدم كل الوسائل للاستمرار والقضاء عليهم جميعا.. ففي الوقت الذي كان وزراء الخارجية العرب يستعدون يوم أمس الأول لبلورة قرار بقبول مبدأ إعطاء المقعد السوري للمعارضة ممثلة في رئيس الائتلاف «أحمد معاذ الخطيب» ورئيس الوزراء الجديد « غسان هيتو» فوجئ الجميع باستقالة الخطيب.. عقب تصريحات قوية صدرت عن المؤسسة العسكرية الموجودة على الأرض والمباشرة لمهمة المواجهة للنظام في الداخل.. رفضت بموجبه القبول برئيس الحكومة الذي تم اختياره.. وعزت ذلك إلى عدم توفر إجماع التكتلات السياسية عليه.. هذا المتغير الجديد جاء بكل تأكيد لصالح الدول العربية التي تقف إلى جانب النظام السوري علانية أو على استحياء لأنه أضعف المواقف الأخرى المطالبة بالحسم مع هذا النظام.. هذه الاستقالة لن تحول دون إعطاء المعارضة مقعد سورية بعد إعلان أحمد معاذ الخطيب مشاركته في قمة الدوحة على رأس وفد يضم غسان هيتو رئيس الحكومة السورية المؤقتة وعددا من قيادات المعارضة.. وإن كان ذلك لا يعني تجاهل وجهة نظر الجيش الحر.. ذلك أن من المتوقع أن تكون قد جرت اتصالات مكثفة ولا سيما من قبل طرفين خليجيين كبيرين لإقناع رئيس أركان الجيش الحر.. بهذه الخطوة مقابل إعادة بحث موضوع رئاسة الوزراء في وقت لاحق بين الأطراف السورية المختلفة بمشاركة عربية لصيقة للتوصل إلى حلول مقبولة من قبل الجميع حفاظا على تماسك موقف المعارضة وضمان تعاون المؤسستين العسكرية والسياسية في المستقبل بالاتفاق على صيغة جديدة يتم التوافق عليها.. وعلى اختيار من يرونه في المرحلة القادمة بدلا من تأجيل التحرك المشترك بين الدول العربية المعنية بالشأن السوري وبين المعارضة الموحدة سياسيا وعسكريا.. حتى لا يؤثر هذا الخلاف على السير باتجاه تصعيد المواجهة مع النظام دوليا.. هذا التوجه القوي داخل أروقة القمة رغم اعتراض البعض عليه.. سوف يتعزز بتشكيل مجموعة عمل عربية تقوم بالتحرك باتجاه الدول الأعضاء المؤثرة في الأممالمتحدة لدعم الخيار العسكري في المرحلة القادمة.. عبر طرق ووسائل وأدوات مختلفة دعما للاتجاه الذي بدأه الاتحاد الأوروبي.. وتحركه كل من باريس ولندن نحو دعم المعارضة بقوة.. سواء على مستوى التسلح أو المال.. أو الخبرة.. أو الموقف السياسي.. حتى وإن جاء هذا الدعم من خارج مجلس الأمن.. وعبر اتفاقات ثنائية.. أو تفاهمات مشتركة.. وذلك ما سوف يتم في الأغلب الأعم.. أما الحل السياسي الذي تطالب به الأطراف الأخرى فإن الجهود العربية القادمة سوف تتواصل حتى لا يكون مدخلا إلى ترحيل الأزمة.. وتفاقمها.. وزيادة مأساويتها على الشعب السوري.. ذلك قرار مهم متوقع أن يتخذه العرب غدا في الدوحة وبصورة قاطعة وغير قابلة للمواربة..تسجيلا لموقف عربي مساند وقوي ومعزز لإرادة الشعب السوري وإن كانت هناك جهود عربية قوية ستبذل في سبيل تحقيق وفاق أكبر بين المعارضة ليس من أجل إدارة الحرب مع النظام فحسب.. وإنما من أجل الإعداد لمستقبل سوري آمن يكفل شراكة الجميع.. ويضمن استقرار الوضع هناك.. ويؤكد على أهمية إبعاد الدولة عن التجاذبات الدينية أو العصبية ويحول دون انقسام سورية ويسمح بالتعددية السياسية وبإدارة شؤون البلاد بصورة صحيحة يتحمل مسؤولياتها الكل ويؤكدون معها أن سورية موحدة ومستقرة ومنفتحة على محيطها العربي ومؤمنة بأنظمة وقوانين الأممالمتحدة هي التي ستكون في المستقبل. ومن المتوقع أن تضع القمة آليات دقيقة تخدم هذا التوجه وتغلق الباب أمام جميع المحاولات الرامية إلى الإبقاء على النظام.. واستبعاد الحل السياسي الميؤوس من جدواه ما لم يتم الاتفاق مع النظام الحالي على الرحيل بصورة كاملة وآمنة ومضمونة.. *** أما بالنسبة لملف التدخلات الإيرانية في المنطقة ودعم الشعب السوري في كفاحه فإن اتساع هذا الموضوع سيتطلب من القمة الاتفاق على (3) مبادئ هي: أولا: فتح حوار مباشر مع إيران يتولاه عدد من القادة العرب المتفق على اختيارهم لهذه المهمة.. ويكون هذا الحوار هو بحث كافة الأسباب المؤدية إلى ضعف الثقة بين الطرفين بهدف التوصل إلى اتفاقات واضحة ومحددة.. بالرغم من الصعوبات الواضحة في الوصول إلى ذلك.. ثانيا: السعي عربيا.. ودوليا إلى إيقاف السلاح المتدفق على النظام السوري.. وبالذات عبر الأجواء أو الأراضي العربية وسواء كان هذا من أطراف إقليمية أو دولية.. أوكان عبر صفقات تجارية مباشرة أو غير مباشرة.. وفي هذا الشأن.. فإن زيارة وزير خارجية أمريكا «كيري» المفاجئة لبغداد يوم أمس الأول وتصريحاته القوية في هذا الشأن.. تعتبر مؤشرا على ما تتجه إليه الدول العربية والدول الأوروبية من جهود تسعى إلى اتخاذ موقف دولي حازم من جميع الأطراف التي تمده بالسلاح.. بما في ذلك إصدار عقوبات اقتصادية جادة تجاه تلك الأطراف. ثالثا: وضع برنامج مساعدات مالية وعينية فورية وتحديد آليات تدفق هذه المساعدات إلى قوى المعارضة الجاري الاتفاق على تحديدها بدقة حتى تصل تلك المعونات إلى أهدافها المنشودة وتحقق الغرض منها.. وبالتأكيد فإن خروج هذه القمة بقرارات من هذا النوع من شأنه أن يعزز الدور العربي المساند لحقوق الشعب السوري العادلة ويعزل الأطراف المساندة للنظام.. ويقلل من خطورة الدعم الإيراني/ الروسي للنظام وينهي المأساة في أقصر وقت ممكن.. *** أما بالنسبة للملف الفلسطيني ولعملية السلام.. فإن التوجه السائد في الدوحة اليوم هو.. استئناف العملية السلمية في القريب العاجل.. والقيام بدور عربي جماعي مساند للطرف الفلسطيني في مطالبه العادلة بإيقاف الاستيطان.. وتعزيز مطالبتهم بالتوجه بقبول فلسطين عضوا كامل العضوية بالأممالمتحدة وفقا لما اقترحه نائب وزير الخارجية السعودي الأمير عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالعزيز في اجتماع وزراء الخارجية العرب يوم أمس الأول.. وهو ما يتجه الجميع إلى تبنيه ودعمه ومؤازرته بتحرك عربي قوي في المرحلة القادمة.. وباتصالات ثنائية وجماعية هدفها تعزيز عملية السلام في المنطقة وإعادة الاستقرار إليها بالكامل.. عن طريق السعي إلى إغلاق الملف السوري.. وإيقاف التدخلات الإيرانية في المنطقة وتهدئة الأوضاع المتوترة أيضا.. وهو ما يعلق المراقبون عليه أهمية كبيرة كمدخل إلى الاستقرار المنشود.. وإن كان الجميع هنا في الدوحة لا يتوقعون حدوث شيء قريبا في هذا الاتجاه إن لم يكن هناك من يتوقع تصعيدا أكبر لا سيما إذا استمرت أصابع التدخل في الشؤون العربية في تحقيق أطماعها في ظل تراخِ دولي مشبوه.. وشعور متزايد بوجود صفقات من نوع أو آخر.. يتوقع الكشف عنها قريبا.