في جنح الليل وفي موقع معزول في محافظة حفر الباطن كانت أصوات إطارات السيارات الناتجة عن التفحيط تتصاعد في الفضاء وتزحم المكان، فيما جلس بعض المشجعين مثل الأشباح الهاربة من الظلال وهم يرفعون عقيرتهم ويشجعون «الدرباوية» وهو مصطلح للمفحطين راج مؤخرا، وخلال وقت قياسي تواجدت دوريات المرور في موقع التفحيط وتفرق الجمع وضبط من ضبط. وكانت حفر الباطن شهدت مؤخرا تشكيل لجان مشتركة من عدة جهات حكومية من بينها المرور والشرطة في محافظة حفر الباطن للحد من ظاهرة التفحيط التي يجتمع لها عدد كبير من الشباب إلا أن الظاهرة مستمرة وتحتاج إلى متابعة مستمرة وتحتاج أيضا إلى تفعيل دور المساجد والمدارس لتوعية المجتمع والشباب بأخطار هذه الظاهرة التي تؤدي إلى الموت. وكانت هذه اللجان تمكنت من القبض على عدد من المفحطين الذين ينشطون في المحافظة في نهاية كل أسبوع ويمارسون هوايتهم من تفحيط وقطع للإشارات وعدم التقيد بالأنظمة المرورية وسط الأحياء والشوارع المكتظة مما يشكل خطرا على أرواح وممتلكات الناس. وهذه الظاهرة التي بدأت في منتصف ثمانينيات القرن الماضي وكانت تقتصر على بعض الحركات الاستعراضية بعيدا عن المناطق العامة لتصل بعد ذلك للحواري والأحياء، لتبدأ مرحلة جديدة أخذ فيها المفحطون وعلى عاتقهم تطوير هوايتهم بأداء الحركات، حيث انتشر التفحيط على نطاق أوسع وأصبح المفحطون يؤدون حركاتهم. «عكاظ» رصدت وجود الدرباوية في الشوارع الرئيسية والعامة، حيث يجتمع حولهم المشجعون وبلغتهم «المعززون» ما يسبب إزعاجا للناس، إذ أصبحت هذه الهواية ظاهرة اجتماعية مقلقة للجميع، وظهرت الكثير من أسماء المفحطين الذين يتفننون في أداء الحركات وتطويرها، وبرزت حركات كثيرة منها «النطل، العقد، العكسيات، السلسلة، التشطيف، التطويف، والتغريف». وتعتبر هذه الحركات من أخطر حركات التفحيط التي غالبا ما ينتج عنها حوادث شنيعة لأن هذه الحركات لا يتم تطبيقها إلا على سرعات عالية جدا. «عكاظ» التقت بعدد من أهل الاختصاص لتسألهم عن رأيهم حول هذه الظاهرة، حيث يقول الدكتور خضر الظفيري مدير مستشفى الملك خالد العام بحفر الباطن «علينا جميعا الوقوف ضد هذه الظاهرة السلبية التي تستنزف منا الكثير سواء بالأرواح أو الأموال أن عدد الوفيات بسبب حوادث التفحيط كثيرة والإصابات التي تنتج عنها وخطيرة وأن بعض الإصابات تمتد لتصل للإعاقات أو حتى للشل الكامل». ويرى الظفيري أن العلاج الجذري لمثل هذه الظاهرة لايقع على عاتق الأجهزة الآمنية وحدها بل يشترك فيه الجميع، فالبيت والمدرسة والمسجد جميعها يجب أن يكون لها دور رئيس في الحد من هذه الظاهرة. أما سعد المشحن نائب رئيس الغرفة التجارية الصناعية بحفر الباطن فإنه ينظر لهذه الظاهرة بأنها ظاهرة دخيلة تفشت عندما ضعف الترابط الأجتماعي، موضحا أن التفحيط أحد هذه الظواهر التي تستنزف اقتصادنا وتؤثر على النمو بشكل مباشر، فما نراه من الأكداس المكدسة من السيارات المعدومة بسبب الحوادث سواء التفحيط أو ما هو على شاكلته كالتهور بالقيادة والجهل بمخاطر السرعة وعواقبها إنما يكلف اقتصاد بلادنا خسائر باهضة جدا. والحل بنظر المشحن يكمن في مؤسسات المجتمع المدني كافة لتقوم بدورها من الأسرة مرورا بالمدرسة وصولا إلى القضاء لسن قوانين وأنظمة واضحة تقضي على هذه الممارسة الخطيرة والخاطئة. من جهته أوضح الداعية الدكتور عقيل سالم الشمري مدير مكتب الدعوة والإرشاد في حفر الباطن أن ظاهرة التفحيط لا يمكن دراستها بمفردها لأن هناك عدة عوامل مؤثرة في توجيه الشباب، ولهذا ترجع الظاهرة لعدة أسباب مؤثرة منها مرحلة الشباب العمرية المعروفة بالفتوة وحب لفت الانتباه والمغامرة وروح التنافس، الفراغ الذي يعيشه شبابنا عامل مؤثر في كثير من الظواهر، أما الجهات التي في بنظري لها دور في العلاج فمنها الجهات الرسمية التي المفترض أنها جهة عقابية صارمة لمن يستحق. الجهات الدينية كمكاتب الدعوة والإرشاد والهيئات ولجان التوعية في شعب مكافحة المخدرات والتوعية الدينية في الشرطة واللجان الشبابية في المحافظات، وليس كبيرا على هذه الظاهرة أن تخصص بعض الجهات لها دعاة متمرسون على لغة الشباب والتفاهم معهم. قدوات حية من وسائل العلاج الناجعة يرى أهل الرأي صنع قدوات ونماذج حية أمام الشباب من واقعنا المعاصر وعلى الإعلام تفهم هذا الأمر، توفير الأعمال الشبابية في الفترات غير الدراسية ليستفيد الشاب ماديا ومهنيا، تكثيف البرامج الدعوية التي تخاطب روح الشباب وتصل بلغتها إلى الجفوة القلبية التي يعيشها الشاب اليوم، العناية بالتعليم، فإن واقع التعليم اليوم يجعل الإنسان يتوقع أن يخرج لنا ظواهر سلبية ولا زال الأمر ممكن الاستدراك. من جهة أخرى، يرى بعض المفحطين أنهم في حاجة إلى ساحة خاصة للتفحيط لكي نستمتع بعيدا عن إزعاج المواطنين وتعريضهم للخطر.