في ثقافة المجتمعات عامة يثنى على المرأة حين تحسن التصرف بوصفها أنها (أخت الرجال)، وأنها (امرأة بألف رجل) و(تصرفت كرجل)، وعلى العكس من هذا لا يشبه الرجل بالمرأة في أي شيء، فتشبيهه بها يعد مذمة لا ثناء!! لم يتقبل الناس تشبيه المرأة بالرجل ويعدونه تكريما لها وثناء ولا يتقبلون تشبيه الرجل بالمرأة ويرون فيه منقصة له وازدراء؟ قد يبادر البعض إلى القول بأن فطرة المرأة تختلف عن فطرة الرجل وأن الرجل أفضل من المرأة في فطرته لذلك تشبه به المرأة في بعض المواقف ولا يشبه بها. ومن البديهي إن القول بتميز الرجل عن المرأة في فطرته هو من الأقوال التي لا يعتد بها؛ لأنها لا تستند على دراسات علمية ذات برهان ملموس يدلل على صدقها، فحكمها حكم التخرصات والظنون ليس إلا. ما يلاحظه الدارس لثقافات المجتمعات في اختلاف نظرتها إلى الرجل والمرأة يجد أن السمات والخصائص في سلوك البشر قسمت بين الرجل والمرأة وفق رؤية تلك الثقافات لما يغلب على تصرفات الرجل والمرأة، فنسبت الرقة والجبن والضعف والغيرة وسرعة البكاء وعدم الرشد إلى المرأة، ونسبت الشجاعة والجرأة والقوة وحسن التصرف والحكمة والاتزان إلى الرجل. وهذا التقسيم للخصال بين الرجل والمرأة تتعامل معه الثقافات على أنه فطري يجري في جينات كل من الرجل والمرأة، لذلك فإنه عندما تتصرف المرأة بشجاعة أو بحكمة تثير الإعجاب يثنى عليها بوصفها أنها ماثلت الرجال، فحسب منطق تلك الثقافة لا شيء في فطرة المرأة يؤهلها لأن تقوم بمثل ذلك، ولا بد أن (طفرة جينية) نقلت لها خصال الرجال!! وبالمقابل متى تصرف الرجل بجبن أو غلبته الدموع واستشعر ضعفه، وصفته الثقافة بأنه كالمرأة، ذما لا ثناء، كما فعلت أم أبي عبدالله آخر ملوك الأندلس حين أخذت توبخ ولدها الذي ضيع ملكه قائلة له: (ابك كالنساء ملكا مضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال) باعتبار أن البكاء والضعف من الخصال الخاصة بالفطرة النسائية فقط ومتى ظهر شيء منها لدى الرجل فذلك مخالف لفطرته التي خلق عليها !! لقد ظلمت الثقافة المجتمعية كلا من الرجل والمرأة بهذا التقسيم الباطل للخصال والسمات، فالإنسان في تكوينه الفطري هو الإنسان، وما يظهر من اختلافات بين المرأة والرجل في السلوك وردود الأفعال والاستجابات للمواقف هو في معظمه مكتسب بفعل البيئة والظروف المحيطة والتنشئة الاجتماعية التي ينشأ عليها الذكر والأنثى، فغالبا تأتي تصرفات كل من الجنسين بحسب التوقعات التي يرسمها المجتمع لكل منهما، فالمجتمع ينشئ الذكر على أنه قوي وشجاع وراشد فينشأ ليتصرف وفق ذلك التوقع، وتنشأ الأنثى على أنها ضعيفة وعاجزة وفي حاجة إلى حماية ورقابة، فتتصرف وفق ما نشئت عليه. وفي القرآن الكريم إشارة إلى أثر التنشئة على سلوك الإنسان كما جاء في قوله تعالى: (أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين) فالآية تبين كيف أن المرأة التي تنشأ معزولة عن خوض الحياة الاجتماعية وما فيها من مواقف متنوعة تحرم من اكتساب الخبرة بشؤون الحياة فتصير عاجزة لا تملك الخبرات والمهارات التي يملكها الرجل. والنتيجة هي إلصاق الدونية بالمرأة أمام الرجل فترقى بتشبيهها به، ويسفل بتشبيهه بها!! فاكس 4555382-1 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة