العلاقة الجنسية بين الزوجين هي مؤشر حيوي لاتزان الحياة العاطفية بينهم، وهي الترمومتر لقياس مستوى الرضى والإشباع بين الزوجين، ولكن ليس بالضرورة أن تكون هي من أعراض اختلال الحياة الزوجية، بل قد تكون هي السبب الرئيس لاضطراب الحياة الزوجية نتيجة طبيعية لنقص الإشباع الجنسي بين الزوجين، وعادة ما ترتبط هذه المشكلة باضطرابات جنسية، أو أمراض عضوية قد تنشأ في مرحلة ما من مراحل الحياة الزوجية. تقع الاضطرابات الجنسية في قائمة اهتمامات المختصين في علم النفس انطلاقاً من أن الجنس سلوك في مخرجه النهائي، وما يرتبط بهذا السلوك من انفعالات ومشاعر ومفاهيم ومعلومات. كما أن موضوع الجنس بين الزوجين يتأثر بالقلق والمخاوف التي قد تصيب أحد الزوجين، أو كلاهما، وتُعيقه الأمراض النفسية، مثل الاكتئاب واضطرابات الشخصية، وهو يعبر عن الصحة النفسية للفرد في سوائها، وعن المرض في اضطرابه. ورغم أن الدراسات العلمية تغيب عن مجتمعاتنا في هذه الجوانب، إلا أن معدل المشكلات المرتبطة بالعلاقات الجنسية مرتفعة، وتشير الدراسات إلى أن 20% إلى 50% من الاضطرابات الجنسية تعود لأسباب نفسية، ويجب أن نشير هنا إلى أن الضعف الجنسي أحد الاضطرابات الجنسية، وليس المقصود الوحيد في هذه القضية. يعرف الدكتور أحمد فخري، استشاري علم النفس والإدمان في جامعة عين شمس، الاضطراب الجنسي بأنه: ضعف متمكن في الأنماط السوية للرغبة الجنسية، أو الاستجابة الجنسية. هذا التعريف المبسط يشير إلى أنه ليس بالضرورة أن يكون هناك عجز جنسي، ولكن ضعف في الأنماط الاعتيادية للسلوك الجنسي، مما يعني أن هناك أنماطاً شاذة، وغير سوية للسلوك الجنسي، أو أنماطاً مضطربة. ومن أنماط الاضطرابات الجنسية لدى النساء: ضعف الرغبة الجنسية، وضعف الاستثارة، واضطراب الوصول للنشوة، وتقلصات الرحم، وألم الجماع، ومخاوف جنسية. أما أنماط الاضطرابات الجنسية لدى الذكور، فمنها: ضعف الرغبة الجنسية، وضعف الاستثارة، وسرعة القذف، وبطء القذف، وآلام القذف، وألم الجماع، ومخاوف جنسية. وقد تكون هذه الاضطرابات الجنسية ناتجة عن أسباب عضوية بحتة، وتحتاج إلى تدخلات طبية، أو كنتيجة عرضية لتناول بعض العقاقير الطبية والأدوية، وهنا تكون تلك الاضطرابات العضوية هي المسبب الرئيس لاختلال أو اضطراب العلاقة الجنسية بين الزوجين، وهي ما تسبب الخلافات الزوجية، وقد تحتاج إلى تدخلات علاجية نفسية مصاحبة للجوانب الطبية. قد تكون هذه الاضطرابات عرضاً لمشكلة زوجية، أو سوء توافق بين الزوجين، وقد تنعدم الرغبة لدى الزوج، أو الزوجة، في الجنس، بسبب ظروف نفسية، أو ضغوط حياتية، أو خلافات بين الزوجين، وقد يحصل عسر الجماع نتيجة عدم رغبة الزوجة في الزوج، أو رفضه. وقد يصيب الزوج ضعف الانتصاب، أو سرعة القذف، نتيجة عوامل نفسية انفعالية، أو فكرية. أسباب تربوية * ضعف الثقافة الجنسية: الجنس مسألة حيوية، ولذلك يجب أن يصاحب بثقافة علمية، وليس مجرد اجتهادات، والتلقي للمعرفة الجنسية من مصادر غير موثوقة قد يزيد الأمر سوءاً، لأن العلاقة الجنسية مرتبطة بالجسم وحيويته وأمراضه، وبالشخصية وصحتها النفسية واضطراباتها، فلا يمكن معالجة هذه الموضوعات دون فهم الجوانب المرتبطة بالحاجات الجنسية وكيفية إشباعها، والثقافة الجنسية تعني استقاء المعلومات المتعلقة بالعلاقة الجنسية من مصادرها الموثوقة، سواء الطبية منها، أو النفسية. وتبقى قضية التثقيف الجنسي قضية ذات جدل في الأوساط الاجتماعية، وخصوصاً في البيئة العربية، فقد يتجنب بعضنا التطرق لمناقشتها للانطباع السائد بأنها خدش للحياء، ولا يجب الخوض فيه بأي شكل من الأشكال، على الرغم من حقيقة أن التعرف على الثقافة الجنسية عن قرب يسهم في المحافظة على جودة الحياة الزوجية، التي تحقق بها صحة الفرد البدنية والنفسية. وتنقسم الآراء بين معارض ومؤيد، ففريق مؤيد يرى أن الجهل بالأمور الجنسية قد يكلف الفرد كثيراً في مراحل متقدمة، وخصوصاً في إحداث التوافق والانسجام بين الزوجين، وأنه في ظل غياب المعلومة الصحيحة قد يبحث الفرد، وبدافع الحصول على المعرفة، إلى الحصول على معلومات مشوهة، أو غير صحيحة، كتلك المستقاة من منتديات الإنترنت، أو مجالس الرجال والنساء. وفريق آخر معارض يرى أن الجنس هو فطرة طبيعية لكل الكائنات الحية، ومنها الإنسان، وبالفطرة يدرك الإنسان طرق الإشباع لتلك الغريزة دون الحاجة إلى نشرها بدواعي «الثقافة الجنسية»، وأن نشر مثل هذه الثقافة قد يكون خطره أكثر من نفعه، وخصوصاً على تربية النشء، والذي يحدث لهم التنبيه المبكر لمثل تلك الممارسات الجنسية، والتي قد يتبعها سلوك منهم تنشأ عندهم نوعاً من الاضطرابات الجنسية في مرحلة الطفولة. نرى كمتخصصين أن تقديم المعلومات بصورة مناسبة حول المسائل الجنسية للأطفال والمراهقين والشباب أفضل كثيراً من تحريم الحديث في هذه الموضوعات، لتظل منطقة حرجة يحيطها الغموض، والمصارحة في تقديم النصائح والإرشادات التي تتعلق بالثقافة الجنسية لمن يطلبها من صغار السن أفضل كثيراً من وجهة النظر النفسية من تجنب الحديث في هذه الموضوعات وحجب الحقائق المتعلقة بها. الأسباب النفسية * الطفولة المضطربة: في كثير من الحالات النفسية والاضطرابات الجنسية عند الكبار، نرى كمتخصصين أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين ما يعانيه الفرد في مرحلة النضج من تلك الاضطرابات، ومرحلة النمو، والتربية الجنسية، أو الاعتداءات الجنسية التي قد يتعرض لها ذلك الفرد في مرحلة الطفولة، ومن تلك الاضطرابات التي يتعرض لها الطفل اضطراب الهوية الجنسية، ويبدأ هذا الاضطراب عادة منذ سن مبكرة، من عمر سنتين إلى أربع سنوات، حيث يميل الطفل الذكر إلى اللعب بألعاب الإناث، مثل الدمى، والاهتمام بمظهر شعره وثيابه بما يشبه الإناث، من خلال التسريحة، والشرائط، وغير ذلك.. إضافة لتقليده لحركات الإناث وأساليبهم وتصرفاتهم المتنوعة. وفي حال الطفلة الأنثى، التي تعاني من هذا الاضطراب، نجدها تميل إلى الألعاب الجسدية الخشنة، والمضاربات، واللعب بألعاب الذكور، مثل المسدسات، والسيوف، وغير ذلك، والظهور بمظهر ذكوري في الشكل والسلوك والاهتمامات. أو ما قد يحدث من أساليب قمعية من قبل الوالدين على الأبناء، وعدم الكفاية في إشباع الجانب العاطفي الطبيعي من الوالدين للأبناء، مما يجعل الطفل مضطرباً باحثاً عن إشباع ذلك الجانب العاطفي بطرق مشوهة، وغير مشروعة، وفي كثير من الأحيان يتعرض لبعض التحرشات الجنسية، وخصوصاً من المحارم، مما يجعل عنده شخصية مضطربة مشوهة جنسياً بطريقة قسرية شاذة عن الطبيعة والفطرة الإنسانية، باحثاً عن الجنس بطرق ملتوية غير صحيحة، وهذا ما ينشأ عليه في المستقبل. تأثير الأمراض النفسية لا تقتصر الحياة الجنسية على التفريغ الوظيفي الطبيعي، لكنها تتضمن أيضاً تدعيماً لمشاعر التفاهم والألفة والمودة، ورغم أن العلاقة الزوجية قد تستمر بدون ممارسة الجنس، إلا أن الاضطراب الجنسي يظهر نتيجة لإخفاق، أي من طرفي العلاقة الزوجية في إشباع، أو تدعيم تلك المشاعر في منطقة أخرى من الحياة الزوجية. ومن خلال الممارسة العلاجية النفسية، نجد أن الحالة الجنسية تتأثر بالحالة النفسية وتؤثر فيها، وأن كلاً منهما هو وجه لعملة واحدة، وقد لا يتصور كثير من الناس ممن يعانون من اضطراب في الممارسة الجنسية أن سبب حالتهم يرجع إلى عوامل نفسية، ويبدأ المريض بطلب العلاج لدى المتخصصين في الأمراض التناسلية، أو المسالك البولية، ظناً منه أنهم يعالجون مشكلته، لكن سرعان ما يتبين أنه لا يعاني من أي أمراض عضوية جنسية، وأن الأصل في شكواه هو الحالة النفسية العامة. وكمثال بسيط، أثبتت كثير من الدراسات أن هناك علاقة ارتباطية ما بين ضعف الانتصاب عند الرجل، أو عدم الرغبة الجنسية، أو سرعة الاستثارة والاكتئاب النفسي، كما أن هناك علاقة ارتباطية ما بين القلق النفسي، وسرعة القذف، عند الرجل. مفاهيم خاطئة نظراً لضعف الثقافة الجنسية، وارتباطها بمفاهيم العيب، يلجأ بعضهم إلى استقائها من مصادر مغلوطة، أو غير موثوقة، ومن ضمن المفاهيم المغلوطة • تعتقد بعض النساء أنها هي العنصر السلبي في العلاقة الجنسية، وأنه يجب عليها أن تكون المستقبل لرغبات الرجل الجنسية، وأن الجنس هو أمر خاص بالرجال، وأن المرأة هي شريك سلبي عليه أن يتقبّل العلاقة الجنسية كما يفرضها الرجل الشريك في الحياة الزوجية، دون أن يكون هناك أي دور إيجابي للمرأة في حياتها الجنسية. وفي ثقافتنا، لا تتجرأ المرأة أن تبادر في العلاقة الجنسية، لأنها تخشى من الأحكام الخاطئة، أو من اتهامها في حيائها، وتُعزز هذا الثقافة السائدة التي تمنع المرأة من الإفصاح عن مشاكلها الجنسية، أو مناقشة مشاكلها الجنسية مع زوجها، أو مع شخص متخصص. • عقد المقارنات و(الهوامات الجنسية)، وهي ما تعرف بالفنتازيا، أو الخيال المشبع بصور مثالية، أو صورة مضطربة، و حالة من القلق تبحث عن الإثارة المشاهدة، أو الخيالية، غالباً ما تتجمع لدى الرجل بشكل صورة ذهنية، أو حالة غائبة لا تشبع، يصاحبها عادة حالة من القلق الذي يعانيه، وأحياناً درجة من الاضطراب، وكل هذا يسمى (بالهوامات الجنسية). وفي حالة الزوجة التي تربت في بيئة ارتبط فيها الجنس ارتباطاً وثيقاً بالعيب، تجدها لا يمكن أن تتوافق مع حالة الهوام الذي يبحث عنها الرجل، وبالتالي يعقد المقارنات بين ما يحصل وبين ما يسمعه، أو يتخيله.