انقضى موسم الحج بسلام وتنفس الكثير منا الصعداء شاكرين الله على خلوه من الأوبئة. عاد الحجاج إلى ديارهم سالمين غانمين. ولكن القصة لا تنتهي هنا بالنسبة للانفلونزا، خاصة في مناطق الحرمين وما جاورها من المدن التي يمر بها أو يعود إليها أعداد كبيرة من الحجاج بل حتى في مناطق كثيرة أبعد من ذلك. هنا لايزال موسم الانفلونزا في بدايته بعد أن أرسى جذوره خلال فترة الحج، وسيظل أمام هذا المرض بضعة أسابيع أو حتى أشهر أخرى يستعر فيها ويلعب ويمرح كيفما شاء. الإجراءات التي قد تكون فعالة مع أوبئة أخرى (مثل نظافة الماء والطعام للوقاية من الكوليرا والتيفوئيد وغيرها من الأمراض التي تنتقل عبر الجهاز الهضمي أو استخدام اللقاحات لمنع انتقال الحمى الشوكية، وحتى لبس الكمامات) تعجز عن وقف الانفلونزا التي تتغلب على كل الإجراءات الوقائية أو العلاجية. نسأل عن عدد من الأقارب والأصدقاء العائدين من الحج فنجد أغلبهم يشكون من الإصابة بنوبة انفلونزا تلزمه البيت. نقول لهم مازحين «هذه علامة القبول» . سرعان ما يلحق الدور بكثيرين منا ممن لم يحظوا بالحج حتى لا يكاد يبقى شخص لم يصب بانفلونزا ما بعد الحج. كلمة «انفلونزا» تطلق مجازا بين عامة الناس على كل أنواع التهابات الجهاز التنفسي بغض النظر عن حدتها أو نوع وفصيلة الكائن المسبب لها فعلا. التهابات الجهاز التنفسي من أهم أمراض الحج في كل عام وأكثرها شيوعا. ليس هناك مرض واحد ولكن مجموعة أمراض يسببها عدد كبير من المكروبات أغلبها فيروسات أو بكتيريا مختلفة. تتراوح أعراض الإصابات بين الخفيف مثل الرشح (الزكام) إلى الأشد قوة مثل الانفلونزا التي عادة ما تكون مصحوبة بارتفاع في درجة الحرارة ووجع الحلق وآلام في المفاصل والكحة والتهاب الشعب الهوائية وقد تتطور في أسوأ الحالات إلى التهاب رئوي (نومونيا) قاتل. هذه المكروبات المختلفة تأتي من كافة أنحاء المعمورة لتتلاقى في الحج وتجد في الازدحام الشديد فرصة مثالية للانتقال عبر الهواء من شخص إلى آخر .. علميا تخصص كلمة «انفلونزا» للعدوى التي تسببها فيروسات محددة تنتمي إلى عائلة واحدة يطلق عليها (أورثوميكسوفايروس)، وتأتي هذه العائلة في المقدمة بين الفيروسات من ناحية الأهمية والخطورة. فيروسات الانفلونزا تتميز عن كثير من الفيروسات الأخرى التي تصيب الجهاز التنفسي بقدرتها على التغير باستمرار بواسطة الاختلاط مع بعضها البعض لتوليد أنواع جديدة. هذه القدرة على الاختلاط والتغير تجعل لقاح الانفلونزا محدود الفعالية ويجب تحديثه كل عام تقريبا. تسود الانفلونزا موسم الحج كل عام ولكنها لا تحظى بالاهتمام مثل أوبئة أشد خطورة. وقد لا تكون ذروة انتشارها إلا عقب عودة الحجاج إلى ديارهم فلا تحسب مع أوبئة الحج. أغلب الإصابات قد تكون متوسطة الشدة لا تستوجب زيارة الطبيب أو العلاج ولا يتم تشخيصها مع أن الانفلونزا قد تؤدي إلى مضاعفات قاتلة خاصة بين الكبار في السن. غالبا ما تجعلك الانفلونزا تشعر بالتعاسة لبضعة أيام. وقد تلزمك الفراش أو المنزل أثناء ذلك. سرعان ما تمل من البقاء في المنزل فتخرج لقضاء أشغال ضرورية أو للتسوق أو الصلاة وهكذا تساهم في انتشار هذه الفيروسات الماكرة إلى آخرين. التكلفة المادية للانفلونزا هائلة إذا أخذ في الاعتبار أيام الانقطاع عن العمل وثمن الأدوية والوصفات التي ليس لأغلبها فاعلية تذكر. أخذ لقاح الانفلونزا قبل الحج أمر محبذ للحجاج وغير الحجاج ولكن يجب أن يحتوي اللقاح على أحدث مجموعة من فيروسات الانفلونزا المنتشرة في العالم في الفترة نفسها وإلا فسيكون محدود الفعالية. فيروس الانفلونزا يقاوم الأدوية القليلة التي لها بعض الفاعلية. الفيروسات الأخرى ليس لها لقاحات أو علاج.. انفلونزا ما بعد الحج قد لا تعتبر وباء خطيرا، ولكنها لا شك تسبب الكثير من المعاناة والخسائر المادية وتستحق الدراسة والتشخيص بشكل أوسع، كما تستحق بذل مجهود أكبر لتطوير وسائل وقائية وعلاجية جديدة. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 133 مسافة ثم الرسالة