كل عام وأنتم بخير ورمضان قد حل ومضت منه أيام وليال بسرعة البرق وكأنه يسارع الرحيل وقد وجد الفضاء يشحن بما ليس له بل لأجل أن ينشغل الناس عن فكرة الصيام فيمر الوقت سريعا دون عناء الإحساس بالجوع أو العطش. قبل أن يبدأ رمضان نفكر في الوسائل التي تريحنا فيه ونقضي أوقاته في استمتاع وكل منا يصنف تلك الوسائل حسب هواه، فئة تراها في إحياء لياليه بالذكر ونهاره بالصوم وأخرى ترى المتعة في حجز مقعد وثير أمام شاشة التلفاز تتلقف ما تدلقه المحطات الفضائية من غثها وسمينها وذلك الحشد الدرامي لقصص الحاضر والماضي القريب والبعيد. ولأن الدراما هي فاكهة رمضان فالكل يحرص على تسويق بضاعته فيها ضامنا أنه سيجد مشترين لها حتى وإن كانت رديئة ولا تستحق، فشغل وقت الفراغ يجبر البعض على سماع ومشاهدة كل ما يعرض دون تمييز. ومن ظن خطأ أن غيابه قد يلاحظ فهو يجهل حقيقة الأمور، لأن القنوات تتسابق لاستنساخ البرامج والمسلسلات التي تحقق نسب مشاهدة أعلى فإن غاب أحدها فلن يلاحظ ذلك طالما شبيهه حاضر. وهذا حال طاش هذا العام وقد غاب وكان الغالبية يقولون رمضان بدونه ليس له طعم فقد ترافقا زمنا حتى ظننا أنهما لن يفترقا، غير أن الحدس لم يصدق وسارعت القناة التي احتكرت بثه سنوات لتجهيز البديل وإن كان يختلف من حيث أسماء الممثلين وجنسياتهم إلا أن الفكرة ذاتها، معالجة تعتمد الإضحاك بعيدا عن طرح قضية ومناقشها بعمق يلفت النظر إلى وجودها. وإن كان طاش تفوق على مقلديه كثيرا إلا أن محاولة البعض السير على نهجه أضاع الكثير من النجاحات التي حققها والسبب تكرار طرح المشكلة والحل بنفس الأساليب دون الخروج بجديد. الغريب هو في عدم إدراك معدي ومنتجي تلك البرامج والمسلسلات أن المشاهد لم يعد ذاته قبل سنوات من بث هذه الأفكار، لقد تطورت عقليته بحسب الواقع فأصبحت قادرة على النقد والتحليل من المشاهدة الأولى، وهذا ما يلاحظ على مواقع التواصل الاجتماعي بعد كل حلقة تذاع وكيف الانطباعات عنها بتفكيك جزئيات العمل التي لا يتوقع التنبه لها. وربما تغييب طاش هذا العام صب في مصلحة نجومه للبدء في طاش آخر يواكب الزمن ويرقى بعقلية المشاهد الذي مر بأحداث كبيرة يحتاج أن تعاد صياغته بحرفنة أكثر حتى يتمكن من استيعابها.