كان موسم معرض الكتاب هذا العام حافلا بالمؤلفات الجديدة لكثير من الكتاب الذين جاءوا إلى المعرض ليعتلوا المنصات مشرعين أقلامهم لتوقيع ما أنتجوه من المؤلفات، منهم أصحاب أقلام ذات ألوان متعددة فهم يكتبون الرواية والنثر الاجتماعي والشعر والنقد، مواهبهم الإبداعية تفرز من الألوان ما يعطي لهم مجالا واسعا للسباحة في عالم التأليف وخوض أمواجه ومصارعة تياراته بثقة واطمئنان. هذه بلا شك، سمة من سمات الشجاعة التي لا تتوفر لدى كل أحد، فهناك من أصحاب الأقلام من يترددون كثيرا قبل إصدار مؤلف لهم يقيدهم الخوف والجبن ويظلون يتلكأون في إخراج كتاب أو إصدار ديوان لأنهم كلما مضوا في مراجعته رأوه لم ينضج بعد ولم يتوفر له من الكفاية ما يستحق التأهل للخروج إلى القارئين. ولعل هذا الجبن يأتي من كون البعض يدرك أن تأليف الكتب عمل شاق، فالكتاب مهما بذل صاحبه في تأليفه من الجهد والوقت، لا يمكن أن يسلم من نقد الناقدين وانتقاص المنتقصين الذين لابد أنهم واجدون فيه ما يعاب وآخذون عليه بعض ما يؤخذ. وجماعة الجبناء غالبا من الذين يبحثون عن التجويد ويتطلعون إلى أن ترجح بكتبهم موازين النقاد، لذلك هم يتلكأون في إصدار مؤلف لهم، فيظلون ينتظرون اكتمال نضجه واستقامة عوده متأثرين بنصيحة الجاحظ لهم، هم تلامذة مخلصون لما قال حين أوصى المؤلفين مرددا على أسماعهم: «وينبغي لمن كتب كتابا ألا يكتبه إلا على أن الناس كلهم له أعداء، وكلهم عالم بالأمور، وكلهم متفرغ له. ثم لا يرضى بذلك حتى يدع كتابه غفلا ولا يرضى بالرأي الفطير، فإن لابتداء الكتاب فتنة وعجبا فإذا سكتت الطبيعة وهدأت الحركة وتراجعت الأخلاط وعادت النفس وافرة، أعاد النظر فيه فيتوقف عند فصوله توقف من يكون وزن طمعه في السلامة أنقص من وزن خوفه من العيب». لله در الجاحظ!! كيف استطاع أن يبث الخوف في قلب من تراوده نفسه بتأليف كتاب فأوهمه أن القراء كالأعداء المتربصين له متحفزين للانقضاض على كتابه والانهماك في تفتيشه وتنقيبه لاستخراج ما فيه من الزلات والنقائص، وأنهم جميعهم من ذوي الاختصاص والخبرة والمعرفة الذين تفوق معرفتهم معرفة الكاتب وتعلو خبرتهم خبرته. لقد نجح الجاحظ بهذا التصوير في تعميق الوجل في قلوب أولئك المترددين فزادهم فتورا وترددا. بعض الكتاب حين يريد أن يعرف بنفسه يذكر عدد مؤلفاته متباهيا مدللا على قيمته في عالم الثقافة، لكن علو الكعب في مجال الثقافة أو الفكر ليس مداره على كثرة المؤلفات أو السرعة في النشر، وإنما مداره التوفيق في الكتابة والإتقان في الصنعة وتفتيق الأفكار وابتكار المعاني، فالكتاب سجل يخلد ذكر صاحبه ومرآة تعكس فكره ووعاء يشهد على سعة معرفته وعمق خبرته، ومتى جاء مرتجلا أساء إلى صاحبه وأكسبه من سوء الصورة غير ما كان يرجو ويشتهي، فهل لنا بعد هذا أن نلوم الجبناء إن هم تلكأوا في النشر؟ للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة