التأليف صناعة، والكتاب المؤلف منتج مثله مثل كثير من المنتجات الصناعية عرضة للجودة أو الرداءة، وإذا كان هناك منتجات تشتهر بالمتانة وجودة الصنع والعمر الطويل وأخرى تعرف بين الناس برداءة الصنع وقصر مدى الحياة المتوقعة، فإن الكتاب في واقعه لا يخرج عن ذلك، فهو إن لم يكن مجودا متقنا عرف في الأوساط الثقافية والمعرفية بالرداءة وانصرف الناس عنه. لكن هناك كتابا لا يهمهم ذلك، فيحصرون همهم في كثرة النشر والتنامي السريع لعدد ما ينشرون، هم يرون الغاية من التأليف أن يتضخم عدد المؤلفات التي تحمل أسماءهم تتقدمها ألقابهم الطويلة على غرار (مفكر ومثقف وأديب وكاتب وناقد وروائي وشاعر) وغيرها من الألقاب المشاعة التي لا يضبطها أي ضابط. هذا النهم في النشر وشهوة الإكثار منه والتفاخر بارتفاع رقم أعداد المؤلفات المنشورة، معول هدم للكتاب السعودي، هو أشبه ببكتيريا ضارة تنخر في جسد الكتاب حتى تنهكه، فالشراهة في النشر والاستماتة في التنمية السريعة لعدد ما ينشر من النتاج الفكري، تغري الكاتب بأن يقذف إلى المطبعة بكل ما يخطه قلمه بصرف النظر عن جودته ودرجة الإتقان فيه أوجدارته بالنشر، فتكون تلك الشراهة سببا في ضعف المنتج وتراكم الكتب الرديئة في المكتبات، كما أنها في بعض الأحيان تغري صاحبها بالاختلاسات الفكرية رغبة منه في اختصار الزمن والتعجيل بإصدار مؤلف يحمل اسمه الكريم، فبعض المستميتين على النشر من الكتاب لا يتورعون عن تصيد الاقتباسات مما تسنى لهم الاطلاع عليه من مصادر ليضمنوها مؤلفاتهم (الجديدة) بعد أن يتأكدوا من تجريدها من أي إشارة تدل على مصدرها الأصلي، يفعلون ذلك بثقة وطمأنينة اعتمادا على أن لا أحد سيعرف. أما إن اكتشف الأمر فما أيسر الخروج من المأزق بإلقاء اللوم على الخطأ المطبعي الذي بسببه سقطت الإشارة إلى المصدر!! والضحية في هذا كله، هو الكتاب السعودي وسمعته، فكثرة المنشور من الكتب المحلية الضعيفة وكثرة تكرر حالات الاختلاس الفكري فيها، وسمت الكتب المحلية بالرداءة، ومن نافلة القول إن الكثرة غالبا تدرج تحت جناحها القلة من المؤلفات الجيدة التي يعمها هي أيضا وسم الرداءة الذي اصطبغت به الكثرة، فينالها العزوف عنها كما نال غيرها إلا ما رحم ربي. الذين يشتكون من كساد الكتب، يبادرون إلى إلقاء اللوم على الناس فيتهمونهم بأنهم لا يقرؤون وأنهم منصرفون عن الثقافة غير راغبين فيها، ويغيب عنهم أن السبب قد يكون رداءة ما هو معروض من الكتب. إني لست مع القول في تيسير النشر كأحد سبل تشجيع الثقافة، فتيسير النشر يصحبه تدفق الضعيف من الكتابات إلى الأسواق، وهو ما ينعكس سلبا على مستوى الكتاب المحلي فيدمغه بالضعف ويسيء إلى سمعته. تشجيع الثقافة كما أراه، يبنى على تعزيز قيم الجودة والارتقاء بالذوق الفني والتذوق الأدبي، لا أن يكون قائما على تيسير نشر كل رديء أو مختلس. فاكس 4555382-1 للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة