لا تظنوا أني سأحدثكم عن تجربة علمية أو بحث نفساني يحلل الشخصيات من خلال الوضع الذي يفضله النائم، وإنما هو كلام فقيه أخذ يتأمل في أوضاع النائمين ويربط بينها وبين شخصياتهم، ولكم أن تقبلوا ما يقول أو تردوه، هذا شأنكم، ولكن إياكم والنوم على الوجه، فهو نوم الشياطين. يقول الإمام أبو حامد الغزالي في كتابه (إحياء علوم الدين): «النوم على أربعة أنحاء: فنوم على القفا وهو نوم الأنبياء عليهم السلام، يتفكرون في خلق السموات والأرض. ونوم على اليمين وهو نوم العلماء والعباد، ونوم على الشمال وهو نوم الملوك ليهضم طعامهم، ونوم على الوجه وهو نوم الشياطين». فعلى أي وضع تنامون؟ العوام لا يدركون أهمية اختيار وضع النوم فينامون كيفما اتفق ويرددون فرحين بسذاجة أن لهم الحرية في أن يناموا على أي وضع يختارونه، (كل واحد ينام على الجنب اللي يريحه)! وذلك لأنهم عوام لم يسمعوا بتقسيمات الغزالي، وربما لو سمعوا لسحبوا مثلهم ذاك وألقوا به في البحر أو دفنوه في قاع الصحراء. ثم إن النوم له سلطان على الناس لا يقهر، ومن سلطانه أنه متى هجم على صاحبه سقط غافيا على أي وضع كان، فلا نصح الغزالي يجدي ولا إطلاق العوام يغني، وإنما هو سلطان النوم الجاثم فوق الجفنين يقلب صاحبه كما يشاء، لا شيء يعلو فوقه. الجاحظ في كتابه الحيوان يتطرق للحديث عن وضعية نوم الحيوانات، وقد لفت نظري حديثه عن وضع النوم عند الذبان، فالذبان كما يقول تنام ملتصقة قوائمها إلى الأعلى وأبدانها معلقة إلى الهواء. وهذا الوضع الذي تتخذه الذبان في النوم أثار تعجب الجاحظ وجعله يقف أمامه متحيرا، هل الذبان تنام فعلا أم أنها «أمة من أمم الحيوان لا تعرف النوم ولا تحتاج إليه»! وسبب تحير الجاحظ هو استغرابه كيف تظل الذبان قابضة على مواضع قوائمها ممسكة بها وهي نائمة؟ فمن المعروف أن النائم تسترخي قبضته فلا تمسك بشيء، أما إن كانت الذبان تظل على ذلك الوضع وهي مرسلة قوائمها وليست قابضة على شيء، كيف أمكن لها أن تظل معلقة في الهواء ولم تسقط وهي أثقل من الهواء؟ ومن أوضاع النوم الأخرى التي يصفها الجاحظ أن الذئب لشدة حراسته «يراوح بين عينيه فتكون واحدة مطبقة نائمة وتكون الأخرى مفتوحة حارسة»، وأن الدجاج والكلاب لحظات نومهما قصيرة «بمقدار رجوع الأنفاس»، أما طيور الغرانيق والكراكي فإنها «لا تنام حتى تقلد أمرها رئيسا وقائدا وحافظا وحارسا، وأن الرئيس إذا أعيا رفع إحدى رجليه ليكون أيقظ له». بقي سؤال يدور في ذهني وأنا اقرأ كلام الجاحظ عن نوم الحيوان، إذا كانت أوضاع النوم التي تتخذها الحيوانات غريزية، فهل الناس هم أيضا يختلفون في أوضاع نومهم بفعل الجينات؟ للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة