قرأت لمن يؤكد بأن الأسر السعودية تنفق على الدروس الخصوصية سنويا خمسين مليون ريال، فقفز إلى ذهني السؤال: لماذا احتاجت هذه الأسر من الأصل إلى «المدرس الخاص» ؟. لا يحتاج الأمر إلى شجاعة استثنائية لنعترف ونقر بأن المدرس الخاص لا علاقة له بهذه المشكلة، لأنه إنما يقوم بسد نقص وفشل مدارسنا عن تأهيل أبنائنا أكاديميا بالمستوى المطلوب. وإذن فإننا يجب أن نتجه مباشرة إلى هذه المؤسسات لنتفحص طريقة الأداء فيها لعلنا نضع أيدينا على أوجه الخلل والقصور التي تجعلها عاجزة عن القيام بدورها، لنعالجها، وتنتفي بالتالي الحاجة إلى خدمات هؤلاء الباحثين عن مصدر رزق بطرق غير نظامية. وشئنا أم لم نشأ الاعتراف، هناك قصور في العملية التدريسية وفي توصيل المادة إلى عقول أبنائنا، ولا مجال هنا للحديث عن المناهج طالما أن الطالب يختبر في المقرر من المواد، لا في شيء خارجها أو فوقها، إذن فإن المشكلة تتركز في عملية توصيل المادة المقررة. وقد تناولت هذا الخلل وأوضحت أسبابه أكثر من مرة، ويمكن تلخيصها في سوء إعداد المعلم، وأن هذا شيء ورثناه من الوفرة، حيث كان التركيز فيها الكم على حساب النوع، مما أدخلنا جميعا في هذا المأزق التعليمي. وليت الأمر اقتصر على التعليم العام، إلا أن الكارثة فيما يبدو أكبر وأخطر مما نتصور، أو نحب لأنفسنا أن نصورها، إذ إن العدوى انتقلت لطلاب الجامعات حيث انتشرت الإعلانات التي تبشرهم بأستاذ خاص في المواد المقررة عليهم في الجامعة. ولا أدري في هذه الحالة على من نلقي باللائمة؟. هل سنعلقها أيضا على شماعة «الخصوصي» الذي يساعد على إيصال المادة لعقل هذا الجامعي؟. بعضهم سيقول لك بأنه لا بد أن يتخذ أولياء الأمور قرارا حاسما بأن يعتمد أبناؤهم على أنفسهم في المذاكرة ويمنحوهم مكافآت تشجيعا لهم بدل تلك الأموال التي تذهب للمدرسين الوافدين. ويكفي للإجابة عليه أن نسأل أنفسنا كيف ينجح أبناء الأسر التي لا تملك ما تستأجر به مدرسا خاصا لابنها. وكيف كان ينجح الطلاب في المملكة قبل أن تستفحل ظاهرة المدرسة الخصوصية؟. كان التعليم استثمارا اجتماعيا واقتصاديا للأسر، لأن نجاح الابن وتفوقه كان يضمن له ولأسرته مكانة اجتماعية ذات شأن، كان التعليم والتفوق فيه عزا ومفخرة للأسرة كلها، كما أنه يضمن دخلا اقتصاديا لا يرفع عنها عبئا اقتصاديا تكبدته في تعليم ابنها فحسب، بل يرفعها اقتصاديا بعد أن يتوظف الابن ويخرج إلى سوق العمل متسلحا بعلمه. وقد انتفت، أو كادت، هذه الوظيفة الاجتماعية للتعليم، وبالتالي ضعفت روح التنافس العلمي، وتحولت الشهادة إلى مجرد واجهة ديكورية اجتماعية. مات الدافع الذاتي في روح الأبناء لتحدي النجاح والتفوق، ولم يعد ثمة دافع ذاتي عندهم للاجتهاد في الاستذكار إلا بمدرس خصوصي، أو حوافز مادية تمنح لهم بدل أن تعطى للمدرس الخصوصي، أليس الأجدى له تربويا لو أننا أفهمناه بأن نتائج نجاحه إذا نجح ستؤول إليه وحده، وأنه هو من سيحصد ثمارها حينما يكبر ويشب، حتى ندخلهم في دائرة المسؤولية؟. * أكاديمي وكاتب سعودي. www.binsabaan.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 215 مسافة ثم الرسالة