الحمدلله وحده.. وبعد: (اقرأ.. باسم ربك الذي خلق) نزلت على قلب محمد صلى الله عليه وسلم النبي الناهض.. أولى الكلمات التي اخترقت سكون دجى الليل في ظلام ذلك الغار القصي.. مع أحاسيس الضم الخانق والضغط الشديد.. تكررت المنبهات بكلمة «اقرأ.. اقرأ.. اقرأ ..» إيحاء بمشقة القول الثقيل الذي سيلقى على أسماع الرسول الأمي.. قراءة تاريخية لتجارب صراع الحق والباطل، والظلم والعدل، وتجارب الأمم والأزمات ستمكنه من أن تتوسع مساحات الرؤية لديه ومدارك البصيرة، التي ستجعله لا يلدغ من جحر واحد مرتين. حينما نستثمر الجهد في قراءة الواقع والتعاطي معه يجب أن يكون هذا الاستثمار مربحا بقدر المستطاع للمجموع، يذوب في هذه المعادلة حظ الفرد الشخصي. ربما تكون حسابات البعض من قراءة الواقع هي الربح الشخصي من استيعاب هذه المقدرات بحيازة سمعة الرجل البناء الخارق للعادات، إلا أنه سيكون الرابح الأكبر إن ربحت رسالة السماء ورسالة العدل وحملها لأكبر قدر من محيطه ومجتمعه. فتفكير الناهض لا يتحسن أبدا بالأصباغ والبهرجة والزيف والهدر غير الواعي للمقدرات، والزخم الإعلامي بالحديث عن النفس وأن تسيطر على ملكاته ومجامع نفسه أمام سيل جارف من القيم السلبية والمتراكمة عبر السنين المعيقة لنهضة مؤسسته التي يخدم بها، فهذا المنحى المنخفض لا يصنع فكرا تطويريا مهيبا، وليس منطقا أن يكون هو شغله الشاغل عن حقيقة استفراغ الجهد في القيم الإيجابية المؤسسية الخلاقة التي ستنتشر بهدوء في مجتمع العدل. وعلى هذا جرى التوقيع.. ولننهض في لقاء آخر.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد. * القاضي في المحكمة العامة في تبوك [email protected]