غيب الموت مؤسس نادي الهلال الشيخ عبدالرحمن بن سعيد، ليفقد الرياضيون علما بارزا من أعلام الرياضة، غير أنه خلف إرثا من العمل والجهد والنتائج، والسيرة الحسنة، والأعمال الخالدة، وبالتأكيد عبد الرحمن بن سعيد من أوائل الذين مارسوا الرياضة السعودية في مدينة الرياض في عام 1365 ه، واستمر في الميدان الرياضي منذ ذلك التاريخ حتى ساعة دخوله المستشفى متابعا للحركة الرياضية السعودية ولأخبار ناديه الذي أسسه، بالرغم مما يعانيه في الآونة الأخيرة من مشاكل صحية. وقبل كل هذا بدأ ابن سعيد مشواره الرياضي في نادي الشباب في الستينيات الهجرية، ثم تركه ليؤسس نادي «الأولمبي» الذي سمي في ما بعد بنادي الهلال، المعروف اليوم ببطولاته القارية والمحلية ونجومه الكبار. حقب زمنية مرت ولم يمح اسمه من تاريخ الرياضة السعودية، بل سيظل مدونا بنقش مذهب في كل زاوية من زوايا نادي الهلال، تاريخ طويل خطاه بخطى لن تمحى على مر الأزمان والعصور. عبد الرحمن بن سعيد يغيب اليوم، غير أنه يترك قلوبا أحبته وأحبها، كيف لا وهو صاحب القلب المترع بالحب، المولع بالإخلاص. ذكريات خالدة ويتحدث أحد الذين عاصروا الشيخ ابن سعيد مدير مكتب رعاية الشباب الأسبق في مكةالمكرمة، والمعلق الرياضي محمد رمضان، فيقول «لن أنافق، ولن أزايد، عبد الرحمن بن سعيد رجل (خرافي) عشق الهلال بجنون، وأعطاه بلا حدود، وطبع سيرة خالدة، وتعاملا أمثل على جباه كل من عرفوه عن قرب أو بعد، فقد كان معطاء، محبا، رزينا.. وتعلق حبه بالكيان الهلالي بشكل عجيب، فلم يكن يترك لاعبا يمكن أن ينفع الفريق إلا ودعم به الفريق، بل ظل بيته عامرا مفتوحا للاعبين والجماهير، وأذكر من المواقف أن لاعبين من فئة الشباب تأخروا عن الحضور، وعلم أن المواصلات من أسباب تأخرهم، فهب إلى شراء 25 دراجة نارية لمساندة اللاعبين في مواصلاتهم، وهو أمر قام على فعله مع جل لاعبي الهلال، ولا يفتأ يمد العون لأي لاعب من الأندية الأخرى». ويروي الرمضان موقفا آخر، حين غضب والد الشيخ عبد الرحمن بن سعيد من نجله، وطالبه بالبعد عن نادي الهلال، ليبتعد ابن سعيد قرابة الشهرين، فيكتب الرمضان مقالا يقول فيه «من للهلال غير أبو مساعد» ما دفع الأب لأن يترك عبد الرحمن بن سعيد ليعود لعشقه من جديد. ويضيف الرمضان «ابن سعيد تعاطى الاحتراف قبل أن يولد، ففي الثمانينيات الهجرية دأب ابن سعيد على الدعم المنظم للاعبين، والمكافآت، ولم يكن يقبل بالتهاون من أي لاعب، فعلى الرغم من كونه رجلا محبا ومعطاء يرفض الاسترخاء من لاعبيه، ولذلك سار بالهلال إلى ما نراه اليوم». حسن الخاتمة وبصوت مكلوم مغدق بالحزن على ألم الفراق يقول رئيس أعضاء شرف نادي الهلال الأمير بندر بن محمد «فقدنا أبا لنا، وأخا عزيزا على قلوبنا، وألم رحيله سيظل في قلوبنا، ولكن قضاء الله وقدره غالبان، ولا راد لقضاء الله، وكلنا على هذا الطريق سائرون، وسيبقى الشيخ عبد الرحمن بن سعيد حبا خالدا في قلوبنا، فهو مؤسس نادي الهلال، وهو أحد أعمدة الرياضة السعودية، نسأل الله له الرحمة والمغفرة». وأضاف «منذ فترة طويلة لم أستطع التحدث للشيخ عبد الرحمن، ولكني ظللت أعوده باستمرار وأطمئن على صحته بالاتصال على ابنه أحمد، ولكن قضاء الله وقدره كان أقوى، وأسأل الله أن تكون وفاته في هذا الشهر الفضيل حسن خاتمة له». فقد عزيز من جانبه، بدأ قائد نادي الهلال والمنتخب السعودي سابقا صالح النعيمة بالعزاء لأسرة الشيخ عبد الرحمن بن سعيد ولجميع الرياضيين، وقال «الشيخ عبد الرحمن بن سعيد فقيد الرياضة السعودية، وأمجاده ونجازاته لا يمكن أن تنسى، فهو بالإضافة لتأسيسه للنادي هو من سجلني لنادي الهلال، واستمررت في النادي حتى اعتزالي في عهده، وله فضل كبير علي بعد الله عز وجل، وعلى كثير من الرياضيين، والكثير من اللاعبين يدينون له بأفضال كبيرة، وقدم خدمات للرياضة السعودية بشكل عام ولنادي الهلال بشكل خاص، وأيضا للاعبين كثر من كل الأندية، لقد كان والدا لنا كلاعبين ولن أنسى عطفه وطيبة قلبه ما حييت، وسأظل أدعو له بالرحمة والمغفرة». ويقول نجم نادي الهلال السابق إن الرياضة السعودية فقدت رجلا من الأفذاذ له تاريخ مشرف، وذكريات جميلة مع الكل. وأضاف «لا يمكنني نسيان وقفات هذا الرجل معي، ابن سعيد هو المرجع الرئيس للهلال، ولأعضاء شرفه، لقد كان القائد حتى مع ابتعاده في الفترة الأخيرة، إلا أنه كان هو الربان الحقيقي للهلال، ويكفي أنه أسس ناديين من أهم أندية السعودية (الهلال، والشباب) مما يعني أنه أحد مؤسسي الرياضة السعودية، ولا نملك سوى بالدعاء له بالرحمة والمغفرة، وأن يلهم ذويه الصبر والسلوان». حزن عميق من جهته، قال رئيس نادي الرائد السابق عبدالله السدرة «تلقيت خبر وفاة الشيخ عبد الرحمن بن سعيد مؤسس نادي الهلال بأسى بالغ، ففقده خسارة كبيرة للوسط الرياضي بوجه عام، لما عرف عن الفقيد من حب وتقدير لكل من عمل إلى جانبه منذ سنوات طويلة». وأضاف «لابن سعيد مواقف مشهودة مع نادينا الرائد فهو دائما يقف معنا، إذ تكفل غير مرة بتسجيل عدد من اللاعبين، فضلا عن تكفله أيضا بمصاريف علاج بعض اللاعبين ومنسوبي النادي، إلى جانب مساهماته معنا في المعسكرات التي نقيمها في الرياض وغيرها من مدن المملكة، وهو من أسس ورسخ العلاقة التاريخية بين الرائد والهلال منذ تأسيسهما قبل نحو 57 عاما». وتابع «كان نعم الرجل، ونعم الموجه لنا، واستفدنا من توجيهاته السديدة الشيء الكثير نظرا يملكه من حكمة وحنكة وخبرة رياضية كبيرة، وشهادتي في الفقيد مجروحة ومهما تحدثت عن محاسنه ومزاياه فلن أوفيه حقه كونه رمزا من رموز الوطن، ويكفي أنه أفنى عمره رحمه الله في خدمة الرياضة والرياضيين لمدة تجاوزت 60 عاما كانت كلها عامرة بالكفاح والصبر والمثابرة، وقطاع الرياضة والشباب سيفتقد بلا شك هذه القامة الكبيرة التي لن يتم تعويضها بسهولة، فهو من رسم التاريخ لعدة أندية محلية، حتى باتت في الوقت الراهن من أعرق الأندية المحلية والعربية والآسيوية». وطالب السدرة من الرئيس العام أن يطلق اسم ابن سعيد على إحدى المنشآت الرياضية في المملكة، تخليدا لاسمه، فهو يستحق منا الوفاء ونحن أهل الوفاء. نظرة خبير وعلى الصعيد ذاته، قال عضو شرف نادي الاتحاد الدكتور مدني رحيمي إن الشيخ عبدالرحمن بن سعيد أحد الذين لهم دور كبير في الرياضة السعودية، وأسهم في تحقيق إنجازات عديدة لنادي الهلال، وصاحب الدور الفعال في تواجد نادي الهلال، بعد انتقاله من جدة إلى الرياض، فقد كان يطلق على الهلال أهلي الرياض، وإبان عهد الملك سعود تم تغيير المسمى لنادي الهلال. وكشف رحيمي أن مؤسس نادي الهلال زار نادي الاتحاد في مقره الحالي في شارع الصحافة في السنوات الماضية، وأطلق كلمات من الصعب نسيانها بأن الظروف التي مرت على نادي الاتحاد لو مرت على ناد آخر لأغلق، ولكن وقفات الاتحاديين وقدرتهم على تحمل أعباء ناديهم أسهمت في بقاء نادي الاتحاد، وتلك الكلمات تعتبر من رجل رياضي وخبير قدم الشيء الكثير للرياضة السعودية. وأشار رحيمي إلى أن نادي الهلال والرياضة السعودية عموما فقدت شخصية رياضية لها ثقلها الكبير في الوسط الرياضي. وسأل المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.