عرفتُ شيخ الرياضيين ورائد ومؤسس الرياضة في المنطقة الوسطى الشيخ عبد الرحمن بن سعيد - رحمه الله - عن قرب، مع دخولي مجال العمل الصحفي الرياضي قبل خمس وعشرين عاماًَ تقريباً، وكنت أعرفه قبل ذلك عن بُعد كرمز رياضي كبير. وكان لي الشرف في ذلك القرب من تلك الشخصية الاستثنائية. وأكثر ما لفت نظري في شخصية الراحل - رحمه الله - تواضعه وسماحته وسمته وهيبته التي يستمدها من أخلاقه العالية، فطوال ربع قرن لم أسمع منه كلمة نابية بحق أحد ولم يصدر عنه ما يسيء لأحد، رغم ترؤسه لأكبر نادٍ في القارة وحدّة المنافسة التي تجمعه بالأندية الأخرى، ولم ينجر يوماً من الأيام وراء إساءة طالته أو طالت ناديه كذباً وبهتاناً. لقد رحل الرجل وهو يحمل في قلبه حباً كبيراً للجميع، سواء لمن ينتمون لناديه أو للأندية الأخرى بما فيها المنافسة، وبما فيها من صدر منها ومن منسوبيها إساءات بحقه. حيث كان في قلبه الكبير مساحات رحبة تتسع للتسامح والتصالح مع الجميع ومقابلة الإساءة بالعفو. وهذا البياض والنقاء سيجده إن شاء الله اليوم، وهو يلقى وجه ربه ويقابل عمله الصالح. وتلك السمات والشمائل والخصال الحميدة التي كان عليها ابن سعيد - رحمه الله - انتقلت بكيمياء زرقاء إلى نادي الهلال، فأصبح العمل والإنجاز هو سياسة الهلاليين، تاركين لغيرهم الثرثرة وتوزيع الاتهامات وقذف الإساءات، فرغم سهام القذف المسمومة والأكاذيب والافتراءات المضللة التي كانت تطاله، ظل الهلال رافعاً رأسه ناظراً للأمام، لا يلقي بالاً لترهات تقذف بحقه ممن يغارون من بطولاته ويحسدونه على إنجازاته، حتى أنّ كل بطولة يحققها الهلال باتت توصف ببطولة النوايا الحسنة. لأنها كانت تتحقق في خضم نوايا سيئة تحاك من حوله. وتلك هي الأسس المتينة التي أرساها عبد الرحمن بن سعيد من أول يوم أشهر فيه اسم الهلال. وقد لفت نظري مطالبة بعض أو كثير من محبي أبي مساعد - رحمه الله - بتكريمه سواء من قِبل ناديه وأعضاء شرفه، أو من قِبل الجهات الرسمية المسئولة عن الرياضة في المملكة، وهي دعوات محبين ولاشك، ولكني أرى أن أي تكريم لن يبلغ مدى ما قدمه الشيخ، فما قدمه للوطن ولأبناء الوطن أكبر من أي تكريم. وفي رأيي الشخصي أن محافظة الهلاليين من إدارة وشرفيين ولاعبين وجماهير على مكانة ناديهم المتميزة والمتفردة في القمة محلياً وزعامته قارياً، هو التكريم الحقيقي للفقيد الكبير. لم يكن - رحمه الله - مجرّد مؤسس لأكثر من نادٍ، ولا رئيساً لعدة أندية، ولا رائداً لجيل، بل كان تاريخاً، كان مشروع نهضة .. رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته. لقد كانت وفاته - رحمه الله - في شهر رمضان المبارك من البشارات المفرحة، وكذلك الجموع الغفيرة الذين حضروا الصلاة عليه خلف سماحة المفتي، والآلاف المؤلّفة من الصائمين الذين شيّعوه إلى المقبرة وشهدوا الدفن بألسنة تلهج بالدعاء له بالرحمة والمغفرة. اللهم اغفر لعبد الرحمن بن سعد بن سعيد وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسِّع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقِّه من الخطايا كما يُنقّى الثوب الأبيض من الدّنس. اللهم انزل على قبره النور والفسحة والسرور، اللهم إنّ عبد الرحمن بن سعد بن سعيد في ذمتك وحلّ بجوارك فقه فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحمد، فاغفر له وارحمه إنك أنت الغفور الرحيم. اللهم عبدك وابن عبدك احتاج إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه إن كان محسناً فزد في إحسانه وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه .. يا رب العالمين.