في الوقت الذي اتجه صيف جدة هذا العام بأكمله إلى المراكز التجارية والمولات المنتشرة في أنحاء المحافظة، حيث تقدم العديد من البرامج الترفيهية والألعاب المختلف الفئات العمرية للسياحة، اضطر عدد من البسطاء من ذوي الدخل المحدود إلى شاطئ الكورنيش بأبنائهم، مفضلين الأجواء الرطبة والخانقة على صرف المبالغ الطائلة داخل المجمعات التجارية. ومنذ أن يرخي الليل سدوله في جدة، تبدأ سيارات السياح في التحرك بعد أن تهدأ وتيرة الحر الخانق، حيث تتجه السيارات العائلية إلى تلك المراكز ممن لديهم القدرة الشرائية، في حين تقطع سيارات ذوي الدخل المحدود الطرقات بحثا عن الشاطئ الذي لا يكلفها أعباء إضافية، باستثناء الشاي والقهوة التي يمكن أن يحملها من منزله بعيدا عن أي تكاليف مادية. وعلى رصيف شاطئ أبحر جلس فيصل المحمادي بجوار زوجته وأبنائه الثلاثة، يراقبون سكون البحر المسائي الذي لا يعكره إلا أصوات الدبابات البحرية والقوارب المستأجرة، وهي تخوض الأمواج طوال الليل، واكتفى المحمادي بمشاهدتها من بعد وملاطفة أبنائه الصغار وإضحاكهم بالقصص التي مرت عليه خلال أيام صباه. تكاليف مرتفعة يقول المحمادي: «أعلم بأن المجمعات التجارية تحوي العديد من البرامج والفقرات الجميلة، ولكن دخول تلك المجمعات تتطلب العديد من التكاليف ليس أقلها مشاركة الأبناء في الألعاب الترفيهية، التي تستنزف مالا يقل عن 300 ريال، وهذا ما يعني اقتطاع ما يقارب ثلث المصاريف الشهرية التي أضعها لعائلتي بسبب راتبي المتواضع أصلا». ويضيف: «كنت أخطط للذهاب إلى أحد المراكز التجارية، ولكن فاجأني أحد أصدقائي في العمل عندما قص لي تجربته هنالك، حيث جرب التنزه برفقة عائلته التي اتجهت إلى الألعاب الترفيهية، ثم طلبت منه تناول طعام العشاء في نفس المركز، ومن ثم شراء بعض الألعاب مما كلفه ما يقارب ال 500 ريال خلال ليلة واحدة». ويستطرد: «أسرتي تتفهم وضعنا المالي، ولذلك أحاول تعويض أطفالي من خلال الشاطئ الرملي في أبحر والمرور على الألعاب المجانية في إحدى الحدائق القريبة، والتي نضطر في أحيان كثيرة إلى الوقوف في طابور طويل لوصول أبنائي إليها، لكثرة الراغبين فيها من ذوي الدخل المحدود». ورغم الأجواء التي بدأت تتجه للرطوبة في جدة خلال الأيام الماضية، إلا أن بندر الزهراني، فضل أن يمارس هوايته في الشواء على شاطئ البحر، حيث اندفع منذ وصوله للمكان المناسب على رصيف البحر لإشعال النار، واتجه لدجاجه الذي لم يكلفه إلا 20 ريالا، وبدأ في وضع البهارات الخاصة له وسط مراقبة أسرته المستمتعة بمنظر والدها المنشغل بتجهيز العشاء اللذيذ. يقول بندر: «طلب مني أبنائي التنزه ومتابعة صيف جدة، خصوصا أن الفعاليات المتنوعة أغلبها في المراكز التجارية والتي تستنزف جيوبنا بمبالغ بالمئات، ولأنني حاليا منشغل في بناء منزل خاص لي ورغبتي في توفير المصاريف، عرضت عليهم أن نتجه إلى شاطئ البحر للشواء والاستمتاع بمنظر البحر المسائي، فوافقوا بالإجماع وقررت أن أتكفل بالشوي لهم على الشاطئ تقديرا لموافقتهم على هذه الفكرة». غلاء فاحش ويضيف: «الجو رطب بالفعل ولكن مع الغلاء المستشري في الأسعار، والتكاليف المترتبة على زيارة المجمعات التجارية، فإن البحر أرحم لنا من تلك المصاريف، وسأعوضهم فور تحسن حالتي المادية بأذن الله تعالى». وعلى الرصيف المجاور جلست إحدى الأسر القادمة من محافظة الطائف، للاستمتاع بأجواء البحر ومتابعة السباق الحامي للدبابات البحرية، والتي لا تنقطع أصوات محركاتها من منتصف النهار وحتى طلوع الفجر.. يقول خالد العتيبي رب الأسرة «قدمت من الطائف للاستمتاع بصيف جدة، والذي يحتوي على العديد من الفعاليات الجميلة، ومررنا بإحدى المجمعات التجارية حيث مكثنا عدة ساعات صرفت خلالها ما يقارب ال 350 ريال، ما بين تسوق للزوجة وشراء العاب للأطفال والمشاركة في الألعاب الترفيهية، ومن ثم طلب مني أبنائي رؤية البحر فحققت لهم هذه الرغبة». ويضيف «أعتقد أن الفقراء لا حل لهم إلا البحث عن شاطئ البحر الهادئ، لأن الأسعار داخل تلك المجمعات مشتعلة، وتحتاج إلى ميزانية خاصة لا يستطيع تحملها الفقراء».