بيني وبين العقاد خصومة مستمرة، فهو في كثير من الأحيان يستفزني بأقواله، لكنه استفزاز حسن، فهو يدفعني إلى مجادلته والتأمل في ما يطرحه من فكر، وغالبا ينتهي بي الأمر إلى نتيجة مثمرة. من عبارات العقاد المستفزة التي خلدتها كتبه قوله: «إذا باليت بشيء غير المرأة التي تحبها، فأنت في رأيها لا تحبها، وقد تتهمك بجهل الحب أو جمود الطبيعة أو فقر الفؤاد» والاستفزاز الذي تحدثه هذه العبارة ليس لكون المرأة تشكو من انشغال الرجل عنها، وإنما لكون العقاد جعله صفة مقصورة على المرأة وحدها! العقاد يلمح إلى ترسيخ ما يعده (غرابة) في طبيعة المرأة، وكيف أن الرجل يجد صعوبة ومعاناة في تعامله معها. لكم تمنيت لو أن العقاد ما زال يعيش بيننا لأسأله: ماذا عن الرجل؟ هل الرجل الذي تنشغل عنه المرأة يغفر لها متفهما مسؤولياتها الأخرى ومحترما طبيعة حياتها وما تتطلبه من تعدد الأشغال ومجالات الاهتمام؟ ليلة البارحة كانت إحدى طالباتي تحدثني عن مدى معاناتها مع زوجها؛ كي تستطيع أن تستمر في مواصلة الدراسة، قالت: «لو بهواه كان أترك كل شيء وأجلس في البيت، دائما يخبرني أني منشغلة عنه وأني مقصرة في حقه، رغم أني حريصة على أن لا أكون كذلك، لكنه يريدني متى كان في البيت أن أترك كل شيء وأتفرغ له، مهما كان انشغالي، وذلك مستحيل فأنا أحيانا يكون عندي اختبار في اليوم التالي، فماذا أفعل؟». أتوقع أن هذه الطالبة ستتساقط عليها الردود القاسية من كل جانب لتقول لها: «زوجك معه حق، فواجبك الأول هو أن تسعديه وأن تنالي رضاه». لكني ما عرضت شكواها لهذا، وإنما عرضتها لتوضيح الصورة بين ما تقوله الثقافة العامة تجاه موقف متماثل يصدر عن المرأة والرجل، في حال المرأة، تناول العقاد شكواها من انشغال الرجل عنها بشيء من التهكم والاستخفاف الذي يستدل به على سطحية المرأة وعدم قدرتها على تقدير مشاغل الرجل الكثيرة. أما في حال الرجل، فإن الناس يتناولون شكواه من انشغال زوجته عنه ليس بالتعاطف فحسب، وإنما باللوم الموجه ضدها، حيث يرون أن واجب المرأة يحتم عليها التفرغ للرجل والحذر من الانشغال عنه، مما يجعل بعض الرجال لا يرى غضاضة في أن يبرر زواجه الثاني بحجة انشغال زوجته الأولى عنه، فهو مطمئن إلى أن ثقافة المجتمع تعذره وتسانده. والمرأة، ملامة، ملامة، هي ملامة إن شكت من انشغال الرجل عنها، وملامة إن اشتكى الرجل من انشغالها عنه!. ص. ب 86621 الرياض 11622 فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة