لغازي القصيبي رحمه الله ، كتيب صغير بعنوان الأسطورة، كان يتحدث فيه عن الأميرة ديانا إثر وفاتها، (هذا إن لم تخني ذاكرتي، وكثيرا ما خانت). لكني هنا لا أنوي الحديث عن كتابه، وإنما خطر ببالي لفظ الأسطورة وأنا أفكر في حقيقة الوفاء بعد أن مضيت أتأمل في كثير من القصص التي تروى عنه، وما تحفل به أدبيات التراث في العالم كله، عربي وغيره، من قصص ممجدة للوفاء وما يتجلى فيه من جمال وسمو، أو ما يقتضيه من بذل وتضحية في بعض الأحيان!. ما يلفت النظر أكثر، أن غالبية قصص الوفاء تظهر منسوبة إلى النساء، ربما امتدادا لما يشيع من القول بأن المرأة أكثر وفاء من الرجل، فهي متى غاب عنها الحبيب لا تبالي بالانتظار الطويل، ارتقابا لعودته أو عزوفا عن الارتواء من حب قلب غير قلبه، وهي في تلك القصص، غالبا ما تكافأ بتحقق ما أملته، فالحبيب غالبا يعود إليها بعد الانتظار الطويل. أحلام مستغانمي، لها في هذه المسألة رأي مختلف، هي في كتابها (نسيان) تنفي صدق ما يروى من قصص الوفاء المنسوبة إلى النساء، وتصفها بأنها قصص مصنوعة وضعت لها نهايات سعيدة رائعة، تحقق للنساء الوفيات المرتقبات عودة الحبيب الغائب ما يحملن به «سنووايت تقضي مائة عام من عمرها في سبات سحري مقابل قبلة من الحبيب العائد! بنيلوب في الأوديسا تقضي خمسة عشر عاما من عمرها تحيك الثوب نهارا وتنقضه ليلا لتطيل زمن الانتظار كي لا تتزوج في غياب الحبيب». لكن هذا لا يحدث إلا في الخيال، في الأساطير وحدها يعود فارس الأحلام بعد غياب طويل متلهفا مشوقا إلى لقاء الحبيبة. هذه القصص، كما تراها مستغانمي، ما هي إلا أساطير وخرافات صنعها الرجال لتحفيز النساء على الوفاء والانتظار، أما الحبيب، فإنه متى غاب، لا يعود، لا يعود إلا في تلك الأساطير، لذلك هي تحذر قارئاتها من الانخداع بتصديق تلك القصص الأسطورية، التي تجسد لهن جمال انتظار الحبيب والوفاء له وتعدهن بالحصول على الجائزة متى نجحن في اختبار الصبر والانتظار، فذلك كله خيال كذب، ووهم باطل، أما في الواقع، فإن من يذهب لا يعود. غادة السمان لها وجهة نظر مشابهة عن الوفاء، فهي ترى أن الوفاء لا وجود له لأن الحب من طبيعته أن لا يدوم، الحب له: «أجنحة كأجنحة البوم يطير بها بعيدا ولا يسمع أحد حفيف أجنحته، وحين يمضي، لا يعود أبدا». العقاد، وإن كان يقدم رأيا مناقضا لما تقوله الأساطير عن وفاء المرأة، إلا أنه يتفق مع غادة السمان في إيمانه بعدم دوام الحب، هو يرى أن المرأة لا وفاء عندها وأنها كثيرة التقلب في الحب، لكنه لا يلومها على ذلك، لأنه يرى أن هذه هي طبيعة الحب، فالحب ليس من طبيعته أن يدوم، يقول: «إننا نحسب الحب شيئا لا نهاية له، وليس ذلك من خطأ المرأة (..) إننا نلوم المرأة على التقلب في الحب ولا لوم عليها لأن دوام الحب خيال لا حقيقة». ص. ب 86621 الرياض 11622 فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة