يلوم العقاد في كتابه (الكلمات الأخيرة)، المرأة عندما تطالب الرجل أن يتعامل معها كما تتعامل هي معه فيقول: «إذا باليت بشيء غير المرأة التي تحبها، فأنت في رأيها لا تحبها وقد تتهمك بجهل الحب أو جمود الطبيعة أو فقر الفؤاد وحجتها في ذلك أنها هي إذا أحبت لا تبالي بغير الرجل الذي تحبه، فلماذا لا تطالبه بمثل ما تعطيه؟ وهذا هو الخطأ لأن المرأة إذا أحبت وهبت نفسها، ومن يهب لا يحق له أن يحتفظ بشيء مما وهب. أما الرجل فهو آخذ وهو يعطي المرأة بمقدار ما وهبته ويبقى عنده بعد ذلك ما يملكه ويحتفظ به ويباليه». منطق العقاد، يغيظ! فهو بدلا من أن يرى في مفهوم المرأة للحب معنى الإخلاص والتفاني والذوبان في الآخر، يجعل ذلك المفهوم خطأ منها وسوء تقدير لطبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة! فالمرأة في رأي العقاد تقيس سلوك الرجل على سلوكها، وهو ما يراه خطأ منها، فهي حين تطالب الرجل بالإخلاص بناء على إخلاصها، هي لا تدرك الفوارق بين دور الرجل ودور المرأة في الحب، فدور المرأة كما يراه العقاد، هو أن تعطي، أما الرجل فإن دوره أن يأخذ! ومن ثم فإن من يأخذ ليس ملزما بأكثر من أن يرد بمقدار ما أخذ. ولذلك ليس للمرأة أن تطالب الرجل بأن يكون (كله) لها. وهذه الفكرة من العقاد لست أراها في غاية السخف فحسب، وإنما هي تبدو لي أيضا في غاية الهشاشة وذلك من جانبين: أحدهما، كون العقاد حين قسم الأدوار في الحب بين الرجل والمرأة، قسمها حسب ظنه هو، ثم أطلق ذلك الظن ليعطيه صفة الحق، وإلا ما الذي يثبت أن دور المرأة يقتصر على العطاء ودور الرجل يقتصر على الأخذ؟ ولم لا يكون الاثنان يعطيان والاثنان يأخذان؟ إن العقاد لم يورد أي تبرير منطقي يقنع بصحة ذلك التقسيم الذي ذكره، وهو كما يظهر مجرد كلام لا قواعد علمية له يرتكز عليها، ومن ثم فإن من السهولة بمكان إسقاطه. الأمر الآخر، هو اعتقاد العقاد أنه طالما كان دور المرأة أن تهب ودور الرجل أن يأخذ، فإنه لا ينبغي للمرأة أن تتوقع من الرجل أن يعطيها أكثر من مقدار مما أخذ. وهذا القول في حد ذاته حجة على العقاد، فالمرأة متى وهبت الرجل كل مشاعرها فلم تعد تبالي بأحد سواه، حق لها، بحسب هذا القول، أن تتوقع أن يكون الرد على هبتها (بمقدار ما أخذ منها) فإذا كانت وهبت ذاتها بالكلية؟ أليس ذلك هو المقدار المكافئ لما أخذ منها؟!