رغم سنها الذي تجاوز الستين عاما اتكأت المواطنة سوسن علي بيدها اليمنى على عصا ضعيفة، ورفعت بيدها اليسرى سلكا كهربائيا حصلت عليه من أحد جيرانها بحثا عن العيش في حياة النور، بعد أن رفضت أمانة جدة كل طلباتها للحصول على الكهرباء منذ عدة أعوام. سوسن التي عاشت منذ فترة طويلة في ذلك المنزل لم تكن إلا مثالا بسيطا لعدد كبير أخر من سكان الحرازات شرقي جدة والذي لا زالوا يعانون من عدم إيصال التيار الكهربائي إلى منازلهم التي خسروا عليها مبالغ تصل إلى خمس أرقام بحثا عن سكن يضمهم مع أبنائهم وهربا من الإيجار العالي والذي لم يستطع أغلبهم تحمله. تقول سوسن «أسكن منذ فترة طويلة في هذا المنزل المتواضع ويعمل ابني في إحدى المؤسسات الصحية، ورغم أننا تقدمنا إلى أمانة جدة بعدة طلبات لم نجد آذانا صاغية لمطالبنا والتي تتمثل في إيصال الكهرباء». وتواصل «كنا نعاني من الحر الشديد في فترات الصيف الطويل في جدة وبعد أن لاحظ ذلك أحد جيراننا، والذين حصلوا على التيار الكهربائي منذ سنوات أصر على إيصال سلك كهربائي لا يمكن له تشغيل المكيفات، ولكنه قادر على الأقل على تشغيل الإضاءة التي حرمنا منها». ويوضح سكان الحرازات التي يسكنها أكثر من 30 ألف نسمة حسب إحصائية عمدة الحي، أن عددا كبيرا من السكان الذين تعبوا حتى أنهوا بناء منازلهم، صدموا من عدم وصول التيار الكهربائي واضطر أغلبهم للبحث عن جار يعطف عليهم بإيصال الكهرباء، أو عن مولدات الكهرباء جلبها مستثمرين يشترطون للحصول عليها دفع مبلغ 500 ريال. وبين ل «عكاظ» المهندس خالد عقيل نائب أمين أمانة جدة أنه يوجد شرطين أساسيين يجب توفرها لمن يتقدم لطلب خدمة الكهرباء وذلك وفق الأمر الملكي، أولها أن يكون المنزل شيد قبل العام 1424ه، وأن لا يكون قد تم بناؤه على أرض للغير. وقال المهندس خالد عقيل إن لجنة مشكلة بهذا الخصوص في أمانة جدة وافقت على إيصال الكهرباء لما يقارب 2500 منزل في العامين الماضيين «ولا نمنع أي ساكن يستوفي الشروط المطلوبة». من جهته، يقول المواطن خالد الشهري من سكان الحرازات إنه شيد منزله منذ عدة سنوات وكلفني ما يقارب ال 700 ألف ريال، مضيفا «ولكن الفرحة لم تكتمل فرغم مرور خط الضغط العالي الكهربائي أمام منزلي إلا أنني محروم من هذه الخدمة المهمة والضرورية». وأضاف «اضطررت للاشتراك مع أحد مستثمري المولدات الكهربائية، ولكن المشكلة ليست في المبالغ المالية ولكن اضطراره لإغلاق الكهرباء لعدة ساعات في اليوم لإعادة صيانة المولد، وهذا ما يسبب حرجا كبيرا لنا خصوصا عند تواجد الضيوف». ويوضح خالد الشهري أنه ذهب إلى أمانة جدة وفوجئ بالعديد من الشروط التعجيزية التي تنتهي بعدم جواز إيصال الكهرباء إلى منزله رغم الأوامر الملكية الصادرة منذ سنوات «ولم تنجح كل توسلاتي لقبول طلبي ورضخت للأمر في انتظار مكرمة من ولي الأمر لعلها تصل قريبا». ورغم معاناة أهالي الحرازات من مشكلة الكهرباء إلا أن هذه الإشكالية ولدت وجه جميل للتعاون الاجتماعي بين السكان، حيث تسابق أغلبيتهم ممن يملكون التيار الكهربائي لنجدت جيرانهم المحرومين من خلال إيصال الكهرباء إليهم، واقتسام مبلغ الفاتورة بين الجارين. بدوره، يقول سعود اللهاوي إن عددا كبيرا من سكان الحي يعانون من مشكلة الكهرباء «ولكن ما يجري من تعاون بين الجيران يؤكد بأن التماسك الاجتماعي لازال باقيا بين الأهالي، والذي تتمثل صوره الجميلة في هذا التلاحم الأخوي بين السكان».