أكثر من ألف نسمة من سكان (يهره) يحلمون في كل عام بسفلتة الطريق الترابي، الذي يربطهم في مركز الحمضة التابعين له شرق محافظة تثليث جنوب المملكة بطول 53 كلم ويمر عبر سلسلة جبال وأودية تكثر فيها التعرجات وأشجار السدر والأراك، ما تسبب في إجهاض الحوامل وتعطيل سيارة الإسعاف وإعاقة تواصلهم مع المناطق المجاورة لهم التي تتوفر فيها الخدمات، فيما يعلقون آمالا كبيرة على ميزانيات الطرق والكهرباء واكتمال تجهيزات مركز الرعاية الصحية حسب وعود المسؤولين لهم، لكن أحلامهم سرعان ما تتبدد وقد خلت أدراج الجهات ذات العلاقة من أي من تلك المشاريع. ويشكل سكان يهره التي يخترقها واد سميت القرية باسمه، مجموعات من البدو الرعاة الذين يعيشون ظروفا معيشية سيئة، حيث يسكنون في صنادق وعشش، فيما زادت التضاريس القاسية التي تحيط بهم من صعوبة حياتهم، إذ تفتقر القرية لمقومات تجارية وتعليمية وصحية واجتماعية كانت ستنهض بحياة السكان، لكن غياب السفلتة غيب النهضة الشاملة عن يهره. يقول فهد مهدي القحطاني معرف البلدة: إن الأهالي تقدموا بعدة طلبات لسفلتة الطريق، لكن طلباتهم لم تجد الاستجابة من المسؤولين سواء في فرع الطرق في منطقة عسير أو في وزارة النقل، مشيرا إلى أن الطريق تسبب في إجهاض عدد من الحوامل وإعاقة وصول السكان الذين تعرضوا لنوبات قلبية ولدغات العقارب والثعابين إلى المستشفيات فماتوا قبل الوصول إلى هناك. مشيرا إلى أنه قد سبق لوزارة النقل، أن صممت الطريق وعملت له دراسات، ولكنه لم يعتمد في الميزانية رغم تأكيدات مسؤولي الطرق في عسير أن تنفيذ سفلتة الطريق سيكون مع بداية العام. وإذا كانت الخدمات الصحية ضرورة لأي تجمع سكاني، فإنها أكثر ما تكون ضرورة لسكان يهره، وذلك بحكم بعدهم عن المراكز والمحافظات التي تتوفر فيها كافة الخدمات العلاجية، ووفقا لهذا المفهوم لا يحقق مركز الرعاية الصحية الأولية في يهره الخدمة المتكاملة للسكان، ما يجعل طالب العلاج في حيرة من أمره، فإما أن يسافر عبر الطريق البري طلبا للعلاج أو يصبر ويتحامل على نفسه حتى يحكم الله بالشفاء أو الوفاة، ذلك أن المركز يقع في مبنى شعبي يتكون من غرف صغيرة خصصت إحداها للطبيب الذي عادة ما يكون غائبا، والأخرى للصيدلية والتي هي بلا صيدلي أو ثلاجة لحفظ الأدوية، وثالثة للضمادات والتي بدورها بلا ممرض وإن وجد فلا يتعدى تواجده يوما في الأسبوع بحسب الأهالي. عشرات الحالات تموت أثناء الطريق قبل الوصول إلى المستشفى في تثليث، وما زالت قصة «أبو متعب» تتردد بين الأهالي، حيث حمل ابنه المريض إلى مركز الرعاية في يهره، ولم يجد أحدا، سافر به على الطريق الترابي إلى تثليث، لكنه مات قبل وصوله إلى المستشفى، فضلا عن ضعف إمكانيات المركز الصحي ما عطل تطعيم أطفال القرية، خاصة بعد ضم المركز لصحة بيشة، فضلا عن غياب التثقيف الصحي ومراقبة صلاحية المياه للشرب والمواد الغذائية في البقالات القليلة في البلدة، فيما لقي أحد السكان حتفه على الطريق أثناء نقله إلى تثليث بلدغة عقرب، فعادوا به إلى القرية جثة هامدة. الكهرباء غائبة إن أكثر ما يتطلع إليه الأهالي هو إيصال التيار الكهربائي لقريتهم فمشاهدة التلفاز، وشرب الماء البارد، وحفظ اللحوم والمواد الاستهلاكية، ومقاومة حرارة الجو بالتكييف، ظلت أحلام تراود الأهالي، فرغم المطالبات المتكررة بإيصال التيار الكهربائي لا تزال يهره مظلمة ليلا، سوى من وميض بعض الفوانيس التي تعمل بالديزل. يقول محمد فهد مهدي: إنه بمجرد غروب الشمس يخيم الظلام على البلدة، وتتوقف حركة الناس، ويلزم الكل منزله ليكون قريبا من أسرته، مشيرا إلى أن أهالي يهره قد طالبوا بالكهرباء أكثر من مرة لحاجة المدارس والمركز الصحي لهذه الخدمة، ولكن وعود المسؤولين لم تتحقق حتى الآن رغم وصول التيار لمنازل مهجورة في الحمضة، بينما يهره بسكانها الذين يتجاوزون الألف نسمة ومرافقها التعليمية والصحية تشكو من عدم وصول التيار. انتشار الفقر وبينما ينتشر الفقر بين سكان يهره بنسبة كبيرة، يؤكد كل من فرج محسن وخضران مبارك، وناصر عوير، وعايض ثعيلان، ومهدي حمد أنهم يعولون أسرا كبيرة من النساء والأطفال، ولا يستطيعون تأمين متطلباتهم من مخصصات ومساعدات الضمان الاجتماعي، مشيرين إلى أن من لم يبلغ ال60 عاما تتوقف عنه المساعدة ما زاد حالتهم المعيشية سوءا. يعلق أحد السكان أنه يبلغ 54 عاما، وأسرته المكونة من تسعة أفراد بما فيهم والدته وشقيقته لا يملكون إلا خياما وشبوكا مغطاة بالقماش والخشب، ولا تبقي لهم الديون من مساعدة الضمان سوى 500 ريال، لا تكفي لشراء غذائهم، أو شراء ملابس جديدة في الأعياد. عزوف عن التعليم واللافت في يهره عزوف كثير من الأسر عن تعليم بناتهم وبعض أبنائهم، ولدى مناقشة الأهالي حول هذه السلبية أجاب سعيد صليم أن لديه تسع بنات لم يدرسن، وعايض شديد ثلاث بنات، وفهيد ناصر ثلاث بنات، ومهدي ذيب أربع بنات وولدين لم يستطيعوا جميعهم الالتحاق بالمدارس، مرجعين أسباب هذا العزوف لضيق ذات اليد، فهم لا يستطيعون تأمين ملابس واحتياجات المدارس، علاوة على عدم قدرتهم على تأمين المصروف اليومي للبنات والأبناء، ففضلوا تركهم دون تعليم تجنبا لزيادة الديون التي أثقلت كاهلهم. مركز للنمو ويبقى الإسراع بإيجاد مركز للنمو في يهره وإيصال الخدمات الضرورية لها من طرق مسفلتة وكهرباء ودعم المركز الصحي بالكوادر والتجهيزات مطلب مهم للسكان، كما هو مطلب للقادمين لها من معلمات ومعلمين قدر لهم العمل في تلك البلدة المفتقرة لمقومات الحياة. يقول فهد كريسيع إن الوضع الاجتماعي في بلدة يهره ينذر بخطر سينعكس سلبا على الحياة العامة إن لم يتدارك المسؤولون خطورته على السكان، فرغم وجود مدرسة للبنين وأخرى للبنات، ومركز صحي إلا أن الجهل يسيطر على المجتمع، والعادات الضارة منتشرة، والصحة العامة متردية، والجانب الاقتصادي غائب إلا من بقالة ضعيفة أو محطة محروقات بدائية تعمل بتحويل الوقود من قمة جبل إلى حفرة تستقبل السيارة المراد تزويدها بالوقود!.