نحن نعيش في عصر التناقضات، عصر البهدلة والعجائب، فكل شيء يتناقض مع كل شيء، فعلا وقولا، وشكلا وجوهرا. حتى تربيتنا لأبنائنا وتعليمنا لطلابنا لا تخلو من المتناقضات، فيكبر هؤلاء وهم في حالة «فقدان التوازن» فى أحسن الحالات، وفقدان الثقة في أجيالهم السابقة وتجاربهم في أسوأ الحالات. نحن نعيش فى عصر مصدر حكمته في النفوذ والسلطة، ومصدر تطبيقاته في الدولار والمدفع، وينبوع الوجاهة فيه في التزلف والمداجاة. نحن نعيش في عصر بعض حكوماته تقوم على سيطرة رجال المال وأصحاب الثروات المتسلقين، والطفيليات الماصة للدماء، ونقص العدالة وكبت الحريات، خاصة فى عالمنا الثالث النكد، وليس على إذكاء كرامة الشعوب واحترام حقوقها وتقديس تطلعاتها وطموحاتها. فالمادة أصبحت أم كل الأشياء، وأساس كل المبادئ (أو اللامبادئ)، ومنطلق الكثير من الدعاة والوعاظ والمدعين. نحن نعيش في عصر الاكتشافات العلمية المذهلة والمتلاحقة، يقابلها ضحالة الفكر وتدهور الخلقيات وانعدام الضمير، وسيطرة الأنانية واللامبالاة. عصر غريب، عجيب ومذهل، لا يمكن قراءة نهايته الآن. وفى محاولة لتلخيص تناقضات عصرنا الحالي، أشرك القارئ معي في ما قرأته عن ظواهر العصر، عسى ألا يصاب بالإحباط بعد قراءتها. أصبح أكثرنا يملك منازل أكبر.. وأسرا أصغر، ويملك وسائل راحة أكثر.. ووقتا أقل. أصبح أكثرنا حائزا على شهادات أكثر.. ومنطق أضعف، ولدينا معرفة أكثر.. وحكمة أقل. لدينا فى كل مجال خبراء كثر.. ومشاكل أكثر، ولدينا أدوية أكثر.. وعافية أقل. ضاعفنا ممتلكاتنا.. وقللنا قيمنا، وصرنا نتكلم كثيرا.. ونكذب أكثر. تعلمنا كيف نكسب رزقنا.. ولم نتعلم كيف نحيا، وأضفنا سنوات إلى حياتنا.. ولم نضف حياة إلى سنوات أعمارنا. أصبح لدينا مبان أعلى وصبر أقصر.. طرقنا أوسع وفكرنا أضيق. نحن ننفق أكثر ونمتلك أقل.. ونشتري أكثر ونستمتع أقل. وصل الإنسان إلى القمر وعاد إلى الأرض.. ولكنه يستصعب عبور الشارع لزيارة جاره. وانتصر الإنسان على الفضاء الخارجي ولم ينتصر على نفسه.. واستطاع أن يشطر الذرة، ولم يستطع بتر عنصريته. نحن نكتب كثيرا ونتعلم أقل.. ونخطط كثيرا وننجز أقل. لدينا دخل أعلى وأخلاق أدنى.. وفائض فى الكمية ونقص في النوعية. لدينا الكثير من وقت الفراغ والقليل من المتعة، والكثير من الطعام والقليل من التغذية، ومنازل فاخرة وبيوت محطمة. لذلك يا عزيزي، لكي تجابه هذه التناقضات وتتغلب على آثارها السلبية، أنصحك بالتالي: إحذف من مفرداتك عبارات مبهمة، مثل «في يوم من هذه الأيام» أو «يوم ما»، وأكتب خواطرك، أو الرسالة الجميلة التي فكرت في كتابتها «في يوم من هذه الأيام». أخبر أصدقاءك وأسرتك عن مقدار حبك لهم، ولا تخبئ أو تؤجل أي شيء يبعث على البسمة والسرور في حياتك وفي حياة الآخرين. فكل يوم وكل ساعة وكل دقيقة هي شيء مميز في حياتنا، ونحن لا ندري إن كانت أي منها ستكون هي الأخيرة في حياتنا. وأخيرا.. الحياة قصيرة، فلا تدع التناقضات تعكر عليك صفو حياتك، وتمنعك من متعة التأمل، ومتعة الابتسام، ومتعة الحياة، ومحبة الأهل والأصدقاء والأحباب، وتوكل دائما على الله. هامش: في ضوء أحداث تونس والقاهرة وليبيا وغيرها، من أجمل الأفكار التي قرأتها الجملة التالية، «تبين الآن أن التغيير الحقيقي في العالم هو ممكن عندما يتم التوصل إلى عتبة تتساوى فيها السياسة مع حياة الإنسان وكرامته». أما أسوأ ما سمعته فهو اعتراض أمريكا واستخدامها «الفيتو» لتعطيل القرار العربي في مجلس الأمن الدولي باستنكار العالم لاستمرار إسرائيل في بناء المستوطنات اليهودية على أراض عربية، ثم تدعي الإدارة الأمريكية أنها لا تزال تعترض على بناء المستوطنات الإسرائيلية على أرض عربية. كيف؟ هل يحق لأمريكا فقط أن تستنكر مع الرأفة، ولكن لا يحق لبقية العالم أن يفتح فمه بما يغضب «نور عينها» إسرائيل؟ عجبي!. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 129 مسافة ثم الرسالة