الصعود للأعلى يحتاج منا إلى عزم لا تبلد وتردد، إنها تبدو إلينا مغامرة، صاحبها يمتاز بشجاعة حازمة، فكلنا دون ريب نغامر كثيراً في حياتنا هذه، مع ذلك لا ندرك هذا، والحياة هكذا تبدأ لنا ولو أراد أحدنا تسلق جبل من تلك الجبال الشائقة، ربما أنه حلم يراوده، وهي على كل حال مغامرة قد تكون خطيرة وفي ذات الوقت من الصعب تحقيقه، وقد يسل صاحب هذا الحلم في نفسه طويلا كيف البدء؟ ومتى المنتهى؟ فالبداية له يكمن في اختيار النقطة التي منها يمضي في الصعود، هذا يحتاج منا إلى الثقة بالنفس أولا، وأن يقول في ذات نفسه أنه لابد أن يصل إلى القمة، دون أن تأخذه الرهبة، أما ما كان للسؤال الآخر، فمتى فهو منذ اللحظة الأولى من اتخاذه للقرار، وليس غداً، أو بعد غد، وفي هذه اللحظة الحاسمة يشعر ببعض من الخشية تجاه النجاح أو الفشل، هذه الهواجس يجب أن لا نجعلها في أذهاننا، ونجد أنفسا بعد ذلك في أمكنة مظلمة، وهنا يقبل إلينا اليأس ثم لا نستطيع الخروج عبر هذه الظلمات الحالكة، إلا إذا أضأنا ذاك المكان بنور الأمل المنير للنفس والقلب معاً، بذلك كله نزداد قوة وطاقة عجيبة، نكسر من خلالها تلك الأبواب الموصدة والحواجز المانعة، فالحياة هذه لا تخلو من الصعاب، فكل منا يمر فيها بموجة من الأعاصير توقفه عن المسير في لحظة وقوعه فيها، فيظل واقفاً، أو قل إن شئت حابساً نفسه في تلك الظلمات، دون حراك مستسلماً لواقعه. نجده كئيباً كسير الفؤاد، إذن في هذه الحال يعيش حالة عدم استقرار نفسي، فلم يعد ينتظر شروق شمس جديد، أو ظهور قمر منير، يشعر بخيبة أمل ويأس من المواجهة، كأنه قد غرق في بحر عميق وهو لا يجيد السباحة، أو كالذي سقط في حفرة عميقة لا يعرف كيف الخروج منها، إنه في هذه اللحظات يشعر باختناق، وكأن الدنيا لم تعد تسعه، بل أن الدنيا لم تعد له، فماذا بقي له فيها. يصرخ في وجه هذه الحياة، لا شيء يعجبه منها، فهو لا يطيق العيش فيها، فالأزهار ذات الألوان الزاهية برائحتها الزكية لا يراها كذلك، إنه يراها بمنظار أسود قاتم، بل قل أشواكاً مؤذية سامة قاتلة، وماذا بعد كل هذا يكون، إنه ساخط وقانط. وكل هذا وذاك لا يجدي شيئاً، بل لا يغير من الأمر أي شيء، طالما أنه لا يأمل خيراً للمستقبل. وليعلم الذين يرون أن اليأس من النجاح، مهما حدث فإنه لابد من تبدل الحال، فالفصول تتبدل كذلك حاله، من السيئ إلى الأحسن بإذن الله تعالى. يشعر باطمئنان يعود إلى نفسه، والسلام إلى قلبه فيطهرها من كل رواسب ذاك الماضي المظلم وآلامه الموجعة، وقد تلاشت مفسحاً بذلك مجالا لدفء شمس التفاؤل والآمال الكبيرة الرائعة، والحياة كما قلت سالفاً مليئة بالصعاب لكنها في آخر الأمر تزول، ولا يمكن لها بالبقاء المتصل، وحياتنا في الحقيقة أزمات تضيق بنا وبعيشنا. ولهذا وجب أن نقابلها بابتسامة حينئذ سنتجاوزها حتما بسلام، فالاستسلام أمام الأزمات ما هو إلا ضعف في داخل المرء، وليس لديه من الإرادة شيئا، فصاحب الإيمان القوي والإرادة أبدا لا يستكين لمجرد أنه قد صادف عقبة تحول بينه وبين ما يريد، ولنتأمل قول جبران خليل جبران «زرعت أوجاعي في حقل من التجلد، فنبتت أفراحا». وقول أوغست ماريو في علاقة التشاؤم بالعجز «نحن نصبح متشائمين عندما نشعر بعجزنا عن السيطرة.. فلنقل في قرارة أنفسنا أن ما حدث وسوف يحدث مستقبلا ما هو إلا أمر من أمور الحياة، وهو شيء عادي، ونواصل ركضنا حاملين آمالا رائقة لمستقبل مليء بالهدوء والراحة التي يرتجيها كل إنسان في حياته، فحينئذ نتمكن بتوفيق من الله تعالى تحقيق كل ما نتطلع إليه. ولكن هنالك من يأمل بأمل كاذب، وهو من الذين يتطلعون لغد مليء بالآمال والتطلعات الرائقة دونما عمل شيء، وهذا دون شك لا يؤدي إلا إلى الفشل في حياتهم، ومستقبل هؤلاء مظلم لطالما أنهم على هذه الحال. تركي الدهماني