مهما بلغ الفرد منا في تعداد ساعات الخيبة التي مرت به في حياته , فانه مهما جمعها لن تبلغ مشاعره "معشار " الساعة الأخيرة فى حياتنا , نحو استقبال الآخرة ..من وقت الاحتضار . وقد يندفع الى استعجال هذه الخيبة , وتجرع مرارتها كما حدث مع الشاعر خليل حاوي غداة الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982, حيث الهزيمة العربية , فانتحر مقررا إنهاءحياته. محدثا جدلاً في الأوساط الثقافية حول تعاطي المثقف مع الأحوال السلبية التى يعيش وطأتها ...مقررا عدم احتماليته لعيشها ! وقد تعجب ان نسبة كبيرة من هؤلاء المثقفين ,تعاطوا مع محيطهم بنفس التصرف , فقد قامت جمانة حداد بجمع عدد من الشعراء بلغوا مائة وخمسين شاعرا انتحروا , فقالت فى مقدمة كتابها «طاردتهم وعشتهم، عشتهم ومتُّهم. مئة وخمسين مرّة عشت ومائة وخمسين مرّة متّ. ومراراً، وكم شعرت بأني أنبش قبورهم بيديّ». ولعل العقاد كان أقوى فى تعاطيه مع الحياة , وأكثر صلابة الى إن خبا هذا الجبروت فقال : قبل موته لأحد أصدقائه : هل تظن إني أريد الحياة ? إنني لا أريدها ، ان الحياة التي لا تريد العقاد فان العقاد لا يريدها بل اني انبذ الحياة قبل أن تنبذني .!!! ولما حاول العقاد وهو في آخر ساعاته ان يكتب وجد القلم يهتز في يده قال: اذن فقد مات العقاد .ان هذا القلم لم يهتز قط في يدي وقد عشت من اجل ان يبقى ثابتا فإذا كان القلم يهتز فمعنى هذا انني جميعا اهتز . الآن فقط عرفت إنني ميت !! ويشبهه في مواجهة حقيقة يكابد في إخفاءها,المستعرب جون فيلبي فقبل موته صرح و قال: أخيرا.. لقد مللت العرب!! مما يؤكد الحالة القلقة التي يعيشها المثقف , وان ادعي غير ذلك , فهو يناطح فكر, ويعمل فؤوسه على موروثات أكل عليها الدهر وشرب ! وفي الوقت الذي تتعانق فيه أصابعه مع قلم الكتابة نحو التغيير , نجده يحبس روحه فى زنزانة كئيبة نتيجة خوضه للمرارة , وانغماسه بتاريخ مليء بالأحداث والمفاجآت، بالنجاحات و الإخفاقات، وفوق هذا عليه ان يتجاوز جميع مايعتمل حوله ويكتب بانسيابية وتركيز, وهذا مأزق يجد نفسه منساقا له دون أرادته , حيث يستفيق بعد سنين , وقد مرت حياته دون أن يشعر بلحظات من الصفاء الذهني , او العيش بسلام مع نفسه , تلك اللحظات التى تلقفها تولستوي وكتب يوصي حين اشتد به المرض, حين يحوم الموت حول رأسي فلا أريد أن يقتحم لقائي مع ربي أحدٌ من رجال الدين, أريد أن أقترب من خالقي في فيضٍ من نور المحبة, وليس مع ثرثرة كهنوتية .” وقد يتعالى على حظوظ نفسه حتى في اقسي اللحظات التي يكابدها من المجتمع , ولا يحاول ان يقتنص الصفاء الذهني , والانخراط مع ذاته , كما حدث مع العالم النرويجي آبل (Abel) الذي كتب مذكراته الرياضية قبل ساعتين من إعدامه وهو رهين السجن وكان لم يتجاوز الثلاثين من عمره حيث أصبحت تلك الأفكار التي سجلها معلماً هاماً وفتحت آفاقاً واسعة في الرياضيات ..وهذا يعتبر حالة نادرة , لأن الغالبية تمثلهم هذه النكتة الرمزية نكتة عراقية قديمة أيام الحرب العراقية الإيرانية، من أن كلبا إيرانيا أراد أن يعبر الحدود الإيرانية مهاجرا إلى العراق، فالتقى كلبا عراقيا مهاجرا يريد أن يعبر الحدود إلى إيران أيضاً ، فالتقيا على ساتر للجيوش والقصف المدفعي شديد بين الدولتين،وضع كل منهما بوزه ببوزالآخر، ودار بينهما الحوار التالي: - الكلب العراقي: لماذا تريد الهجرة من إيران؟. - الكلب الإيراني: لأني لا أستطيع أن أشبع، ثم أن الملالي يمنعوننا من التجوال في الشوارع ليلا ونهاراً، ثم أحببت أن أتجول في مدنكم العراقية حيث يقال: أن فيها ماءأ كثيرا ونخلا مثمرا، وولائم تقام في الأعياد والمناسبات الدينية وغير الدينية، علني أجد فيها ما يغنيني من جوع. - وأنت، سأله الكلب الإيراني، لماذا تريد الهجرة من العراق؟ - الكلب العراقي : كل شيء موجود في العراق،الماء والتمر والولائم، ولكني لا أستيطع أن أنبح.???!!!!!! فوزيه منيع الخليوي. .